الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل وصلت روسيا إلى عنق الزجاجة في سوريا؟

هل وصلت روسيا إلى عنق الزجاجة في سوريا؟

24.02.2016
ميسرة بكور


القدس العربي
الثلاثاء 23/2/2016
أوروبا لا تريد أن ترى مزيدا من اللاجئين على أراضيها في ظل تنامي نفوذ اليمين المتطرف المعادي للاجئين،وأي حرب جديدة في الشرق الاوسط تعني ملايين اللاجئين الجدد.وما يحملونه من أعباء اقتصادية وأمنية.
الاتحاد الأوروبي واتفاقية "شنغن" مهدد بالانهيار بسبب أزمة اللاجئين والهجرة عبر المتوسط و تزايد مخاطر تعرضها لهجمات إرهابية.
حلف الناتو لا يريد التورط في حرب مدمرة مع روسيا بسبب اصطدامها بتركيا.
أوروبا لا ترغب في أن تعيش الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية مرة ثانية وهي التي لم تتعاف منها بعد.
الاصطدام الروسي السعودي يهدد بحرب نووية طرفها باكستان حليف السعودية ستكون انعكاساتها مدمرة.
الحرب مع تركيا والسعودية وحلفاؤهما قد تغري الأوكرانيين لاسترجاع ما قضمته روسيا في القرم.
تنامي المشاعر الانفصالية لدى بعض الجمهوريات الروسية وتعزيز النعرات الطائفية التي تهدد بثورة جارفة.
منذ بدء الثورة السورية في ربيع عام 2011 انحازت الإدارة الروسية بإدارة بوتين إلى جانب نظام بشار الأسد في دمشق، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى وتجليات برزت في مواقف عديدة، من ابزها تعطيل مجلس الأمن الدولي من خلال استخدام حق النقض "الفيتو" في وجه قرارات قد يكون لها تداعيات على حليفها بشار الأسد، وكانت موسكو عرابة نزع سلاح سوريا الكيميائي مقابل أن يتخلى الرئيس أوباما عن فكرة معاقبة الأسد بسبب تخطيه خط أوباما الأحمر باستخدامه السلاح الكيميائي ضد الثوار السوريين في غوطة دمشق.
ومن الأسباب التي دعت إدارة بوتين التمسك بقرارها الصارم بالوقوف إلى جانب نظام الأسد، أنها شعرت بغدر مزدوج من الولايات المتحدة الأمريكية والناتو في ليبيا حينها خسر الروس مركز نفوذهم في المغرب العربي وشمال افريقيا.
ومما يمكن الإشارة إليه ايضاً أن قاعدة طرطوس آخر قواعد روسيا على ساحل البحر المتوسط، والأطماع الاقتصادية من خلال امتيازات التنقيب عن الغاز السوري في المتوسط وكعكة إعادة الإعمار.
مع تدهور الوضع العسكري لنظام بشار الأسد وتراجع ميليشياته في معظم الجبهات وتقدم الثوار السوريين، وعجز إيران وميليشياتها " العابرة للحدود " في تعديل الكفة لصالح نظام الأسد، اضطر كل من نظام الأسد وإيران الاستنجاد بالحليف القوي روسيا من أجل إنقاذهم من المأزق على شفير الهاوية، فكان التدخل الروسي بداية تشرين الأول/اكتوبر عام 2015.
وقد وجد بشار الأسد في الحليف الروسي منقذا له مرتين الأولى تعديل الكفة العسكرية جزئيا لصالحة.
والثانية التخلص قدر الإمكان من " الوصاية "الإيرانية عليه وعلى قراراته وتذمر بعض ميليشياته من تصرفات ميليشيا حزب الله اللبناني وتحكمهم بالقرار العسكري.
بدء العدوان الروسي على سوريا بقصف جوي كثيف يوم 30-9-2015 على معظم مناطق الثوار بما فيهم ما يطلقون عليه اسم "المعارضة المعتدلة" المدعومة أمريكياً وأوروبياً. في ظل صمت مطبق من المجتمع الدولي الذي أكتفى بإصدار بيانات تدعو وتناشد.
مرت أكثر من أربعة أشهر لم تستطع الطائرات الروسية الغازية من تحقيق نصر استراتيجي يرجح كفة نظام الأسد في الميدان.
في غضون ذلك وافق مجلس الأمن الدولي بالإجماع على مشروع قرار متفق عليه بين أطراف المجموعة الدولية لدعم سوريا التي اختتمت أعمالها في نيويورك الجمعة 18 ديسمبر/كانون الأول. بالصياغة الروسية التي سبق تسريبها في وسائل إعلام، القرار الأممي حول سوريا يقضي بعقد مفاوضات بين وفدي الحكومة السورية والمعارضة مطلع يناير/كانون الثاني عام 2016. كما كلف الأمين العام للأمم المتحدة بجمع ممثلي الحكومة السورية والمعارضة من خلال مكتب المبعوث الخاص إلى سوريا وجهوده، وذلك بهدف إشراكهم في المفاوضات حول عملية " الانتقال السياسي. "
فكان اجتماع الرياض، الذي ضم معظم أطياف الثورة السورية العسكرية والسياسية. واستبعد ممثلي " وحدات حماية الشعب الكردي ".
عادت روسيا لتلعب دورها " القذر" في التشكيك في مؤتمر الرياض وبيانه الختامي، مستغلة موضوع استبعاد ممثلي وحدات الشعب الكردي.
