الرئيسة \  واحة اللقاء  \  600 عام بين قاسم سليماني وتيمورلنك 

600 عام بين قاسم سليماني وتيمورلنك 

11.01.2021
إبراهيم العلوش



عنب بلدي 
الاحد 10/1/2021 
بعد ستة قرون من وصول تيمورلنك إلى دمشق، وصل قاسم سليماني ليعيد الدمار إليها ويتركها جائعة، كما تركها تيمورلنك في بداية القرن الـ15 الميلادي، فهل يقتنع الإيرانيون بأنهم لن يجنوا من هذا التخريب إلا ما جناه التتار والمغول من سمعة سيئة تقترب من سمعة الطاعون وهم يجتاحون سوريا؟ 
تيمورلنك وقاسم سليماني اجتاحا البلاد السورية بحجة أنهم مسلمون ويسعون إلى رفع الظلم، في حين أن كليهما كان متعطشًا لسفك الدماء والتنكيل بالناس، فقد سجل التاريخ فظائع التدمير وانتهاك الأعراض التي ارتكبها تيمورلنك، أما قاسم سليماني فقد أسهم مع النظام والروس بقتل نصف مليون سوري، وتهجير نصف عدد سكان سوريا إلى خارج منازلهم وبلادهم. 
في عام 1400 ميلادي، وصل تيمورلنك إلى حلب، وخرّب العمران فيها وقتل الناس بشكل وحشي، حيث أقام برجًا من جماجم أهلها يحتوي على 20 ألف جمجمة كما تقول كتب التاريخ، وفي السنة التالية دمّر دمشق بعد تدمير حمص وحماة، وانتهك جنوده أعراض أهلها، وقد روى المؤرخون حادثة قتله خمسة آلاف من الفتيان اليتامى في دمشق، بأن أطلق عليهم الخيل لتقتلهم معتذرًا بأنه استخار لهم الرحمة ولم تأتِ إلى قلبه فقرر قتلهم. 
ومثل تيمورلنك، الذي تدرج بالمناصب في سمرقند من موظف صغير حتى صار وزيرًا ومن بعد صار قائدًا، فإن قاسم سليماني الذي كان مجرد مؤيد للخميني، ترقى في مناصب “الحرس الثوري الإيراني” حتى صار  في عام 1998 قائدًا لـ”فيلق القدس”، المعني بتنفيذ العمليات الخارجية ونشر الفوضى في المنطقة العربية. 
وبعد أن قام سليماني بتقوية تنظيم “حزب الله”، صار لاحقًا عرّابًا لبشار الأسد الذي ضحى بالعلاقات العربية ورهن نفسه لإيران،  وجعل سليماني “حزب الله” يحل محل قوات الأسد في لبنان ليستكمل نهج التنكيل باللبنانيين الذين تجرؤوا وقاموا بثورة أخرجت قوات الأسد من لبنان عام 2005، وهندس مع الأسد و”حزب الله” مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، في عمل إرهابي يرقى إلى اعتباره من أكبر أعمال الجريمة المنظمة، وأجبر سليماني الأسد على فتح دوائر النظام السوري أمام الإيرانيين، والسماح بحملات التبشير الطائفي في الساحل السوري وفي كل المناطق السورية، وخاصة في درعا والجزيرة وحلب. وتدخّل بتعيين قادة كبار في الجيش وفي المخابرات، مارسوا التعذيب والقتل والتهجير، وظلوا يتبعون له حتى وصول الروس، الذين بدؤوا بتغيير بعض القادة من أجل أن يضمنوا لهم نصيبًا من تركيبة الدولة الأسدية المهترئة. 
وتفاقم نفوذه في سوريا ليصل إلى التحكم بالحرب ضد السوريين وتهجيرهم، ففي العام 2016 تسلّم قاسم سليماني بنفسه قيادة الفرقة المدرعة الرابعة، التي أهداه إياها ماهر الأسد لاقتحام حلب وتدمير نصف المدينة الشرقي، وتهجير أهلها كما فعل بالمدن السورية الأخرى بقتل وتهجير أهلها داخل سوريا وخارجها إلى الدول الأخرى، مغادرين وطنهم الذي صار يديره قاسم سليماني وميليشياته الطائفية تحت سماء تحرسها طائرات وصواريخ روسيا. 
بعد ستة قرون لا يزال السوريون يتذكرون جرائم تيمورلنك، فهل ستكون مكانة قاسم سليماني إلى جانب ذلك الطاغية أم ستتفوق عليها؟ خاصة أنه كان مقاول الدمار والتعذيب في محور الممانعة، وهو من استقدم الروس إلى المجزرة السورية، كما قال حسن نصر الله، في مقابلته الأخيرة في عام 2020، ليجربوا أسلحتهم بالمدنيين وبالمدن السورية. 
وبعد أكثر من 20 سنة من قيادته “فيلق القدس الإيراني”، خرج قاسم سليماني من دمشق لآخر مرة، قبل سنة من الآن، في تلك الليلة، في اليوم الثاني من عام 2020 على متن طائرة لرامي مخلوف متوجهًا إلى بغداد، وهناك استقبله أزلامه بقيادة “أبو مهدي المهندس” في موكب استهدفته طائرة أمريكية بلا طيار لترديه قتيلًا صباح الثالث من كانون الثاني 2020. 
رغم الوعيد الإيراني والزعيق في محور الممانعة، فإن الرد على مقتل سليماني لم يكن إلا بقتل 175 مدنيًا بقصف الطائرة الأوكرانية بعد أيام من تشييعه ومعظمهم من الإيرانيين. ورغم التهديدات التي لا تزال تتردد من إيران ومن “حزب الله” بالانتقام لمقتل سليماني، فإن الذكرى السنوية لمقتله مرت بلا أي رد سوى تهديدات إيرانية، بالإضافة إلى خطاب حماسي من حسن نصر الله، وتمثال لسليماني في الضاحية الجنوبية لبيروت! 
ورغم التوسع الإيراني والهيمنة والقتل والتخريب الذي أنجزه سليماني، فإنه ترك العواصم التي استولى عليها (دمشق وبيروت وبغداد وصنعاء)، مدمرة وجائعة تستجدي المساعدات من “الشيطان الأكبر” الأمريكي كما قال الكاتب اللبناني يوسف بزّي. 
قاسم سليماني مثل تيمورلنك، ارتكب الدمار من أجل تفريغ شحنة الهيمنة والاغتصاب، ولم يكن من أصحاب مشاريع بناء حياة جديدة، ولم يكن صاحب إبداع حضاري، فليس لدى تيمورلنك إلا الخيول والمكر والدمار، وكذلك ليس لدى قاسم سليماني إلا الثارات، وتزويج الفتيات في عمر التاسعة، وترويض تنظيم “القاعدة” من أجل استخدامه ضد “الشيطان الأكبر”، ذلك الشيطان الذي تستجديه إيران اليوم من أجل عقد اتفاقية نووية جديدة، ومن أجل فك الحصار الاقتصادي عنها وعن بشار الأسد!