الرئيسة \  واحة اللقاء  \  نتنياهو سيّد العالم… ولكن

نتنياهو سيّد العالم… ولكن

02.06.2018
سهيل كيوان


القدس العرربي
الخميس 31/5/2018
فجأة، وبعدما وصل بنيامين نتنياهو إلى حافة الهاوية، وصار الحديث يدور بقوة عن حتمية سقوطه، وذلك نتيجة الشبهات حول خيانته الأمانة، وتلقيه للرشوة ومنحها، وبدأت شعبيته بالهبوط، وصار يقف مهزوزاً متلعثماً متعرّقاً أمام الكاميرات، عاد نتنياهو ليلمع من جديد، بل ارتفعت شعبيته بعد هبوط، حتى اضطر خصومه للاعتراف بقدراته، ونجاح إدارته للصراع، بعكس ما توقّعه كثيرون من الساسة والمحلّلين، عاد ليكون الشخصية الأقوى بلا منازع، رغم أن ملفات الشبهات ضده ما زالت قائمة، ولكنها تهمّشت إلى جانب إنجازاته الكبيرة بالنسبة للإسرائيليين.
يكمن سر تجدد قوة نتنياهو في علاقته الشخصية بأهم صاحبي قرار وتأثير على المنطقة – ترامب وبوتين.
ترامب حقق لنتنياهو نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهذا إنجاز تاريخي بالنسبة للحركة الصهيونية، رغم تعارضه مع قرارات دولية منذ قرار التقسيم رقم 181 عام 1947 الذي يضع القدس وبيت لحم تحت سيادة دولية حتى يُبت بأمرها.
كذلك استطاع نتنياهو، أن يؤثّر على قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وإعادة فرض عقوبات عليها، وهذا يعني خسارتها لمليارات الدولارات، وهذا سيؤثر بلا شك على الاقتصاد الإيراني ويضع النظام أمام عقبات وصعوبات اقتصادية واجتماعية كبيرة.
الخطوة الأخرى التي رفعت أسهمه، هي إتقانه لعبة المصالح مع بوتين، فقد اتفق مع بوتين على تحجيم قوة إيران في سوريا، وحتى طردها نهائياً، ومنع تجذر حزب الله فيها، وإعادة الوضع إلى ما كان عليه منذ اتفاق فض الاشتباك عام 1974، الأمر الذي يعني وضع لافتات – الرجاء عدم الإزعاج- على السياج الحدودي. هذا يعني كذلك من جانب بوتين، عدم وجود ضرورة لتسليح جيش النظام بصواريخ إس 300، بعد التفاهمات بين النظام السوري وإسرائيل، وبالتالي عدم المغامرة بكسر هيبة روسيا، لأن هذا قد يحدث بالفعل في حال نفّذت إسرائيل تهديدها بضرب بطاريات إس 300 إذا ما سُلِّمت لجيش النظام، والنجاح بضربها، يعني كساد هذه البضاعة التي تفاخر روسيا بها، والتسبب لها بخسائر بمليارات الدولارات. ثم إن طرد إيران وحزب الله من سوريا يبقي بوتين السيد الأقوى في سوريا، ويضمن له الهدوء، بعدما حقق مصالحه بالقواعد البحرية والجوية فيها.
إلى جانب هذا، تمكن نتنياهو من إعداد الأرضية للتطبيع مع بعض الأنظمة العربية، والتأسيس معها لحلف إقليمي ضد إيران وحزب الله من جهة، وضد كل من يعارض فرض الحل الأمريكي الصهيوني على القضية الفلسطينية بما يسمى صفقة العصر. إضافة لهذا، فرغم كل الجرائم التي ارتكبت بحق المدنيين العزّل في مسيرات العودة قرب الجدار في قطاع غزة، ورغم الضم المستمر لأراضي الضفة الغربية، والتنكيل بالسكان الأصليين، ورغم القضاء على أي بارقة أمل في حل للقضية الفلسطينية، وتقويضه لحل الدولتين، فالسفارات المتبادلة في عمان والقاهرة وتل أبيب لم تتأثر، وبقيت على ما هي عليه، الأمر الذي يعني ضمناً عدم الاكتراث والاستسلام أمام إجراءات نتنياهو التوسّعية، والبيانات التي تتحدث عكس ذلك، ليست إلا للاستهلاك المحلي.
