الرئيسة \  واحة اللقاء  \  11 أيلول والقطب الاميركي... فن صناعة الإرهاب

11 أيلول والقطب الاميركي... فن صناعة الإرهاب

14.09.2021
عمرو فاروق


النهار العربي
الاثنين 13/9/2021
عشرون عاماً مرت على قيام مجموعة محمد عطا وخالد شيخ محمد ورمزي بن شيبة بالتخطيط من داخل مدينة هامبورغ الألمانية، لتنفيذ تفجيرات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، التي هزت أرجاء العالم شرقاً وغرباً، وتعرف في قاموس الإرهابيين بـ"غزوة مانهاتن"، وكانت سبباً في تغيير ميزان القوى الدولية والإقليمية، وفرضت قيوداً على المشهد العالمي.
ثمة اسئلة تطرح نفسها على الساحة الدولية، في ظل اتخاذ الولايات المتحدة الاميركية (القطب الأوحد الحاكم للعالم)، إجراءات مكثفة ومركبة ومعقدة منذ تفجيرات الحادي عشر من  ايلول، أهمها هل كانت واشنطن جادة في مكافحة الإرهاب؟ أم كانت ذريعة اتخذتها من أجل فرض سطوتها على العالم كقوى عظمى؟.
وهل حقاً تمكنت منظمومة مكافحة التطرف والإرهاب العالمي من القيام بدورها في القضاء على تنظيم "القاعدة" وتنظيم "داعش" وحركة "طالبان"، وجماعة "بوكو حركرام" وغيرها؟، وهل جُففت منابع الإستقطاب الفكري والديني؟، وهل اختفت الحواضن الشعبية للجماعات الأصولية؟، وهل توقف التوظيف السياسي لتيارات الإسلام الحركي؟، وهل تفككت معسكرات التدريب والتأهيل المسلح؟.
يدرك الكثير من المحللين والسياسيين أن 11 ايلول 2001، نقطة مفصلية في التاريخ العالمي سياسياً وفكرياً وثقافياً واجتماعياً، جراء ما فرضته تداعيات الحدث الإجرامي الأكبر في القرن الحادي والعشرين، وما تلاه من تغيير في السياسة الخارجية الاميركية، والإنتقال من العدو الأحمر "الحرب على الشيوعية" إلى العدو الأخضر،"الحرب على الإرهاب".
لا يمكن بحال تنفيذ المخطط الإرهابي وتمريره من دون تغاضي وكالة الاستخبارات الاميركية عن المنفذين، وتسهيل مهامهم في الوصول والسيطرة على الطائرات المدنية والإنحراف بها عن مسارها الجوي، والاتجاه بها نحو برجي التجارة العالمي، ومبنى البنتاغون، ومبنى البيت الأبيض.
الكثير من الشواهد وثقت تجاهل الاستخبارات الاميركية برئاسة جورج تينيت (1996- 2004)، الكثير من التقارير والمعلومات الاسخبارية التي رصدت مبكراً مخطط تنظيم "القاعدة" القيام بالهجوم الإرهابي تحت غطاء قطري إيراني، وفقاً لتصريحات نائب الرئيس الاميركي حينها، ديك تشيني  (2001 - 2009 ).
 كما لا يمكن تجاهل اعترافات رئيس جهاز أمن الدولة المصري الأسبق( الأمن الوطني حالياً)، اللواء حبيب العادلي، والتي سجلها فى محضر جلسة 9 آب( أغسطس) 2014، من أن الدولة المصرية أبلغت CIA، وFBI  في ايار (مايو )2001 بتخطيط تنظيم "القاعدة" لعمل إرهابي ضخم يستهدف الولايات المتحدة الاميركية، وأنها أعادت الإبلاغ مرة أخرى في آب، أن العملية دخلت حيز التنفيذ بعد تدريب العناصر وتأهيلهم على السيناريو المتفق عليه، وأنها تحصلت على المعلومات من  مصدر مصري سري، تم زرعه في قلب تنظيم "القاعدة" داخل أفغانستان.
