الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ما بعد تسليم حلب ومأساة أهلها!

ما بعد تسليم حلب ومأساة أهلها!

18.12.2016
هشام منوّر


القدس العربي
السبت 17/12/2016 
مع دخول الاتفاق التركي الروسي لإجلاء من تبقى من المدنيين في حلب (نحو100 ألف مدني) حيز التنفيذ، توشك معركة السيطرة على حلب، ثاني أكبر المدن السورية، على الانتهاء، بانتصار قوات الأسد المدعومة من الائتلاف المؤيد لها، أي روسيا وإيران وحزب الله وقوات شيعية.
ويسود القوات المعارضة للأسد شعور "بالخيانة الكبرى" نتيجة الحصار والتجويع وقصف الأحياء السكنية، وقتل المدنيين الأبرياء، واستخدام قنابل الكلور ضد التجمعات السكانية، والعالم صامت. جميع الذين وعدوا بإحداث تغيير في سورية لم يصمدوا عندما حانت ساعة الامتحان – الولايات المتحدة التي تعهدت بالتوصل إلى حل سياسي ينهي حكم الطاغية الأسد لم تحرك إصبعاً؛ والقوى الحليفة للمعارضة أو ما يسمى بمجموعة أصدقاء سورية الأساسية في المنطقة، لم تفعل شيئاً لوقف القتال الذي خاضته روسيا وإيران من أجل إنقاذ حكم الأسد؛ والمجتمع الدولي الذي تخلى عن الشعب السوري ولم يوقف سفك الدماء الذي حصد قرابة نصف مليون قتيل حتى الآن ولم يمنع هذه الكارثة الإنسانية الهائلة. لكن الذي برز في صورة أساسية هو فشل سياسة الولايات المتحدة في سورية. ففي الوقت الذي كان فيه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يتحدث مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في محاولة للتوصل إلى حل، كانت الطائرات الروسية ومدافع الأسد تقصف المنطقة المحاصرة وتصيب المدنيين عشوائياً. لقد اختارت الولايات المتحدة تقليص تدخلها في سورية، ولم تشأ الغرق في مغامرة عسكرية جديدة في الشرق الأوسط تفرض عليها إرسال قوات برية، ونفضت يديها عندما خاب أملها من عدم قدرة المعارضة المعتدلة على توحيد صفوفها. لكن سقوط حلب في يد الأسد هو أيضاً دليل على فشل القوى الإقليمية.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن القول إن سقوط حلب سيعمق الثغرات والخلافات داخل مجموعات المعارضة، وبينهم وبين قيادة المعارضة السياسية. لم تنجح قوات المعارضة المسلحة في تشكيل إطار قيادة مشتركة في القتال. وهنا يطرح السؤال: ما هي الأهداف التي ستضعها المعارضة لنفسها؟ هل سيتبنون النموذج الأفغاني مع قوى منتشرة ومتحركة تعرقل كل إمكانية لإقامة نظام مستقر وطبيعي في سورية؟ نرى على الأرض دلائل تشير إلى أن المعارضة السورية تخطط للمرحلة المقبلة من ثورتهم المستمرة. على الجانب الآخر، لا يرى الأسد في الانتصار في حلب نهاية صراعه دفاعاً عن بقائه، فهو قال في مقابلة أجرتها معه صحيفة "الوطن" السورية إن السيطرة على حلب هي بمثابة أخذ الأوراق من يد المتمردين ومؤيديهم، لكن هذا لا يشكل نهاية الحرب ضد الإرهابيين. إن استعادة حلب تعزز سيطرة الأسد على "العمود الفقري" في سورية الذي يمتد من حلب مروراً بحماة وحمص وصولاً إلى دمشق، بما في ذلك الشريط الساحلي.
لقد استنفدت روسيا التكتيك الذي طبع نشاطها في سورية منذ أيلول/سبتمبر 2015: أي استخدام قوة عسكرية مكثفة ووحشية حتى ضد المدنيين من دون رحمة، وتسجيل بعض الوقائع على الأرض، من أجل الوصول إلى طاولة المفاوضات من موقع قوة. ومن أجل زيادة الضغط على المعارضة السورية منعت روسيا صدور قرار في مجلس الأمن لوقف النار في حلب لأهداف إنسانية. وبموازاة المعارك تجري روسيا محادثات سرية في اسطنبول مع ممثلي المعارضة، كي تفرض عليهم شروطها.
