الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ملامح الضربة الأمريكية على سوريا

ملامح الضربة الأمريكية على سوريا

15.04.2018
وائل عصام


القدس العربي
السبت 14/4/2018
ضربة أمريكية بمعادلة معقدة.. أكبر من "فركة أذن" وأصغر من زعزعة النظام، هكذا تبدو ملامح الضربة الأمريكية المقبلة، إن تمت. فالأجواء والتصريحات تشير إلى أنها ستكون أكثر شدة وتوسعا من ضربة مطار الشعيرات الأخيرة، ولكنها ستبقى محصورة في أهداف محدودة لا تصل لهز بنية النظام، أو تهديد سيطرته على البلاد.
بعض الباحثين الغربيين، يعتقدون أن الضربة قد تلغى نهائيا بعد تسوية ما، بين روسيا والولايات المتحدة. وهذا احتمال قد يبقى قائما، إذا اخذنا بعين الاعتبار كيف تمكنت موسكو عام 2013 من ثني الإدارة الأمريكية عن توجيه الضربة الصاروخية، بعد إعلان أوباما نيته لذلك، رغم أنني كنت اعتقد حينها أن تلك الضربة، حتى لو تمت، فلم تكن لتشكل تهديدا جديا للأسد آنذاك، باعتبارها مصممة لتكون "عقابا تأديبيا" بهجمة عابرة.
أما معظم الناشطين والمراقبين المعارضين فقد ذهبوا بعيدا حينها، بالتعويل المبالغ فيه على الهجوم الأمريكي، وما أعقبه من هجوم على مطار الشعيرات بعد تولي ترامب السلطة، من دون قراءة للسياق والواقع آنذاك، كما يكررون "التأملات" نفسها اليوم، بل يعيدون تداول الاشاعات نفسها، للسنة السابعة على التوالي، عن هروب عائلة الأسد إلى طهران وهروب قيادات عسكرية إلى بيروت. وهو نمط من الخطاب سيزيد من الإرباك الحاصل مع الدول السنية وجمهورها في المنطقة، مقابل خطاب إيران، بترسيخ فكرة اصطفافهم التام إلى جانب الولايات المتحدة والنظر اليها كـ"منقذ" و"مخلص" وحيد في النزاع السوري.
لا شك في أن احتمالية توجيه ضربة قاسية سيبقى مرتفعا هذه المرة، لكن إن نظرنا لأهداف تلك الضربة فسنجد أنها، إضافة لحرصها على عدم "إحداث فوضى وفراغ في السلطة تملؤه أطراف سنية غير موثوقة" وهو لسان حال السياسات الأمريكية في سوريا، فإن ضرب الوجود الإيراني في سوريا وإضعافه سيكون هدفا محتملا، خصوصا أنه يتفق مع رؤية الحليف الأهم لواشنطن في المنطقة، إسرائيل، التي نفذت بالفعل منذ سنوات، ضربات ضد المواقع الإيرانية في سوريا، لكن تناقضات وتساؤلات عديدة تقفز إلى الذهن عندما يطرح هذا الهدف:
أولا ليس من الممكن إضعاف النفوذ العسكري الإيراني المتغلغل في بنية النظام في دمشق بضربات موسمية فقط، من دون خطة عمل متواصلة لفترة طويلة تشمل القصف الجوي، وكذلك العمل البري، الذي يبدو محدود الفرص حسب التوازنات الحالية، خصوصا إذا تذكرنا أن حربا شعواء شنت عام 2006 على نقطة نفوذ ايرانية اخرى محيطة بإسرائيل، وهي دويلة حزب الله جنوب لبنان، ولم تتمخض تلك الهجمة عن نتيجة فاعلة، وعلى الرغم من استمرار العمليات الإسرائيلية على قوافل إمداد حزب الله المتجهة من الحدود السورية حتى اليوم.
ثانيا، حتى إن ذهبت الولايات المتحدة بعيدا في خطتها المزمعة بضرب النفوذ الإيراني في المنطقة، وهي خطة تبدو جدية مع قدوم صقور الإدارة المقبلين على هذا المشروع كجورج بولتون، لكن سوريا ستبقى ثغرة محيرة وسط هذه الخريطة للمنطقة، لسبب بسيط، وهو أن ضرب النفوذ الإيراني سيتعارض مع الرؤية الأمريكية المتمثلة بعدم إحداث فوضى أو فراغ في السلطة في دمشق، على اعتبار أن نظام الأسد "أفضل السيئين في دمشق". وبما أن إيران هي الداعم الأكبر والأهم للنظام، فإن المزيد من ضرب النفوذ الإيراني سيعني المزيد من زعزعة النظام ، الذي تتجنب واشنطن تبعات سقوطه! وإذا أضفنا لهذا أن الدول الغربية تريد إنهاء النزاع في سوريا، وأنها مررت وقبلت بكل شراسة وأعمال النظام الوحشية، في سبيل انهاء هذا الصراع، فلن يكون ممكنا بأي حال من الأحوال أن تنعكس وتتبدل هذه السياسات الآن، والنظام على وشك إتمام سيطرته على البلاد، والامريكيون يعدون لخروج من شمال سوريا كي "يتركوا الآخرين يهتمون بشؤونهم" .
وهنا نعود للمعضلة نفسها، التي أسهبت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون في شرحها في مذكراتها، وكلامها عن حيرة إدارتها في التعامل مع الملف السوري، وموقفها إزاء هذه التجاذبات المعقدة، إذ سمتها "المعضلة الخبيثة" .
قد يلعب الروس دورا ما محاولين فك الاشتباك الحاصل في سوريا، وعلى الرغم من انهم ليسوا هدفا اصيلا لأي تدخل امريكي في سوريا كما إيران، إلا ان موسكو هي في النهاية حليفة طهران، وقد عمدت هذا الحلف بدماء ابنائها دفاعا عن أهم اضلاع حلف طهران في دمشق، لذلك لن يكون من السهل تحييد الروس جانبا في هذا النزاع، ولن تسعى موسكو لتهميش إيران في سوريا، لأنها ببساطة غير قادرة على ذلك، فهي حليف ثان دخل ساحة الصراع في سوريا، ضمن تفاهمات واضحة ومصالح مشتركة عميقة مع الحليف الأول للأسد، ايران، على رأس هذه المصالح الاستراتيجية لروسيا وايران، هو الاشتراك في مناهضة النفوذ الامريكي في المنطقة، لذلك فإن خطة الولايات المتحدة المقبلة لمواجهة النفوذ الايراني في سوريا، إن تواصلت، ستصطدم عاجلا او اجلا بجدار دفاعي اولي هو روسيا، قبل ان تحاول النفاذ الى الحزام الدفاعي الاصلب عن النظام، كيانات الشيعة السياسية الصاعدة بقيادة خامنئي.
كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"