الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "4" فصول في دمشق.. كتاب لصحفية هولندية عن جحيم الفلسطينيين في سوريا 

"4" فصول في دمشق.. كتاب لصحفية هولندية عن جحيم الفلسطينيين في سوريا 

13.04.2021
محمد موسى


الجزيرة 
أمستردام 
11/4/2021 
"هل هناك ملابس أطفال في الداخل؟"، هكذا فاجأ الجندي السوري "أميرة" الفلسطينية السورية، التي كانت خرجت للتو برفقة زوجها من أحد بيوت مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، والذي يقع على أطراف العاصمة السورية (دمشق). 
لم يكن الجندي يعرف أن المرأة التي سألها هي صاحبة البيت التي خرجت منه، وأنها كانت تعاين بيتها للمرة الأولى، بعد أن استعاد الجيش السوري السيطرة على المخيم عام 2018، عقب معارك ضارية استمرت لأشهر طويلة مع تنظيم الدولة الإسلامية."أنت تتحدث عن بيتي.. هذا ليس متجرا". ردت أميرة بغضب على الجندي السوري، وكادت أن تصفعه، لولا تدخل زوجها الذي أخذها جانبا خوفا عليها من رد فعل الجندي. 
"اذهب إلى الداخل فربما تجد شيئا يعجبك" رد الزوج باستسلام على الجندي. 
هذه واحدة من عشرات الحوادث المؤثرة والوحشية، التي ترويها الصحفية الهولندية فيرنانده فان تيتس في كتابها الضخم "4 فصول في دمشق"، والذي صدر مؤخرا باللغة الهولندية، ويسجل يوميات العام الذي قضته الصحفية كموظفة في منظمة الأونروا التابعة للأمم المتحدة (تأسست عام 1949، وتختص بتقديم المساعدة للاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط). 
نجحت الصحفية الهولندية في دخول سوريا عام 2018 كموظفة في الأمم المتحدة، بعد أن رفض طلبها مرارا لدخول البلد كصحفية، ولم تنتبه السلطات في سوريا بأن الموظفة الجديدة في الأونروا هي الصحفية الهولندية نفسها، التي غطت النزاع المسلح في سوريا لسنوات. 
عملت فان تيتس في سنوات الحرب السورية من لبنان بدرجة أساسية، ولفترة وجيزة من سوريا، قبل أن ترفض السلطات هناك تجديد إقامتها. كما رافقت الصحفية الهولندية بعض اللاجئين السوريين في رحلات لجوئهم إلى أوروبا. 
فلسطينيو سوريا في زمن الحرب 
كانت فان تيتس قريبة بحكم عملها في منظمة الأونروا من الفلسطينيين في سوريا، وشهدت على حوادث تاريخية مهمة، مثل عودة بعض سكان المخيمات الفلسطينية إلى بيوتهم المدمرة، والتغييرات الديموغرافية التي طرأت على أحياء سكنهم. 
كما سجل الكتاب الانهيار الكبير في وضع فلسطينيي سوريا بعد تقليل المساعدات المالية، التي كان الفلسطينيون يتلقونها من الأمم المتحدة، قبل أن تتوقف الولايات المتحدة عن دفع حصتها من تلك المساعدات. 
وتهتم الكاتبة في هذا الخصوص بالسرقة المنظمة، التي تعرضت لها المخيمات الفلسطينية من مافيات خاصة في الجيش السوري، التي تقاسمت فيما بينها المناطق تلك، واعتبرتها غنائم حرب. 
زارت الصحفية الهولندية مخيم اليرموك بعد فترة وجيزة من تحريره، كجزء من عملها في منظمة الأونروا، واطلعت على حجم الخراب في المخيم بسبب الحرب، وكذلك ما حصل بعدها من سرقة الأبنية التي لم تصلها. 
يصف كتاب "4 فصول من دمشق" مخيم اليرموك بعد تحريره كمركز للجريمة المنظمة، فهناك مئات الرجال المجهولين والنساء الذين كانوا يغطون وجوههم بالسواد، ويجوبون المخيم بحثا عن أي شيء يمكن سرقته. 
نقلت أميرة، التي تعمل هي الأخرى في منظمة الأونروا، للكاتبة الهولندية، بأن زيارتها الأولى لبيتها في المخيم كشفت عن سرقة الأجهزة الكهربائية، وفي الزيارة الثانية، اختفى الأثاث والصور والأغراض الخاصة، وفي الزيارات اللاحقة كانت الشبابيك والأبواب وحتى الأسلاك الكهربائية قد خلعت وسرقت، وهذا كان حال معظم بيوت المخيم الفلسطيني. 
وتخصص الصحفية فصلا للتطورات الخطيرة، التي تتعلق بملكية الفلسطينيين السوريين لبيوتهم في سوريا، إذ أصدرت الحكومة السورية في الأعوام الأخيرة سلسلة من القوانين، التي ترمي إلى تغيير البنية السكانية للأحياء التي كان يعيش فيها الفلسطينيون. 
صحيح أن هذه القوانين تعترف بملكية فلسطينيي سوريا لأملاكهم قبل الحرب؛ لكنها تشترط منهم مثلا أن يقدموا أوراق الملكية في غضون فترات قليلة؛ وإلا فقدوا ملكيتهم، وهذا أمر يعد مستحيلا لمعظمهم، بسبب هجرة قسم كبير منهم إلى خارج سوريا أو انتقالهم في سوريا نفسها، وضياع وتلف الكثير من الوثائق في الحرب. 
