وجهة نظر :
تحية النيروز
فقه من كتب الأدب
زهير سالم*
وقُدّم لسيدنا علي رضي الله عنه، في مقامه في العراق وجبة إفطار خاصة، فيها من الحلوى والأطايب؛ فأفطر، وأعجبته، فسأل عن سر تميز الطعام، فقالوا له: إنه يوم النيروز، ببساطة وعفوية وتلقائية، قال: "نييروزنا كل يوم"
ودار عنوان "النيروز" بالتلقائية والعفوية نفسها على ألسنة الناس، بوصفه اليوم المرتبط بالرببع والأزهار، وأول الانقلاب الربيعي ، فدمجه الشعراء في أشعارهم، والأدباء في ترسلهم: يقول الشاعر العربي أبو الوليد البحتري في قصيدته في وصف الربيع التي مطلعها:
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا …من الحسن حتى كاد أن يتكلما
يقول:
وقد نبه النيروز في غسق الدجى…أوائل ورد كن في الأمس نوما..
في حضارة المسلمين، عندما كان المسلمون واثقين من أنفسهم، كانت الأمور تجري ببساطة أكبر، وبسلاسة أكثر، وبروح الانفتاح على الناس والثقافات والحضارات…
يحتفل إخواننا المصريون في اليوم نفسه، بيوم "شم النسيم" احتفالا متسلسلا من تاريخ الحضارة الفرعونية. وقد شهدتُه مرة في مصر الحبيبة، حيث لا تكاد توجد شجرة في مصر الا ويزورها المعيدون..
عيد، ومعنى العيد في لغة العرب موعد اجتماع الناس زمانا أو مكانا. ورحم الله الفقهاء عندما كانوا يعرفون الألفاظ الشرعية : بقولهم مثلا : الحج لغة: القصد، والحج شرعا: قصد البيت الحرام في وقت معلوم.
أقرر هذا، حتى لا يستدرك عليّ من يقول: نحن لنا عيدان، ولا نعترف بغيرهما!! نعم نحن لنا عيدان شرعيان كل واحد منهما بمثابة النسك، له صلاة وأحكام، نستقبل أحدهما بصدقة، ونفطر فيه من صوم، ونستقبل الثاني فنذبح له الأضاحي حيثما حل…ويحل الحجاج فيه من إحرام.
ولكن لا في شرعنا ولا في لغتنا يمتنع علينا أن يقول المحب لحبيبته: كان يومُ لقياك، يومَ عيدي…
شعوب وسط آسيا عموما، وليس الشعبين الفارسي والكردي فقط، قد جعلت من يوم الحادي والعشرين من آذار، وهو اليوم الذي يبدأ به شهر الربيع، رأسا للتقويم السنوي. واحتفت بهذا اليوم، تماما كما فعلت الحضارة الفرعونية في يوم شم النسيم…
فإلى كل الشعوب المحتفلة بهذا اليوم الجميل، يوم غنى الطبيعة وغنائها، وضجيج الأزهار وتغريد الأطيار، أرفع بكل الحب والود تهنئتي بيوم النيروز..
وأخص بالتهنئة إخواننا الكرد الذين ظللنا معهم على مر التاريخ لحمةً بسداة..
وإلى إخواننا المصريين الذي صنعنا، نحن أبناء الشام، معهم كبرى ملاحم التاريخ..
والتهنئة موصولة إلى كل الشعوب الودودة المحتفلة اليوم بيوم النيروز وأستثني من تهنئتي هذه، حملة مشروع المقت والكراهية من الطائفيين الحاقدين، والقتلة المجرمين…
نيروز جميل سعيد مبارك لكل المحتفلين بيوم النيروز الجميل..
لندن: ١١ رمضان/ ١٤٤٥
٢١/ آذار / ٢٠٢٤
____________
*مدير مركز الشرق العربي