خلقت الولايات المتحدة عدوها الافتراضي الجديد، وأجبرت المجتمع الدولي على الاصطفاف خلفها في حربها على الإرهاب، تحت شعار "من ليس معنا فهو ضدنا"،  بعد ما تخلصت من عدوها التقليدي المتمثل في الاتحاد السوفياتي، عن طريق الجماعات الراديكالية التي صنعت في حواضن الحرب الأفغانية، ولعبت دوراً بالوكالة عنها في حربها ضد خصومها،من دون أن تفقد جنديا واحدا من قوتها النظامية المسلحة، ثم اتجهت للسيطرة على دول المنطقة العربية والشرق الأوسط، محققة الكثير من المكاسب السياسية والاقتصادية والأمنية، تحت لافتة مكافحة الإرهاب والتطرف.
 كانت 11 ايلول بمثابة الورقة الرابحة للولايات المتحدة في السيطرة على العالم منفردة من دون شريك أو منافس حقيقي، وفرض هيمنتها المطلقة، ومنحها الغطاء الدولي لتمرير مشاريعها السياسية، مستخدمة كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة للضغط على الأنظمة السياسية الحاكمة، لاسيما العربية، والتدخل في شوؤنها الداخلية.
في إطار عولمة الإرهاب والتطرف،  كانت 11 ايلول الأداة الأكثر فاعلية في صناعة بروباغندة وهالة إعلامية في عمق المتجمعات العربية، حولت تنظيم "القاعدة" من مجرد كيان شبه محلي إلى تنظيم دولي عابر للقارات، يتمتع بحواضن شعبية وسياسية، لاسيما بعد ما أعلن الرئيس بوش الحرب على الإرهاب،في خطابه الذي ألقاه أمام الكونغرس، في 20 ايلول 2001،قائلاً: "حربنا على الإرهاب تبدأ بالقاعدة، لكنها لا تنتهي عند هذا الحد، ولن تنتهي حتى يتم العثور على كل جماعة إرهابية ذات نطاق عالمي وتوقفها وهزيمتها".
وفرت عمليات تفجير برجي مركز التجارة العالمي الغطاء الدبلوماسي للولايات المتحدة  لتنفيذ سياسات متطرفة، واتخاذ إجراءات إقليمية ودولية، لم يكن بالإمكان قبولها في مرحلة ما قبل الهجمات، فوجهت ضرباتها العسكرية ضد أفغانستان والعراق، تحت ما يعرف بـ"الضربات الوقائية"، بهدف السيطرة على جنوب آسيا وشرقها، ومحاصرة النفوذ الإيراني.
كما وضعت الكثير من الدول على قوائم العقوبات الاقتصادية والسياسية بتهمة التورط في تمويل الإرهاب، وفرضت أجندتها على الأوضاع الداخلية للنظم السياسية في ما يتعلق بتأسيس مؤسسات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان والجهات المانحة،تحت إدعاء دعم الديموقراطية والحريات العامة، وغيرها من الأدوات التي استخدمتها في تمرير مشاريع تقسيم المنطقة العربية وتغيير هويتها الفكرية والثقافية.
 السيطرة على مصادر الطاقة في الشرق الأوسط والمنطقة العربية، كانت بمثابة الهدف الأهم للولايات المتحدة، وفقاً لما ذكره جون ويسلي سنايدر، وزير الخزانة الاميركي السابق في عام 1948 "من يتحكم في صنبور نفط الشرق الأوسط يتحكم في العالم".
قبيل تنفيذ العملية الإرهابية، ثمة مفاوضات تمت بين الجانب الاميركي، وحكومة "طالبان" للحصول على موافقتها بشأن مد خط أنابيب نفط من آسيا باتجاه أوروبا، وهو ما رفضته "طالبان"، ومن ثم كان القرار الاميركي بضرورة إحتلال أفغانستان لمدة تزيد على العشرين عاماً، وفي المقابل تمت السيطرة على المخزون النفطي العراقي الذي يتجاوز الـ 250 مليار برميل وفق الإحصاءات الرسمية تحت أكذوبة امتلاكه أسلحة دمار شامل تهدد الأمن القومي الاميركي.
احتلال العراق وسقوط نظام صدام عقب 11 ايلول، كانا بمثابة نقطة التحول في المنطقة العربية والشرق الأوسط، وتحويل الصراع من عربي - إسرائيلي إلى عربي- فارسي برعاية إسرائيلية وسقوط القومية العربية والأحزاب العلمانية أمام التطرف والولاء المذهبي والطائفي.
