الرئيسة \  واحة اللقاء  \  (ما بعد حلب).. نعمة ام نقمة !؟

(ما بعد حلب).. نعمة ام نقمة !؟

07.12.2016
د. يحيى العريضي


 كلنا شركاء
الثلاثاء 6/12/216
حرب الأسد “الخامينائية البوتينية” على حلب تُشغل العالم؛ والعالم كالرقيع لا يفعل شيئاً يُذكَر… تهليل حلف “المقاومة والممانعة” واحتفالهم بنصر قادم في حلب يسلب الألباب؛ واستخلاصهم بعد “تطهير” حلب من أهلها والإرهاب: /ما بعد حلب/ سيكون مختلفاً عما /قبل حلب/. “النصر” في حلب دليل قاطع على نجاح ونجاعة الحل الأمني، والخيار العسكري هو الحل للأزمة السورية… إن لم يقولوا ذلك علناً، إلاّ أنه مُضمرٌ في مسلكهم.
هناك على أي حال مَن يقول لهم: إنكم على ظلال؛ فلو كان الخيار العسكري أو الحسم العسكري هو الحل، لما امتد الدم والدمار في سورية كل هذه السنوات، ولما استقدم النظام كل هذا الزخم العسكري الايراني والروسي وارتهن لهما كي يبقى على كرسي الدم. نهج النظام العسكري جعل النظام كالقط الذي يلعق المبرد؛ يستعذب طعم الدم، فيزيد باللعق حتى الموت نزفاً؛ ومن هنا ارتهانه لقوى الخارج الإيراني والروسي.
آخرون من ضفة احتلال سورية يسوقون بنظرية أخرى مفادها أن النهج والحسم والنصر العسكري الذي ولّد “ما بعد حلب” هو الضغط على الضفة الأخرى من أجل حل سلمي. ولكن السؤال لهؤلاء: هل أُعطي السلام فرصة في سورية خلال السنوات الماضية،”قبل حلب” و “ما بعد حلب”؟! . لقد كان هناك الكثير من /قبل كذا ليس كما بعدها: /ما قبل حمص ليس كما بعدها/ و/ ما قبل تدمر أو الرقة أو الحسكة أو دير الزور  أو … أو… ليس كما بعدعا/.  القتل مستمر، والدم مستمر، إذن النظام مستمر/. يعرف الجميع أن المقاربة السلمية للصراع في سورية ما كانت أساساً في قاموس أو “إجندة” النظام. لقد كانت المواجهة العسكرية والحل الأمني منهج النظام من اللحظة الأولى لانطلاق صرخة الحرية في سورية؛ فهذه هي بنيته أساساً وهذا هو ديدنه.
إذا كان نظام الأسد قد تعب من المواجهة العسكرية على أي حال، ويعتقد الآن أن “نصر حلب” سيهيئ له فرصة للعودة إلى الحكم بشكل مريح في سياق مساعي إعادة التأهيل الكثيفة من قبل كثيرين، فلا بد أنه يعلم أن قدرته على الحكم تلاشت إلى ما يشبه التفصيل؛ فالحكم يحتاج إلى إقتصاد، والبلد مدمَّر/ والحكم يحتاج إلى بشر، وأهل سورية تشردوا/ ويحتاج إلى شيء من النسيج الإجتماعي الطبيعي، ونسيج سورية الإجتماعي ممزق/ والحكم يحتاج إلى سيادة، وسيادة سورية أضحت في خبر كان؟ والأهم، الحكم يحتاج إلى “حسن سلوك”، أو “لا حكم عليه”؛ فكيف الحصول على هذا، والحكم الشعبي السوري صادر بارتكاب الحاكم بجريمة قتل نصف مليون إنسان وتشريد أكثر من نصف سكان بلد وتدمير ثلثيه؟!
لا بد ان النظام يتذكّر أنه قبل /ما بعد حلب/ قد سعى الكثيرون سراً ومواربة وعلانية للإبقاء عليه عبر “إعادة تأهيله” وعبر الدعم وغض النظر عما ارتكب من جرائم؛ كما حاولوا إيصال العالم والسوريين إلى أنه مناسب لمحاربة الإرهاب، وأن الخيار بينه وبين داعش؛ إلا ان حقائق الأرض  كانت تكَّذب ذلك، وها هي تأخذ جرعة دموية جديدة مما حدث في حلب. /ما بعد حلب/ وبعكس ما يعتقد او يسوّق النظام وأعوانه، زاد في منسوب الدم والدمار، وسيزيد من التوتر والنقمة، وزاد من التبعثر والتمزق، وسيزيد كل ذلك من استنزافه والضغط على داعميه.
طعم “نصر” حلب يبدو لذيذا، ولكنه سرعان ما سيتحوّل إلى علقم يساهم في استطالت المأساة؛ ليس بالنسبة لأهل سورية؛ فليس هناك المزيد ليخسرونه؛ ولكن الخسارة الفادحة ستكون لمن منّى نفسه بالـ”نصر” على جزء من أهل سورية.
سيكون هؤلاء الذين يواجهون “نظام الأسد” وداعميه أكثر توحداً وتنظيماً وشراسة في انتقامهم لأنفسهم ولأرواح مَن قضوا من محبيهم؛ وحاله وخاصة حال داعميه سيكون أكثر افتضاحاً وبحثاً عن مخارج؛ ولكن بدون ذلك العبء الذي يستنزفهم في وجه استحقاقات سياسية عالمية قادمة. ربما يكون /ما بعد حلب/ غير ما قبلها؛ ولكن كـ “نقمة” على النظام لا كـ “نعمة” كما يشيع أو يتصوّر. السلام لا يستقيم مع هذا النظام؛ ولن ياخذ فرصة بوجوده. إذا قرر الداعمون أنه لا بد للسلام ان يُعطى فرصة- لأسبابهم الخاصة وللضغوطات القادمة حتما- على رأس ما عليهم القيام به قفْص القط و تيسير إرساله إلى “لاهاي”.  السوريون يريدون العيش بسلام؛ وما /بعد سورية/ مستحيل حتى على مجرمين كالخامينائي وبوتين.