لعبت روسيا كل أوراقها السياسية والعسكرية لترجيح كفة نظام الأسد وقد استطاعت "استمالة الموقف الأمريكي إلى جانبها على الأقل يمكننا القول "تحيده ".
وقد استغلت حادثة "تفجيرات باريس "وموضوع مكافحة الإرهاب من أجل تسويق فكرة أن نظام الأسد هو الشريك الحقيقي في القضاء على الإرهابيين.
كما حاولت موسكو استفزاز أنقرة من خلال التحرش بها واختراق مجالها الجوي وكان نتيجته في 24‏/11‏/2015 – أعلنت تركيا أن سلاحها الجوي أسقط مقاتلة روسية من طراز سوخوي 24 انتهكت "أجواءها" رغم إنذارات متتالية.
مما زاد الأمر تعقيداً وقد انحاز الغربيون والامريكان لجانب الرواية التركية.
فقررت روسيا لعب "الورقة الكردية" من خلال تقديم السلاح لهم والتغطية الجوية من أجل التقدم إلى الحدود التركية الأمر الذي سيزعج تركيا التي تصنف وحدات حماية الشعب على أنها منظمة إرهابية، ولم تكتف بذلك فقط بل افتتحت لهم ممثلية في موسكو، وكثر الحديث في الصحف الروسية في الآونة الأخيرة عما يسمونه "كردستان سوريا" الأمر الذي يهدد الأمن القومي التركي ويثير مخاوف أنقرة من النزعات الانفصالية لدى بعض الفصائل الكردية التركية، وتغذيتها من قبل الحليف الروسي.
في هذه الأثناء تمت الدعوة لعقد "جنيف3" حول سوريا و تم تأجيل اجتماع جنيف الذي كان مقررا في 25 يناير إلى 29 يناير/كانون الثاني بسبب عدم تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم" 2245" وخاصة الفقرتين "12، 13" التين تحدثتا عن فك الحصار وإدخال مساعدات غذائية للمناطق المحاصرة ووقف قصف المدنيين، وأصرت الهيئة العليا للمفاوضات في المعارضة السورية المنبثقة عن اجتماع الرياض، على تطبيقها قبل الذهاب إلى جنيف، رغم الضغوطات الكبيرة التي مورست عليها الا انها تمسكت بموقفها الرافض حضور مؤتمر جنيف، لكنها عادت وقبلت الذهاب بعد حصولها على ضمانات ومنها ضمانات خطية كما ذكر "رياض حجاب منسق الهيئة ". حاولت روسيا العزف على وتر رفض الهيئة الذهاب إلى جنيف وأنها تفرض شروطا مسبقة بما يشكل خرقا للقرار الأممي رقم "2245" وتجاهلت عن عمد أن هذه لم تكن شروطا بل هي مطالبة بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي.
خلال إنعقاد "جنيف 3 " لم تلتزم روسيا وحليفها الأسد بتطبيق قراري مجلس الأمن وتراجعت أمريكا عن تعهداتها للوفد المعارض.
وقد مضى على العدوان الروسي خمسة أشهر ولم تحقق روسيا أي خرق عسكري أو سياسي، بل "استغلت" فترة إنعقاد مؤتمر جنيف وقامت بتصعيد عسكري غير مسبوق واتبعت سياسة الأرض المحروقة وفي ظل منع السلاح عن الثوار السوريين من الحلفاء بسبب ضغوط أمريكية مورست عليهم، استطاع الروس تحقيق خرق استراتيجي محدود في جبهات حلب واللاذقية ودرعا.
مما رفع معنويات منهارة ورجح كفة نظام الأسد العسكرية جزئيا وتنفس الصعداء.
نعود للموقف الروسي، لم تكتف روسيا بسياسة الأرض المحروقة من أجل الضغط على الثوار للقبول بحل سياسي هو بمثابة استسلام. وتأمين غطاء جوي للميليشيات الكردية، بل قامت أيضاً،بقصف مخيمات النازحين على الحدود التركية واستهداف المدارس والأهالي من أجل اجبارهم على اللجوء إلى تركيا بهدف الضغط عليها اقتصاديا وسياسياً من خلال استغلال بعض القوميين الاتراك المعارضين لسياسة حكومة "داوود أوغلو".
يبدو أن الرياح تجري بغير ما تشتهي الطائرات الروسية. وأن روسيا أوصلت نفسها إلى عنق الزجاجة.بعد أن أعلنت السعودية وتركيا ودول أخرى استعدادها للتدخل البري في سوريا تحت غطاء التحالف الدولي، وتضأمن ألمانيا مع تركيا في إقامة منطقة عازلة.
ومن خلال السعي لدى مجلس الأمن في استصدار قرار يمنع التدخل البري في سوريا والذي رفضته الولايات المتحدة وفرنسا. بل حمل السفير الفرنسي في الأمم المتحدة فرانسوا ديلاتر موسكو مسؤولية "التدهور الخطير" في سوريا.
لا ننسى الأزمة الاقتصادية في روسيا وانهيار الروبل وتأثير انخفاض سعر البترول والعقوبات المفروضة عليها،
يمكننا القول إلى حد بعيد أن روسيا تجد نفسها اليوم في مأزق كبير في سوريا خاصة لو تم التدخل البري السعودي التركي تحت مظلة التحالف الدولي "ضد الإرهاب"، في هذه الحالة عليها أن تواجه جيوش التحالف مجتمعة وهذا ضرب من الخيال.
كاتب وباحث سوري