الرئيسة \  واحة اللقاء  \  55 الف صورة من أقبية الأسد..صرخات لم تخترق آذان العالم

55 الف صورة من أقبية الأسد..صرخات لم تخترق آذان العالم

23.04.2014
علاء تباب


سوريا
القدس العربي
الثلاثاء 22/4/2014
استغرب من الدروشة السياسية عند المعارضة السورية، التي لم تعتد على خباثة السياسة العالمية، فهي على ما يبدو، أشبه بالغريق الذي يحاول التمسك بقشّة ولو صغرت، فحتى الآن ما زالت هذه الثورة تعيش في رحم الفطرة الشعبية، التي لا يقيم لها المجتمع الدولي أدنى وزن يذكر في حساباته المادية.
فسرعان ما تخاطفت هذه المعارضة التي تشكّل الوجه السياسي للانتفاضة الشعبية، الصور التي قيل إنها مسربة من الأقبية الأمنية لنظام الأسد، ظانةً نفسها أنها امتلكت الشعرة التي ستقصم ظهر الأسد من خلالها. لم تسعفها ذاكرتها السياسية الضعيفة، باستحضار أن الأمر ليس مشكلة أدلة، فالمجتمع الدولي يلتقط كلّ يوم مئات الألوف من صور المجازر الجماعية وببث حيّ ومباشر، بواسطة الأقمار الصناعية التي من المحال أن تتواطأ ذراتها الإلكترونية على الكذب والمؤامرة والإرهاب.
لذا فإن الـ 55 ألف صورة للمعتقلين السوريين داخل دهاليز معتقلات النظام، لم تحدث الأثر المتوقع في فلك السياسة الدولية. فالصور الإرهابية التي مثلتها عناصر داعش وأخواتها، بإخراج سينمائي بدائي من قبل نظام الأسد، كان لها الأثر الأكبر في عالم السياسة الدولية، الذي اعتاد على سماع كذب السياسيين، وتجاهل صرخات الشعوب. فالمشكلة ليست بالصورة، ولكن بمن يرى الصورة.
باختصار إذا أردنا أن نفهم الهدف من إصدار الصور المسربة وتوقيتها قبيل جنيف2، الذي تحاول الدول جعله الحلقة الأخيرة للثورة السورية، ولكن بقلمها هي. لا بدّ من معالجة الزهايمر السياسي الذي أصاب ذاكرة الثورة العربية، لنتذكر صور الأحرار من السوريين في تلك الأقبية المظلمة، وربطها بحادثة تسريب صور أحرار العراق في سجون أبو غريب، والتي أنتجتها الولايات المتحدة الأمريكية بعهد بوش الابن وبتمويل إيراني.
فمن يظن أن هذه الصور تسرّبت من دون رضى الأمريكيين، الذين سلّموا زمام الأمور لإيران في العراق، يكون ما زال ضمن إطار دروشة الساسة الجدد التي تحاول الثورات صهرها في فلك السياسة العالمية. إن هذه الصور المسربة ببساطة، تمّ توقيتها بعد تمكّن الأمريكيين من السلطة، وحكم العراق عن طريق أزلامهم الإيرانيين في المنطقة، ما يعني أنها كانت رسالة الانتصار التي وجهها الأمريكيون، أو بالأحرى الإيرانيون، إلى العراقيين. فالصور المسربة كما هو معلوم، ركزت بشكل كبير على كسر الرجولة العراقية أو بالأحرى العربية والإسلامية، من خلال إشراف المرأة الأمريكية على أنواع التعذيب المختلفة التي كان أهمها التعرية والاعتداء الجنسي وتشويه الرجولة العربية التي صهرها التاريخ في المنطقة.
وإن هذه الصور عادت بهيئة جديدة وبإخراج وتمويلٍ إيراني، ولكن بإصدار محلي تحت إشراف النظام. لذا فإن مسألة تسريب الصور للمعتقلين السوريين، هي السلفان الخارجي لرسائل التحدي والانتصار والتثبيط التي يحاول نظام الأسد، استخدامها كمانع حمل، يقتل بواسطتها الحياة في رحم الثورة السورية. فهذه الصور المسربة لا تعدو كونها رسالة انتصار يحاول نظام الأسد بثّها للثوار السوريين.
فمن ينتج آلاف الصور الحقيقية المصورة بالأقمار الصناعية، لن يخاف من أن يصدر ملحقاً ببعض الصور الفوتوغرافية للشعب السوري بشكل عام، وللشعوب العربية الأخرى، التي ربما تسوّل لها نفسها قرع باب الحرية. كان جمهور النظام المستهدف من هذه الصرخات الخرساء، في ظلّ هذا المجتمع الدولي الأبكم، هي رجولة الثائر السوري التي رسمتها الانتفاضة الشعبية للسوريين في عقول الشعوب الأخرى، والتي أصبحت تقف قاب قوسين أو أدنى من المطالبة بالحرية.
ويخلق المنهج الاستدلالي، الذي لا يملك الشعب سواه دليلاً في هذه الحقبة الزمنية التي لم تعد تريد الاعتراف بالواقع الذي تشاهده بثّا حيّا ومباشراً من مكاتبها السياسية، يخلق سؤالاً في غاية الأهمية، لماذا تبثّ هذه الصور قبيل جنيف2 بساعات زمنية محدودة، في الوقت الذي يرسم به النظام صوراً أخرى بريشة البراميل المتفجرة التي احترف من خلالها رسم اللوحات التشكيلية، التي لا تقلّ إجراماً عن صور الـ 55 ألف صرخة التي سرّبها ليفتح بها معرضاً للدكتاتورية التشكيلية خلال عقد مؤتمر جنيف للسلام!. الأمر ببساطة هو رسالة يوجهها النظام والدول الاستعمارية، التي أضاءت له الضوء الأخضر لبثها، من أجل وضع حدّ للثورة الشعبية، خوفاً من تصديرها كنموذج شعبيّ داخل هذه المنطقة العربية المحتلة.
كما أن هذه الصور حملت رسالة تاريخية أخرى أشبه برسالة صور أبو غريب لرجولة العراقيين، ولكن هذه المرة كانت الرسالة لأهل الشام، الذين يشكلون العدو التاريخي والوجودي لإيران في المنطقة، ليهمسوا بأذنهم قبيل جنيف، الذين يحاولون جعله مؤتمراً عالمياً لإخماد الثورة ونصرة المجرم، لن تنجحوا في ثورتكم، وحتى هذه الصرخات لـ55 ألف معتقل، لن تخترق آذان الاحتلال الدولي، وإن رجولتكم وفروسيتكم التي طالما تغنيتم بها في التاريخ، انظروا إلى حالها، كيف يتم اغتصابها وإذلالها، ومن ثمّ نكتب نحن بالبندقية ما نريد.
وحتى جنيف للسلام، الذي أتيتم لتعرضوا مظالمكم به على المجتمع الدولي، سنجعله معرضاً للوحات الديكتاتورية التشكيلية، الملونة بالدماء، والمطرّزة بجماجم الشعوب.