الرئيسة \  واحة اللقاء  \  وادي بردى "التهجير أو التدمير ": حلقة من حلقات تهجير حزام دمشق السني

وادي بردى "التهجير أو التدمير ": حلقة من حلقات تهجير حزام دمشق السني

11.02.2017
صلاح ملكاوي


القدس العربي
الخميس 9/2/2017
بعد ثمانية وثلاثين يوماً من الحملة العسكرية التي شنها النظام السوري وميليشيا حزب الله اللبناني بخبرائه الإيرانيين على وادي بردى، وتحت غطاء عنيف من القصف الجوي والمدفعي والصاروخي، ترافقت مع حصار مطبق نجم عنه نفاد مخزون المواد الغذائية والطبية والمحروقات، مع صعوبة الحصول على المياه الصالحة للشرب، أسدل الستار على فصل من فصول المأساة الإنسانية للشعب السوري، في ظل غياب إعلامي تام بسبب انقطاع الاتصالات والإنترنت، فكان خيار سكان الوادي التهجير بديلاً حتمياً عن تدمير ما تبقى من منازل وبنية تحتية متآكلة.
سياسة التهجير أو التدمير بديلا عن "الأسد أو نحرق البلد" المتبعة مع المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، خاصة مدن وبلدات وقرى حزام دمشق، سواء في ريفها الغربي أو الشرقي أو الجنوبي.
أحد قادة المعارضة المسلحة ممن يتمتعون بنفوذ واسع في مناطق ريف دمشق، صرح بأن ما جرى في وادي بردى، هو خطة محكمة وخبيثة وضعت من قبل علي مملوك، رجل النظام القوي قبل عدة أشهر، بوشر بتنفيذها مباشرة بعد خروج المسلحين من شرق حلب، وتقضي بتعطيش مدينة دمشق حتى السيطرة التامة على وادي بردى، ونبع عين الفيجة، مهما كانت الضغوطات والكلف البشرية والمادية، وقد أوكل تنفيذها لضابط مقرب جدا من الايرانيين وموضع ثقة لهم هو العميد قيس الفروة، الذي يشغل رتبة ضابط أمن الحرس الجمهوري، وقد وضعت تحت تصرفه ميليشيات حزب الله المتمركزة في قمة جبل هابيل، بالإضافة للمئات غيرهم من عناصر الحزب المتمركزة في أرض الضهرة، إضافة للفرقة العاشرة من الجيش السوري واللواء (104) والقوات الخاصة المتمركزة في الدريج، مع لواء درع القلمون، الذي كانت تعتمد عليه عناصر حزب الله، كخط أول اقتحام، وتجعل منهم فريسة سهلة، بسبب المرجعية السنية لعناصر هذا اللواء للتمهيد للدخول أمامه، هذا اللواء الذي فقد المئات من عناصره خلال معارك وادي بردى، ثم انضمت للقوات المشاركة مع بداية العام الجديد الفرقة الرابعة بعد انتهاء مهامها في منطقة حلب.
أحد الشباب المقيمين في الوادي ممن قرر المغادرة إلى ادلب بسبب رفضه شروط التسوية والمصالحة قال لي: ها نحن نغادر وادي بردى على متن (42) حافلة تضم ما يقارب الـ (2000) مقاتل مع عائلاتهم، تضم كل حافلة ما بين (45-50) راكبا مع (80) جريحاً يتم نقلهم عبر سيارات الاسعاف التابعة للهلال الاحمر السوري، على أمل أن نعود لوادينا الذي ولدنا ونشأنا فيه، كما أجدادنا منذ القدم، ويضيف لقد تركنا لقمة سائغة لعناصر حزب الله والايرانيين، لقد تخلت عنا المعارضة السياسية، بعد أستانة ولم ينجدنا أخوتنا المقاتلين في المناطق الأخرى، تنفيذاً لإملاءات أستانة وتركنا نواجه مصيرنا. نحن ألفا مقاتل، وروسيا استطاعت تحقيق كل أهدافها بـ(4) آلاف مقاتل فقط، فقد عملت على تثبيت النظام السوري ونجحت، وحصلت على قاعدتين عسكريتين في طرطوس وحميميم، وفرضت أجندتها في أستانة كاملة، كل ذلك ما كان ليتم الا بسبب حنكتها السياسية، أمام ضعف وتخاذل قادتنا في المعارضتين السياسية والعسكرية، وتخلوا عنا بسبب صراعاتهم وتنافسهم قبل تحقيق أي نصر للثورة.
