الرئيسة \  واحة اللقاء  \  من يقطع رأس "الدولة"؟

من يقطع رأس "الدولة"؟

20.09.2014
مرح البقاعي



الحياة
الخميس 18-9-2014
رأى السفير الأميركي الأسبق، دنيس روس، أنّ وضع المملكة العربية السعودية في موقع القيادة من التحالف الدولي الجديد لاحتواء داعش الذي انطلق مؤتمره التأسيسي من مدينة جدة إثر إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما استراتيجية بلاده لمحاربة تنظيم الدولة في العراق وسورية، "لا يمكنه إلا أن يدعم شرعية الحملة على داعش". وتوجّه السفير روس إلى الدول العربية داعياً إياها إلى توفير الدعمين العسكري واللوجستي اللازمين لتحقيق هذه المهمة الأممية، وكذلك لتعزيز الجهود الاستخباراتية والديبلوماسية وتشجيع العشائر للانضمام إلى القتال ضد تنظيم الدولة.
إنه من نافل القول إن المملكة العربية السعودية تمكّنت من اجتثاث تنظيم القاعدة بشكل ناجع داخل أراضيها، كما أنها قد تكون الوحيدة التي تملك امتيازاً في الصدقية الدينية والشرعية لمقاتلة فصيل سنّي متطرف كتنظيم الدولة ومشتقاته. لكن ما هو دور النظام "الخصم"، إن لم نقل "العدو"، الواقع على الخاصرة السعودية جغرافياً، وفي العمق السوري سياسياً وعسكرياً، من هذا التحالف، ونقصد إيران بطبيعة الحال - الدولة الشيعية الكبرى الأكثر انغماساً في المستنقع الحربي في سورية والعراق، في حين دعيت دولة سنية غير عربية إلى صفوف التحالف، ونقصد تركيا بالطبع؟
هذا على مستوى السعي الدولي المعلن والظاهري من أجل تشكيل نواة تحالف موسّع للقضاء على ظاهرة داعش الإرهابية. أما على المستويات المضمرة، فقد نفت إيران الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام أن اتفاقاً قد أبرم بين طهران وواشنطن، في وقت سابق، لمشاركة طهران في محاربة داعش في العراق... العراق فقط!
وعلى رغم أن النفي العلني في هذه الحالة قد يكون الأقرب إلى تأكيد ضمني لهكذا اتفاق، فإن تناغماً مباغتاً بين دولتين موغلتين في عدائهما السياسي، والعقائدي أيضاً، يثير العديد من الأسئلة، وأهمها:
1- إذا كانت إيران ستحارب داعش في العراق فماذا عن حرب داعش في سورية، وهل ستتحالف إيران في هذا الشأن مع الولايات المتحدة أم مع "النظام السوري"؟
2- ما موقف الولايات المتحدة من النظام السوري وهي تحسبه على رعاية ودعم الإرهاب المنظم، وهل ستدعم بالنتيجة هجوماً مضاعفاً للتحالف على الإرهابيَن النظامي والداعشي في آن، أم أنها ستطلق يد النظام ليهاجم داعش في مناطق انتشاره في الشمال الشرقي السوري، وينجز المهمة عنها، من دون أن تخوض غمار مواجهات غير محسوبة النتائج على الرمال السورية المتحركة؟
3- أين تقف إيران "بيضة القبان" في معادلة مكافحة الإرهاب الدولي مقابل التحالف من جهة، وعلاقاتها الإقليمية مع نظام دمشق والعراق وجزء من نظام لبنان من جهة أخرى؟ هل يمكن أن يُسأل من صنّع الوحش أن يضربه في مقتل؟!
مما لاشك فيه أن الخطة الاستراتيجية التي اقترحها رئيس الولايات المتحدة في اليوم السابق لحضور وزير خارجيته، جون كيري، مؤتمر جدة التأسيسي، قد خلت من رؤية واضحة ومحدّدة لمحاربة داعش في سورية، بينما كانت جلية الملامح بالنسبة إلى العراق. فبداية، لم يتحدث أوباما عن إسقاط النظام السوري، ولم يربط استبداد الأسد السياسي بولادة الاستبداد الديني الذي أقصى مظاهره تنظيم الدولة، بل قال بلغة مواربة وغامضة "إن النظام السوري لن يستعيد شرعيّته من خلال محاربته التنظيم"، وفي هذا إشارة سياسية واضحة أن أوباما إن كان لا يجد في النظام السوري أية مؤهلات لمحاربة الإرهاب والتطرّف الذي تمارسه "الدولة"، فإنه يعتقد بقوة أن احتواء "تمدّد" داعش يمكن أن ينجز بتعاون حلفاء النظام - وفي مقدّمتهم إيران وذراعها الميلشياوي "حزب الله" اللذان هما الأخبر والأعرف ميدانياً، على المستويين القتالي والاستخباراتي، بالأرض السورية وأحوالها منذ أن تحولت الثورة السورية السلمية إلى النضال المسلّح. وما المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، قبيل إطلاق الحملة الأميركية الدولية، وعرضه على الولايات المتحدة التعاون العسكري والاستخباراتي والتحالف العلني للقضاء على "العدو المشترك"، ما هو إلا صورة استباقية لمستقبل وأهداف هذه الحملة التي ستمتد لثلاث سنوات كما أعلن البيت الأبيض.
والأنكى من هذا كله أن الرئيس الأميركي أكّد في إعلانه أن "المعارضة المعتدلة هي القادرة على تحييد داعش" وكأن المهمة الأساس التي يوكلها الأميركيون للمعارضة السورية، باسم دول التحالف الجديد، هو الحلول مكان تنظيم الدولة بعد القضاء عليه، وليس تحييد نظام الأسد والحلول مكانه بعد إسقاطه. وفي اليوم التالي لإعلان أوباما لاستراتيجيته أحال القرار بتسليح وتدريب المعارضة السورية إلى الكونغرس، الذي يسيطر عليه خصومه الجمهوريون المشهورون بتعطيل جلّ مشاريعه، مع أنه سيذهب إلى حربه ضد داعش في العراق من دون العودة إليه، وهذا أصلاً من حقه الدستوري في حالة طوارئ وطنية يتعرض فيها الأمن القومي الأميركي للتهديد والخطر الإرهابي المباشر.
أما المعارضة السياسية السورية فتحوّلت برمّتها ورميمها إلى شيع موغلة في دوامات الفساد المالي والإداري، وأبواق تنعق هنا وهناك، وأخيرها وليس آخرها كان نعيق كمال اللبواني من اسرائيل مدّعياً "تمثيل الشعب السوري في إيصال صوته للعالم" من تل أبيب هذه المرة!