ولكن مقابل هذه العربدة والتغوّل الاستيطاني، برز دور المقاومة الشعبية السلمية في قطاع غزة، من خلال مسيرات العودة، هذا الحراك السلمي أربكه، ووضعه في خانة المتهم القاتل أمام العالم، وأعاد القضية الحقيقية وأصحابها إلى الواجهة، ولهذا حاول نتنياهو، كسر هذا الحراك باستفزازات عسكرية، ولكن من دون الوصول إلى مواجهة عسكرية شاملة، لأن جهوده الآن منصبة على سوريا، لكنه حاول كسر رغبة الناس بالحراك الشعبي والتخفيف من وهجه وإنجازاته من خلال الغارات والاغتيالات، خصوصاً أن هذا الحراك يلقى صدى عربياً وعالمياً وفلسطينيا، في الشتات والضفة الغربية، وظهر جليا بقوة في حراك حيفا، حيث سيكون الحراك يوم غد الجمعة تحت عنوان"من غزة إلى حيفا وحدة دم ومصير"، كذلك بمسيرات العودة العديدة المتزايدة إلى القرى المهجّرة، داخل مناطق 48، وإقامة الإفطارات الجماعية والأمسيات الرمضانية فيها.
إلى جانب هذا، فإن ضم القدس والضفة الغربية، يعني نهاية فكرة دولة اليهود التي تنادي بها مختلف التيارات الصهيونية، لأن الفلسطينيين بين النهر والبحر يماثلون عدد اليهود وقد يزيدون عنهم، هذا يعني أن دولة اليهود لا وجود لها إلا في حالة واحدة، وهي طرد ملايين الفلسطينيين من وطنهم إلى الدول المجاورة، وهذا يعني إعادة القضية إلى مربع النكبة الأول من خلال نكبة جديدة، أكبر من الأولى، وهو أمر من الصعب تصوّر حدوثه، لأن إسقاطاته لن تتوقف عند حدود معيّنة.
أما بقاء ملايين الفلسطينيين في وطنهم، تحت الاحتلال الصهيوني من النهر إلى البحر، فيعني فرض سياسة فصل عنصرية، على غرار ما كان في جنوب إفريقيا، لضمان السيطرة اليهودية في كل مجالات الحياة، وهذا يعني أن المقاومة الشعبية الفلسطينية ستزداد زخماً وستجرف معها الملايين، في كل المناطق بين النهر والبحر، الأمر الذي بالضرورة سيفتح آفاقا وأدوات جديدة للصراع، بين مستعمر كولونيالي دخيل، وشعب أصلاني في وطنه، وهذا يعني فقدان الأمن والأمان، ومضاعفات سيكون أهمها الهجرة اليهودية المعاكسة عن أرض فلسطين، وتصعيد محاصرة هذا الكيان العنصري عالمياً، وفي نهاية المطاف اللجوء وفرض حل الدولة الديمقراطية الواحدة للشعبين، التي يتمتع فيها جميع المواطنين بالمساواة في الحقوق والواجبات.
إضافة إلى هذا، فإن الأنظمة المتعفّنة المتواطئة الحالية التي يعوّل عليها نتنياهو، ويبني حلوله النهائية عليها، ليست قضاءً وقدراً مؤبّداً على الشعوب العربية، وما ثورات الربيع العربي التي اغتيلت، سوى دليل بأن الصورة القاتمة الحالية، قد تنقلب خلال أيام أو ساعات قليلة، من حيث لا يدري ولا يعلم كيف وإلى أين سوى رب العالمين.
كاتب فلسطيني