من المنطقي افتراض أن مقاتلي المعارضة السورية يدركون أن مستقبل إدلب لا يختلف عن حلب، وأن التحالف المؤيد للأسد سيقوم بإخراجهم من هناك أيضاً. يبذل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كل ما في وسعه من أجل إنهاء المعركة في حلب قبل دخول الرئيس الأمريكي المنتخب الجديد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ومن أجل تعزيز سيطرة الأسد في المناطق الحيوية بالنسبة لروسيا وجعلها مسألة منتهية.
وفي الواقع يتعين على الرئيس الأمريكي الجديد أن يقرر ما إذا كان سيواصل السياسة الحالية بعدم القيام بشيء، أم سيغير توجهه مثل: 1- عقد حلف مع روسيا بناء على فكرة محاربة تنظيم "داعش" والإرهاب. ويبدو أن ترامب ينحو نحو هذا الاتجاه فقد سبق ولمح إلى أنه مستعد لأن يعطي بوتين "بطاقة سورية". 2
- دعم نظام الأسد وقواته وإعلانه كمنتصر في الحرب على الإرهاب. ومثل هذه الإمكانية واردة إذا تعهد الأسد بالامتناع عن القيام بعمليات تطهير للمعارضين له وضم الجيش السوري الحر إلى القوى السياسية.
3- بالنسبة إلى المساعدة العسكرية، سيكون على ترامب أن يقرر ما إذا كان سيتوقف عن مساعدة نحو 80 تنظيماً من تنظيمات المعارضة قامت الـ"سي آي إيه" بتدريبهم (نحو 50 ألف مقاتل)، وحصلوا على سلاح ولم يعطوا النتائج المطلوبة. فما الذي سيحدث لهؤلاء المقاتلين إذا قرر وقف المساعدة أو تقليصها بصورة كبيرة؟ هل سيعود هؤلاء إلى منازلهم؟ الأكيد أنهم لن يتخلوا عن سلاحهم، ومن المعقول أن السعودية وتركيا ستواصلان دعمهما لهم.
4- على الصعيد التركي – الكردي، إذا جرى التوصل إلى لغة مشتركة بين أردوغان وترامب، فمن المعقول ألا يعارض الأخير منطقة أمنية تركية على طول الحدود السورية – التركية داخل أراضي سورية.
5- بالنسبة إلى شمال شرق سورية – فجنرالات الجيش الأمريكي سينصحون الرئيس بمواصلة القتال ضد تنظيم "داعش" ومساعدة الأكراد في السيطرة على منطقة في وسطها الحسكة، حيث سيكون في الإمكان إنشاء قيادة مركزية أمريكية والاحتفاظ بقوات وقواعد جوية ضرورية من أجل محاربة قوات تنظيم "داعش"، التي أثبتت أنها ما تزال حية وموجودة واستغلت انشغال الجميع بالمعارك في حلب كي تسيطر من جديد على مناطق في مدينة تدمر التاريخية.
إن الاختبار المباشر للرئيس ترامب سيكون في المعركة على الرقة، عاصمة تنظيم "داعش" في سورية. وسيتعين عليه أن يقرر ما إذا كانت الولايات المتحدة ستدفع بالقوات الكردية وقوات سوريا الديمقراطية التي أنشأها الأمريكيون للسيطرة على المدينة قبل أن تفعل قوات الأسد ذلك، أم أنه سيسمح لقوات الأسد بالسيطرة على الرقة (على افتراض أنهم مهــتمون بذلك في المرحلة الحالية) وتعزيز مكانة الأسد بوصفه "محارباً للإرهاب". في هذا السياق من المهم القول إن توجهات الاستراتيجية السياسية لإدارة ترامب ليست واضحة في هذه المرحلة.
حلب سلّمت ولم تسقط، هي العبارة التي تلهج بها ألسنة السوريين بعد مأساة خروج آلاف المدنيين منها هائمين على وجوههم إلى المجهول، فيما يظل المجهول محيطاً بمستقبل ثورة خرج بها شعب للمطالبة بحقوقه، فإذا به يواجه مطامع ومشاريع دولية لتغيير المنطقة وتحالفاتها.