الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ما بعد منظومة " إس 300" لسوريا

ما بعد منظومة " إس 300" لسوريا

07.10.2018
بسام البني


القدس العربي
السبت 6/10/2018
بعد تصريحات إيغور كاشنيكوف الممثل الرسمي لوزارة الدفاع الروسية في 23.09.2018 تم نسف كل الحجج والتبربرات الإسرائيلية الهادفة إلى التملص من المسؤولية عن سقوط طائرة اليوشن بنيران منظومة اس 200 التابعة للدفاع الجوي السوري، واعتقد أن الأمور ذاهبة على الأقل إلى حظر للطيران الإسرائيلي فوق سوريا إلا اذا حصل ما أعجز عن فهمه.
 
مخاطرة كبيرة
فقد عادت روسيا لإحياء عقد توريد منظومة " إس 300" لسوريا خلال مدة أقصاها أسبوعان من تاريخه، مع العلم أن هذه المنظومة تستطيع التصدي لأهداف عديدة في وقت واحد، ناهيك عن قدراتها من حيث المسافة والدقة، كما أنه وبإمكان هذه المنظومة إعتراض الصواريخ وتدميرها بشكل فعال، وتنهي حالة التفوق الإسرائيلي على سوريا جواً، الأمر الذي جعل إسرائيل تجثو على ركبتيها أمام روسيا كي لا تنفذ الصفقة في عام 2013، وافقت روسيا وقتها وخسرت مليارات الدولارات وبعضا من مصداقيتها، وقد ذكرت روسيا إسرائيل بعد الحادثة على لسان ممثل وزارة الدفاع الرسمي كاشنيكوف بحجمها الطبيعي عندما قال إن أمريكا نفسها تنسق معنا طلعاتها الجوية قبل وقت كاف لتجنب الحوادث جواً ولمنع أي تصادم رغم قوة أمريكا ورغم العلاقات السيئة جداً مع روسيا.
لكن الأكثر خطورة إذا طفح الكيل الروسي هو إذا أعلن الرئيس فلاديمير بوتين الحظر الجوي الكامل على كل الأطراف الدولية والإقليمية بما فيهم أمريكا، وفي هكذا تصرف مخاطرة كبيرة، ولتجنب الخطر كما أعتقد من الممكن أن تزود روسيا سوريا بمنظومة اس 400 الموجودة أصلاً في سوريا تحت سيطرة الروس في حال استمرت الاستفزازات الأمريكية والإسرائيلية وعندها سيكون الحليف السوري في الواجهة كي لا تحصل مواجهة مباشرة لا يحمد عقباها، مع العلم أن منظومة اس 500 دخلت الخدمة في الجيش الروسي في عام 2017 ولا يمنع أي شيء أو أي أحد من استقدام روسيا لها إلى سوريا لحماية قواتها فهذه المنظومة تضمن تفوق الدفاعات الروسية على أي سلاح موجود على هذه الأرض.
فعلى خلفية إسقاط طائرة اليوشن الروسية بنيران صديقة تتصاعد أصوات روسية مطالبة بفرض منطقة حظرعلى كامل الأجواء السورية، حتى أن زعيم الحزب الديمقراطي الليبرالي الروسي فلاديمير جيرنوفسكي ذهب للقول إن الحظر يجب أن يكون موسعا" بحدود 100 كم أو أكثر خارج حدود سوريا، الأمر الذي تستطيع الأسلحة الروسية فرضه، موضحا" أن الغرب لا يفهم بلغة المصالح المشتركة ولا يقدرها، وأنه ورغم اتصال نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي وتقدمته التعزية والأسف وإرسال مسؤول عسكري رفيع المستوى إلى روسيا لتقديم التوضيحات اللازمة حول الحادثة، فإن إسرائيل التي كانت وراء الخطأ الذي دمرت بسببه طائرة الاستطلاع ( ايل 20) لم تأبه بحياة الخبراء العسكريين الروس الذين دفعوا حياتهم ثمنا" للاستهتار الإسرائيلي بتفاهمات التنسيق الجوي بينها وبين روسيا وأن إعلامها روسيا بغارتها على مواقع إيرانية داخل سوريا كما تدعي قبل 50 ثانية فقط ما هو إلا لرفع العتب.
ويضيف أن صبر الرئيس بوتين قد زاد عن حده وقد يفهم أنه ضعف، وأنه متساهل في فرض الإجراء اللازم لعدم تكرار هذه الحوادث.
وفي كلام الرجل شيء من الصحة، فلو عدنا بالتاريخ للأزمة السوفييتية الأمريكية حول جمهورية مصر العربية أيام الحرب الباردة وما أشبه الحالة اليوم بتلك الأزمة، سنجد على سبيل المثال أنه في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1956 تدخل الاتحاد السوفييتى لوقف العدوان الثلاثي على مصر، وذلك عندما ذهب الزعيم السوفييتى نيكيتا خروشوف إلى هيئة الأمم المتحدة وضرب بحذائه على منصة المجلس مطالبا بعبارات شديدة اللهجة تقول: " لقد عزمنا عزما أكيدا على سحق العدوان وإعادة السلام إلى الشرق الأوسط عن طريق استعمال القوة، وعلى دول العدوان أن تنهى عدوانها فورا وسحب قواتها وإلا فإننا سنضرب لندن وباريس بالصواريخ النووية".
وتقول بعض المعلومات الموجودة في السجلات التي تم رفع السرية عنها ان الزعيم خروشوف لم يكتف بذلك واتصل بعدها بالرئيس الفرنسي حينها ومع رئيس الوزراء البريطاني وصرخ بهما :
إذا لم توقفا العدوان في فترة أقصاها نصف ساعة فسنقصف لندن وباريس بالصواريخ النووية، مما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تضغط على المعتدين ليتوقف العدوان العسكري وتشتغل الدبلوماسية شغلها.
 