وهذا أدى إلى خسران الكثير منهم لحقهم في المطالبة بأملاكهم، ولتنتقل حقوق تلك الأملاك إلى الدولة السورية، التي حولت الكثير منها إلى شقق فاخرة لأثرياء الحرب. 
لا تبدو الكاتبة متفائلة بدور المنظمات الإنسانية، إذ ترى أن الحكومة السورية رسمت سياسات هذه المؤسسات عبر وسائل عدة، منها التهديدات المبطنة بوقف نشاطها مثلا، أو عدم منح موظفيها الأجانب إقامات دائمة في سوريا، وأن الحكومة السورية بهذا استفادت من المساعدات الدولية، التي حصلت عليها سوريا في سنوات الحرب. 
كما يدعو الكتاب الحكومات الأوروبية إلى التريث وعدم إرسال أي لاجئ سوري إلى بلده، فالوضع في سوريا ما زال خطرا للغاية على السوريين. 
يوميات 4 فصول في سوريا 
وكشفت الصحفية للجزيرة نت، أنها كانت تسجل يومياتها في سوريا خلال الفترة التي قضتها هناك، وأنها كتبت كتابها بعد عودتها لهولندا وبسرعة كبيرة؛ لأنها أرادت الكتابة عن سوريا والتجارب ما تزال طازجة في رأسها، كما أنها قامت ببحث موسع حتى تضع الخبرات التي مرت بها في سياقها الصحيح. 
وتشرح علاقتها بالحرب في سوريا قائلة "أتابع النزاع في سوريا منذ عام 2011، في البداية من لبنان كمراسلة في الشرق الأوسط لعدة صحف غربية منها "ذا إندبندنت" (The Independent) البريطانية، وما زلت أحتفظ بملاحظات عن المقالات التي كنت أكتبها في ذلك الوقت؛ لكن الاهتمام في الكتاب سيكون على الفترة التي قضيتها في دمشق من عام 2018 إلى 2019
اهتم الكتاب بشكل كبير باللاجئين الفلسطينيين في سوريا، وتعقيد الوضع الذي عاشوه مقارنة بالسوريين، وتعتبر فان تيتس أن وضع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا كان أفضل من أقرانهم في الدول العربية المجاورة؛ إلا أن حالهم صار أصعب من السوريين بعد بداية الصراع هناك. 
تلخص الكاتبة وضع هجرات الفلسطينيين في سوريا بالتالي "أكثر من 60% من الفلسطينيين اضطروا للسكن في مكان آخر على الأقل لمرة واحدة بسبب الصراع، وأكثر من 120 ألف فلسطيني هاجروا البلد من 550 ألفا كانوا يعيشون في سوريا قبل الأزمة". 
وتعتبر الكاتبة أن مشاكل ملكية بيوت الفلسطينيين ستكون من المعضلات الكبيرة في المستقبل، ذلك أن الفلسطيني في سوريا يحق له امتلاك شقة واحدة فقط؛ مما قاد إلى اتفاقات غير رسمية حول الملكية، كأن يكون اسم الجار أو الصديق السوري في عقد ملكية شقة يملكها فلسطيني مثلا، ولأن مخيم اليرموك حيث يسكن أغلب الفلسطينيين دمر تماما؛ مما سيسبب مشاكل لاحقة بخصوص الملكية. 
معضلة الشيطان 
وعن تعقيد عمل المنظمات الإنسانية الدولية في سوريا، تنبه الكاتبة أن توفير المساعدات الإنسانية في سوريا لا يمكن أن يتم بدون التعاون مع نظام الأسد "على سبيل المثال لنقل بضائع معينة خاصة بالمنظمات الإنسانية يجب أن تتعامل مع النخبة في النظام السوري. وكذلك كل شركات الهواتف هي بأيدي أصدقاء الرئيس. وعن طريق وضع العراقيل البيروقراطية، يسيطر النظام على من وأين يمكن أن توزع المساعدات، وأي مشروع إنساني يمكن القيام به". 
وتشدد فان تيتس على أن المجتمع الدولي يجب أن يواجه تدخل الحكومة السورية بعمل المنظمات الدولية؛ لكنها تقر بصعوبة هذا الأمر، لأن العاملين في الأمم المتحدة الذين يعترضون أو يواجهون ذلك يتم سحب إقاماتهم، عندها لا يمكن أن يقوموا بأي شيء آخر وعليهم المغادرة. 
وفيما إذا كانت الصحفية الهولندية تخطط لمواصلة تغطية الشأن السوري، فهي تكشف بأنها ما زالت تتابع الوضع في سوريا؛ لأن مصير الإنسان هناك أمر قريب إلى قلبها كثيرا، "وحتى لو أني لن أحصل على تأشيرة لسوريا مجددا، لي هناك أصدقاء أتمنى أن أقابلهم في المستقبل مرة أخرى. على الأرجح سيكون اللقاء في الدول المجاورة مثل لبنان والأردن". 
وبعيدا عن لبنان الذي عاشت فيه لسنوات، تكتب الصحفية الهولندية اليوم من هولندا عن قضايا السوريين في أوروبا، وتتابع محاكمات أتباع الأسد فيها. 
وتقول "كنت الأسبوع الماضي في المدينة الألمانية كوبلنز، حيث تم الحكم على أحد أعضاء المخابرات السورية بعقوبة السجن 4 سنوات ونصف السنة؛ لمشاركته في جرائم ضد الإنسانية. أتأمل أن تقام قضايا مشابهة في دول أوروبية أخرى".