الرئيسة \  واحة اللقاء  \  من إيران إلى سوريا… من الجوع إلى الخبز والحرية

من إيران إلى سوريا… من الجوع إلى الخبز والحرية

21.01.2018
فراس سعد


القدس العربي
السبت 20/1/2018
قدمت التظاهرات الإيرانية الأخيرة نموذجا راقيا عن الاحتجاج الجماهيري ليس من حيث الأداء في الشارع بل من حيث ترتيب وتوازن المطالب التي صدحت بها الجماهير بين مطالب معاشية ومطالب سياسية، وإن كان الإعلام العربي ركز على المطالب السياسية وخفف من أهمية المطالب المعيشية للمتظاهرين.
وهنا ومقارنة مع الحراك الشعبي الواسع والطويل الجاري في سوريا ثمة خطيئة تتكرر منذ سبع سنوات ألا وهي اقصاء المطلب المعيشي وتضخيم المطلب السياسي، التنكر لمطلب الأفواه والاكتفاء بمطلب الألسن، وهو أمر مفهوم عموما بسبب حالة القمع والمنع التي مارسها النظام السوري طوال عقود لكن ما يصمت عنه عشرات الكتاب والمفكرين السوريين، والعرب والغربيون بما يخص الثورة السورية هو أن الجوع وتدهور أحوال الطبقات العاملة والفلاحية هو الذي أنزل السوريين إلى الشارع وليس مطلب الديمقراطية أو الجوع إلى الحرية.
فالسوريون كانوا جائعين للحرية والديمقـراطية زمن حافظ الأسد أكثر بكثير من زمن بشـار فلـماذا لم ينـزل الشـعب السـوري إلى الشارع مطالبا بالحرية منذ ذلك الوقت ؟
الجوع الجوع الحقيقي هو من أنزل السوريين إلى الشارع، بعد جفاف امتد سنوات خمس، وبعد الإجراءات الحكومية الجائرة بحق الطبقة الوسطى التي حولها إلى الإفقار وبحق طبقة الملاك الزراعيين في الأرياف لاسيما ريف دمشق الذين حولهم إلى أجراء أو مياومين، يضاف إلى ذلك مزيد من جشع المافيا الاقتصادية السياسية الحاكمة التي منعت العمل إلا تحت وصايتها وبشرط مشاركتها بنسبة 51 في المئة في أي مشروع اقتصادي.
نستطيع تصحيح رؤيتنا للثورة السورية الآن على ضوء تظاهرات إيران فالذين نزلوا إلى الشارع في مدن إيران هم الجائعون، أنزلهم الجوع والبطالة وضغوطات معيشية قاهرة، ومطلب بعض المتظاهرين الانسحاب من سوريا هو مطلب اقتصادي في جوهره وإن كان في ظاهره مطلب سياسي، فما تم صرفه من أموال في سوريا لدعم النظام هناك كان كافيا للقضاء على البطالة في إيران وكـان كافيا بالتـأكيد كـي يـأكل 30 ملـيون إيـراني اللحم والبـيـض الـذي صـار حلـما لهـم.
وكان ذا مغزى انسحاب متظاهرين إيرانيين من الشارع بعدما أطلق بعضهم هتافات سياسية.
إن التغيير العميق لا يكون إلا انطلاقا مما هو ملح وقاهر ويومي، لهذا فالتغيير يبدأ من المطلب المعيشي. أما التغيير السياسي فهو تحصيل حاصل.
هذا هو الدرس الذي تجاهلناه طويلا ودفعنا ثمنه غاليا في سوريا.
من الآن فصاعدا ستكون المطالبة بلقمة الخبز بالعمل بالتنمية المتوازنة المستدامة أولوية تسبق المطالبة بالديمقراطية، هذه التي ثبت أنها مجرد كلام في الهواء في العالم العربي وجواره وثبت أيضا من ناحية أخرى أن الأنظمة الغربية التي تتبنى الديمقراطية وتطالب بها للشعوب العربية هي أكثر من دعم الأنظمة الديكتاتورية العربية في قمعها للثورات والشعوب بل وفي نهب شعوبها المنظم.
لقد كانت الثورة السورية وكذلك الثورة المصرية مجال اختبار للأنظمة الديمقراطية الغربية في طريقة تفاعلها مع ثورات المشرق العربي وتبين لجماهير الثورتين السورية والمصرية ازدواجية تلك الديمقراطيات، ما بين داخل وخارج، فهي ديمقراطيات بما يخص شعوبها، وهي في الوقت نفسه ضد الديمقراطيات، فيما يخص موقفها من الشعوب العربية الثائرة.
ملاحظة أخيرة وجوهرية في المفاضلة بين المطلبين المعيشي والسياسي لاسيما في ظروف بلد معقد التكوين الديني المذهبي الطائفي القومي كما في سوريا، وهو أن المطلب السياسي الوطني العام يمكن أن يجري التلاعب به أو تأويله حدا يمكن
لبعض التوجهات والمجموعات السياسية أن تحرفه إلى مطالب " تحت سياسية" أي مطالب طائفية وقومية، وأحيانا مطالب فئوية تخص تلك الجماعات السياسية، بينما يبقى المطلب المعيشي واضحا ثابتا غير قابلا للتأويل او للانحراف.