الحوادث التاريخية
 
من المؤكد أن بوتين يذكر الحوادث التاريخية، لكنه وهو ضابط المخابرات السابق يعلم تمام المعرفة أن روسيا اليوم ليست الاتحاد السوفييتي نهاية خمسينيات وبداية ستينيات القرن العشرين ويعلم تماما "أن فرض حظر جوي فوق السماء السورية قد يؤدي إلى حل المشكلة بشكل أسرع، ولكن لا يغيب أبدا" عن حساباته أن هكذا قرار قد يؤدي إلى حرب مباشرة مع إسرائيل أو غيرها إذا ما حاولت اختراق الأجواء السورية ضاربة بعرض الحائط القرار الروسي لأنه سيكون لابد من إسقاط الطائرات التي قد تتجاهل هكذا إعلان وإلا ستفقد بلده مصداقيتها في مجال الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب السوري في تقرير مصيره.
والأهم هو فقدان الهيبة الروسية بما تسعى إليه في خلق توازن جديد للقوى في عالم متعدد الأقطاب قائم على احترام القوانين والتشريعات الدولية المتمثلة فى مجلس الأمن وهيئة الامم، لأنه وحتى أن نسبة أن تتجاهل إسرائيل أو غيرها للقرار الروسي بفرض هكذا حظر قد لا تصل إلى 10 في المئة لأنها لن تغامر بمواجهة مباشرة مع روسيا، لكن هكذا قرار سيؤدي حتما" إلى مواجهة مباشرة عسكريا" مع من ستسول له نفسه إختبار جدية روسيا بما عزمت عليه، لأنه في هذه الحالة سيكون الأمر محرجاً وقد لا تستطيع أمريكا وحلفاؤها تجاهل الأمر والانصياع، ومن جهة ثانية لن تستطيع روسيا تجاهل اي طائرات أو صواريخ اذا ما اخترقت الاجواء السورية، الشيء الذي سيؤدي قولا" واحدا" إلى نشوب حرب عالمية ثالثة قد تقضي على الحياة في ثلثي الكرة الأرضية على أقل تقدير.
الملف السوري على طاولة لعبة الأمم موجود وبقوة ولكنه لا يشكل من الخريطة الجيوسياسية في الحسابات الاستراتيجية الروسية والأمريكية أكثر 15 في المئة من حجم لعبة الأمم الكبرى، مما يعني أن روسيا وأمريكا على حد سواء لن تبدآ بحرب عالمية ثالثة لأي سبب من الأسباب المشابهة لأنهما تعلمان انه في الحروب المباشرة سيخسر الجميع.
لكننا لا نستطيع أن ننسى كيف بدأت الحروب العالمية بسبب حوادث استفزازية لم يتوقع منفذوها نتائجها وقتها.
الشيء الأكيد أن حال الغرب بقيادة الولايات المتحدة والشرق بقيادة روسيا كحال قطارين يسيران على سكة واحدة بعكس الإتجاه وحتمية صدامهما المدمر سيأتي يوماً ما إلا إذا ما حاول الطرفان الضغط على فرامل قطارهما لإنقاذ البشرية من الدمار الشامل.
 
كاتب وخبير في الشؤون الروسية في موسكو