الرئيسة \  واحة اللقاء  \  5 أعوام لروسيا في سوريا...حسابات الربح والخسارة 

5 أعوام لروسيا في سوريا...حسابات الربح والخسارة 

06.10.2020
أسعد عبود


 
النهار العربي 
الاثنين 5/10/2020 
خمسة أعوام مضت على التدخل العسكري الروسي في سوريا. وخلال هذه الأعوام، لم تأتِ النتائج على قدر ما كانت تأمله موسكو، ولا هي كانت في الوقت نفسه دون مردود على المستوى الاستراتيجي.  
إذا بدأنا بالنتائج المحسومة، نرى أن التدخل العسكري الروسي، أنقذ النظام في سوريا من السقوط. ولم يكن التدخل الروسي كله عسكرياً، إذ لعب مركز المصالحة الروسي في حميميم دوراً كبيراً في تسهيل عمليات المصالحة التي جرت في محيط دمشق وفي الجنوب السوري وحمص. وأزالت هذه العمليات عبئاً عسكرياً كبيراً عن كاهل الجيش السوري.    
 وعلى الخط الموازي على الجبهات العسكرية، ولا سيما تأمين الغطاء الجوي للقوات السورية والحليفة للنظام، أنشأت سوريا مع تركيا وإيران ما بات يعرف بعملية أستانا، التي كانت عبارة عن عملية سياسية موازية لعملية جنيف التي تشرف عليها الأمم المتحدة. 
 وفي وقت كان التعثر من نصيب جنيف، كانت أستانا تحقق تقدماً في مسألة مناطق "خفض التصعيد"، التي كانت أولى الهدنات الفعلية التي شهدتها الحرب السورية. وكانت روسيا هي الطرف الضامن للنظام، بينما ضمنت تركيا أطراف المعارضة، لا سيما الفصائل التي تتلقى دعماً من أنقرة.  
ومع ذلك، لم يصادف النجاح عملية أستانا، لأن جولات تصعيد كانت تعقب كل وقف للنار، استعاد النظام بموجبها نحو 70 في المئة من الأراضي السورية. وعلى رغم أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال قبل أسبوعين إن الحرب في سوريا انتهت، فإن واقع الأمر يخالف ذلك.  وبالوقائع، لا يزال جزء كبير من شرق الفرات خارج سيطرة الدولة السورية. والقوات الأميركية توفر دعماً ل"قوات سوريا 
الديموقراطية" (قسد)، التي تسيطر على المنطقة الغنية بالثروات الطبيعية وتشكل حاجزاً يمنع التواصل البري بين سوريا والعراق في أكثر من معبر. كما أن القوات التركية تحتل أجزاء من شرق الفرات وشمال حلب وأجزاء واسعة من محافظة إدلب وتحتفظ حتى بنقاط مراقبة أقيمت بموجب تفاهمات "خفض التصعيد" في شمال حماة. 
 وتتحكم "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقا) بجزء لا يستهان به من إدلب، وكذلك تقيم جماعات جهادية، بينها الحزب الإسلامي التركستاني و"حراس الدين" المبايع لتنظيم "القاعدة" مواقع لها في إدلب أيضاً. كذلك يخضع سهل الغاب في ريف حماة لسيطرة فصائل جهادية وأخرى موالية لأنقرة. وهناك حالة مشابهة في ريف اللاذقية الشمالي. أما في البادية السورية، فيحتفظ تنظيم "داعش" بخلايا تخوض حرب استنزاف ضد الجيش السوري والقوى المتحالفة معه.  
 هذا العرض الموجز للوضع الميداني، ضروري للوصول إلى استنتاج مفاده أن الحرب في سوريا لم تنتهِ بالكامل. أما العملية السياسية فلم تحرز تقدماً نوعياً يمكن البناء عليه. ولولا اجتماع عقدته اللجنة الدستورية المصغرة قبل أسابيع في سويسرا، لكانت حصيلة العام الحالي تكاد تساوي صفراً على الصعيد السياسي.    
هذا لا ينفي حقيقة أن روسيا تبذل جهوداً حثيثة في عملية التواصل مع كافة أطراف المعارضة السورية، ومن بينها الأحزاب الكردية في شرق الفرات، علها تفتح ثغرة في الجدار السياسي. لكن الجهود الروسية وحدها لن توصل إلى نتائج إيجابية، إذا لم تفلح موسكو في اقناع الرئيس بشار الأسد بتقديم تنازلات لمصلحة المعارضة، وخصوصا في ما يتعلق بوضع دستور جديد، يكون أساساً في بناء سوريا الجديدة.  
 وما يجب ألا يغيب عن البال، أن العقوبات الأميركية المشددة على سوريا بموجب "قانون قيصر"، لم تكن عاملاً مساعداً لروسيا في جهودها السورية. كما أن الوجود الأميركي العسكري الرمزي في شرق الفرات لا يساعد موسكو على اقناع الأكراد بابرام صفقة مع النظام.  
وعلى قدر مماثل، يلعب الاحتلال التركي لشمال سوريا، دوراً غير مساعد في حسم الوضع في شمال حلب وإدلب واللاذقية وحماة، عسكرياً. ولا يبدو أن تركيا قد دخلت إلى تركيا لتخرج منها. وهذا ما يزيد من تعقيد المهمة الروسية. وفي الوقت نفسه، دلّت المواجهات التي جرت أواخر العام الماضي واوائل العام الجاري في إدلب على صعوبة الحسم العسكري بعدما دخلت أنقرة مباشرة على خط المعارك، بما هدد باندلاع مواجهة عسكرية تركية-روسية مباشرة. 
 وهذا أدى بدوره إلى جمود الوضع العسكري. وأخفقت التفاهمات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، في تنفيذ اتفاق لفتح الطريق السريع الاستراتيجي المعروف ب"إم فور" الذي يربط حلب باللاذقية، إذ حالت هجمات "هيئة تحرير الشام" دون ذلك.  
ولا بد من الإشارة إلى أن من بين المعوقات أمام الجهود الروسية في سوريا، ذلك التنافس البارد مع الدور الإيراني، وإصرار إيران على توسيع نفوذها والفوز باستثمارات ومشاريع اقتصادية وابرام اتفاقات عسكرية مع الحكومة السورية. وعلى رغم أن التنافس الإيراني-الروسي، لا يخرج إلى العلن، فإنه يمكن تلمس عدم ارتياح متبادل. 
 ولا تخفي إيران انزعاجها بين الحين والآخر من غض روسيا الطرف عن الغارات الإسرائيلية المتكررة على المواقع الإيرانية في سوريا. 
أما من الناحية الاستراتيجية، فإن روسيا بتدخلها العسكري، قد أمنت دوراً لها ليس في سوريا فحسب، بل في الشرق الأوسط أيضاً. والقاعدتان، الجوية في حميميم باللاذقية، والبحرية في طرطوس وفرتا وجوداً عسكرياً دائماً لروسيا في شرق المتوسط.    
ومنع عدم التوصل إلى استقرار سياسي دائم، روسيا من الاستثمار اقتصادياً على نطاق واسع في سوريا، وخصوصاً في مجال الثروة النفطية.