ويقول أحد الناشطين الإعلاميين: تعرضننا لما لا يمكن لأحد تحمله، لقد توقفنا عن عد البراميل المتفجرة منذ اليوم العاشر بسبب كثرتها، لقد كان الطيران الحربي والمروحي لا يفارق سماء المنطقة، ملقيا حمولاته من الصواريخ والبراميل المتفجرة فوق رؤوسنا، ناهيك عن القصف الصاروخي والمدفعي والقنص الحراري، لقد فقدنا 68 شهيداً خلال (38) يوما وسويت منازل قرى بسمية وعين الخضرا وعين الفيجة بالأرض، ونزح الغالبية من الناس إلى ديرقانون المحاصر الذي لحقة كثير من القصف، كما باقي قرى الوادي. إزاء كل هذه الإمكانيات العسكرية التي وضعت للسيطرة على الوادي مع الانتصار الهزيل الذي حققه النظام وحلفاؤه، وأمام الكلف الكبيرة والخسائر التي قدمت، تبرز على السطح استفسارات كبيرة تفرض نفسها، عن القيمة والمعنى الحقيقي لوادي بردى عند النظام وحلفائه، وما يزيد من قيمة هذه الأسئلة والاستفسارات معرفتنا أن شريط وادي بردى لا تزيد مساحته عن 7 كلم مربعة بطول 15كلم وعرض يصل لـ 700 متر، ويضيق في أغلب المناطق حتى لا يتجاوز عرضه 200 متر، والذي كان بحكم الساقط عسكرياً منذ عدة سنوات، ولم يكن يشكل أي خطر شأنه شأن مناطق غرب وشمال غرب دمشق مثل، الزبداني ومضايا وبقين المحاصرة، ويبرز الاستفسار الأهم عن كيفية وأسباب تلاقي مصالح النظام وحزب الله مع الحليف الإيراني واتفاقهم على مدى أهمية هذا الشريط الضيق، واستعدادهم لتقديم هذه الكلفة الباهظة وقطع المياه وتعطيش العاصمة والترويج لفرية أن من قطع المياه عن العاصمة هم أهالي الوادي، مع العلم أنه وعلى مدى سته أعوام كانت المعارضة مسيطرة على النبع، ولم يتم قطع المياه حتى في أشد الظروف التي مر بها النظام، فكيف سيقومون بقطع المياه عن العاصمة والنظام وحلفاؤه خارجان من انتصارات مدوية أحكما بها سيطرتهما على مدينة حلب بالكامل.
بالنسبة لمليشيا حزب الله اللبناني يعتبر وادي بردى نقطة وصل بين مناطق سيطرته في القلمون الغربي ومنطقة الزبداني، ولابد من السيطرة على وادي بردى لضمان إحكام سيطرته على كل هذه المناطق من العاصمة دمشق وصولاً إلى الضاحية الجنوبي،ة بدون أي جيوب قد تشكل إزعاجاً على خططه وخطوط إمداده مع حليفة الإيراني.
أما عند الحديث عن المصالح الإيرانية فهنا يختلط التاريخي عندهم بالاستراتيجي والديني بالتكتيكي لتوظف جميعها في النهاية لضمان تحقيق أحلامهم بالانتقام من دمشق درة تاج بني أمية وعاصمتهم الخالدة أولاً، التي تشكل حجر الزاوية الأهم في مشروعهم الإمبراطوري الفارسي، الساعي لخلق امتداد لهم من طهران إلى بيروت، وهذا يحتم عليهم خلق حزام شيعي يحيط بالعاصمة، وتحويلها لمناطق نفوذ لهم يمكنهم حكمها ضمن مشروعهم الذي يجاهر به قادتهم ومرجعياتهم، ولا أدل على ذلك من معلومة زودني بها أحد قادة احرار الشام شارك بمفاوضات جمعتهم مع الإيرانيين طالبوا خلالها الإيرانيون استبدال أهالي كفريا والفوعا الشيعيتين في ريف ادلب بأهالي مضايا والزبداني السنيتين إلى الغرب من دمشق.
كما قام الايرانيون بإسكان مئات العائلات العراقية الشيعية في مناطق داريا المحاذية لحي المزة الدمشقي، كما قاموا بإسكان مئات العائلات اللبنانية الشيعية في مناطق السيدة زينب والجامع الأموي وغيرها من مناطق دمشق.
أما عند الحديث عن مصالح النظام السوري وأهدافه التي يسعى لتحقيقها من وراء سيطرته على وادى بردى، فهنا يطول الحديث والشرح ويستلزم ذلك منا العودة للعبارة الشهيرة (سوريا المفيدة) التي أطلقها الرئيس السوري بشار الأسد قبل عامين، فسوريا المفيدة تلزمها دمشق المفيدة أو دمشق الصغيرة وبدون حزامها السني الكبير الذي يشكل عبئا على نظام دمشق وحلفائه اللبنانيين والإيرانيين.
باتت العاصمة تحاط اليوم ومن كافة الجوانب بسياج من المعسكرات والاسكانات والاحياء العشوائية لملايين القادمين من خارج دمشق وتحديدا من مناطق الساحل السوري من العاملين في الجيش والاجهزة الامنية وأسرهم وأقاربهم. من كل ما تقدم يتضح جليا عمل النظام الدائم وسعية الدؤوب خلال اكثر من 40 عاما على نقل مكون محدد من الشعب السوري واسكانه في العاصمة، هذا المكون الذي يعتقد النظام أنه يؤمن له المزيد من الاستقرار والثبات في حكم سوريا، وجاء الوقت المناسب بعد الثورة السورية ولعبت الظروف دورها ليكمل النظام خطته بتهجير المكون الأصلي لمدينة دمشق وريفها بحزامه السني، للحصول على دمشق الصغيرة والمفيدة لسوريا المفيدة. وهذا يؤكد ما كنا نحذر منه دائما أن ما بعد وادي بردى أهم واقسى مما بعد سقوط مدينة حلب.
 
٭ كاتب وباحث اردني متخصص بالشأن السوري