 في كتابه "الخديعة الكبرى"، أشار الصحافي الفرنسي تيري ميسان،  إلى أن مجمل أحداث 11 ايلول ما هي إلا مسرحية كوميدية وتراجيدية في الوقت نفسه، من إخراج السلطات الاميركية، بناء على وثائق ومعلومات استخبارية.
أخفقت التدخلات العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة وحلفاؤها بعد أحداث ايلول، في تحقيق الأمن والاستقرار داخل الدول التي ارتكزت فيها، بل وكانت سبباً رئيسياً في إشعال الصراعات الطائفية والمذهبية والعرقية؛ ما وفر ملاذات آمنه للتنظيمات الإرهابية التقليدية، وفي مقدمتها تنظيم "القاعدة"، وحركة "طالبان"، وكذلك تنظيم "داعش"، الذي تمتع بنفوذ إجرامي ووحشية دموية.
رغم مليارات الدولارات التي أنفقتها الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب، وملاحقة التنظيمات المتطرفة ومحاصرتها، فإنها لم تحقق أي نتيجة تذكر، فما زالت التنظيمات المسلحة تتغلغل في عمق المنطقة العربية، وتجد حاضنة شعبية وسياسية، ومازالت أوروبا في مرمى الهجمات الأرهابية المسلحة التي استهدفت أمنها واستقرارها، وأشعلت العداء للشريعة وضوابطها الفكرية.
 في طريق تمرير مشاريع تغيير الهوية الفكرية والثقافية للمجتمعات العربية، اتخذت الولايات المتحدة الاميركية الهجوم الإرهابي في كمحاولة للقضاء على عاداتها وتقاليدها الراسخة والثابتة على مدار التاريخ القديم والمعاصر، في إطار ما يعرف بـ"صراع الحضارات"، بناء على كتابات العالم السياسي الراحل صموئيل هنتنغتون (1927- 2008)  حول معارك اميركاالسياسية والفكرية، والتي توقع فيها أن صراعات ما بعد الحرب الباردة لن تكون بين الدول القومية لعوامل سياسية أو اقتصادية أو ايديولوجية، لكن تتمحور حول المواجهات الحضاريّة القائمة على أسسس دينيّة وثقافيّة، جاعلاً من الإسلام والكونفوشوسية (الفلسفة الصينية)، مصدر التهديد الأول للكونية الغربية.
عقب 11 ايلول كثفت الولايات المتحدة من جهدها تجاه نظرية "شيطنة الإسلام السني"، وتصديره على أنه الخطر الأكبر على الحضارة والمدنية الغربية وفقاً للمشروع البحثي الذي قدمه المؤرخ البريطاني الصهيوني، برنارد لويس، مستشار الأمن القومي الاميركي، تحت عنوان"جذور الغضب الاسلامي"، داعياً إلى ضرورة تطبيق مشاريع غزو الشرق، تحت لافتة مواجهة الجماعات الأصولية.
 استخدمت الولايات المتحدة الاميركية كل أوراقها ضد عدوها الذي خرج من رحم سياستها الإستعمارية، تحت مسمى جماعات الإسلام السياسي والحركي، التي عملت على تجييش المجتمعات العربية والتعاطي مع نظرية "المؤامرة على الإسلام"، لمواجهة الغرب وأطروحاته بشكل عام، وصدرت الشريعة الإسلامية كقوة جيوسياسية استعمارية دموية في عمق القارة الأوروبية، وخلقت حالة من الخوف والكراهية ضد الإسلام تحت مسمى "الإسلاموفوبيا".
استغلت الإدارة الاميركية 11 ايلول في أحكام قبضتها الأمنية على الداخل الاميركي، إذ أقر الكونغرس مجموعة من القوانين، أهمها "القانون الوطني الاميركي" لعام2001، والذي تضمن العديد من المواد التي دعمت من سلطات أجهزة الأمن الاميركية، مثل احتجاز الأجانب، والتنصت على أجهزة الهاتف المختلفة، وحق تجميد الأرصدة البنكية للعناصر المشتبه بهم من دون تقديم الأدلة الجنائية.
كما تم تأسيس المحاكم العسكرية لمحاكمة المتهمين بالإرهاب، وإنشاء مكتب "الأمن الداخلي"، في 20 ايلول 2001،  للتعامل مع مختلف القضايا الداخلية، والذي تحول وزارة كاملة للأمن الداخلي بعد عدة أشهر، برئاسة توم ريدج حاكم ولاية بنسلفانيا.