الرئيسة \  واحة اللقاء  \  فكرة الفدرالية وخصوصية وضع الكرد السوريين

فكرة الفدرالية وخصوصية وضع الكرد السوريين

26.09.2018
فراس سعد


فراس سعد
القدس العربي
الثلاثاء 25/9/2018
مقاربة لمصطلح الفدرالية الذي درج في السنوات الأخيرة في الخطاب السياسي السوري مقاربة سريعة لهذا المصطلح انطلاقاً من الوضع السوري تجعلنا تلقائيا نعقد مقارنة بين وضع سوريا ووضع ألمانيا مثلا حيث كانت الفدرالية هي الحل بالفعل والنظام الأكثر فاعلية لتقارب وتوحيد دويلات متنافرة .
الفدرالية كما نشأت في المانيا كانت وعاء ووسيلة لجمع الدويلات الألمانية المتحاربة وهي تجربة مرت بمرحلة سابقة هي الكونفدرالية. أي أن الفدرالية الألمانية هي تتويج لتجربة تاريخية انطلقت من حالة استقلال كيانات لم تتوحد تاريخيا من قبل ومرت بالكونفدرالية حتى وصل الألمان إلى الفدرالية ويبدو أن من ينادي بالفدرالية في سوريا يقوم بعكس التجربة الألمانية.
ففي سوريا ليست لدينا دويلات كي نجمعها بواسطة الوعاء الفدرالي إنما لدينا دولة واحدة يريد الروس والأمريكان تفكيكها عبر الفدرالية كما فككوا العراق . تفكيك سوريا فدرالياً هي الخطوة التالية بعد العراق وفي حال نجحت ستكون تركيا الدولة التالية .
 
مظلومية تاريخية
 
يقوم الأمريكان باستغلال مظلومية الكرد التاريخية واشتهائهم التاريخي للدولة الكردية الواحدة .
و للأسف ليس الكرد السوريون الآن وفق موازين القوى واللعب السياسي سوى وسيلة لتحقيق الخطة الأمريكية وهم أي الأحزاب الكردية مادة طيعة وأداة جاهزة لتفكيك سوريا،
لكن لماذا الكرد مادة طيعة بيد القوة الأمريكية الروسية ؟
أعتقد أن سبب ذلك يعود إلى أنهم قوة بشرية خصبة وحيوية يحركها هوى ورغبة لا تعرف سوى شيء واحد: دولة كردية لشعب مشتت عانى وتألم . ودرجة الهوى ومستوى الرغبة عند الكرد مرتفعة نتيجة مجموع آلامهم عبر التاريخ … إنهم مجموعة بشرية حيوية لم تجد تعبيرا شكليا ً عن ذاتها -فلا وجود معترف به دون شكل أو صورة تُظهر هذا الوجود – كما إنهم مجموعة محصورة بين قوتين كبيرتين عبر التاريخ هما فارس والدولة العثمانية أضيفت إليهما قوة حديثة هي القومية العربية البعثية بالأخص في العراق …
وهذه القوة البشرية أي الكرد كأي مجموعة بشرية لها هوية تعتز بها فتسعى لتحقيق ذاتها في دولة قومية موحدة ..
العامل الأول الذي يجعل من الكرد أداة طيعة بيد روسيا وأمريكا هو عامل الضغط التاريخي الذي يولّد التثبيط لكن يولد أيضا الاستعداد الدائم للانفجار- وهو ما نجده في الشخصية الكردية على المستوى النفسي، هذه الشخصية الحماسية العصبية بعض الشيء التي تتصف إضافة للقيم الريفية الأخرى كالكرم والطيبة والشهامة والشجاعة بالرغبة بالثأر من أعداء الماضي.
وهو ما يظهر كلما سنحت فرصة تاريخية لذلك . هذا ما فعله عناصر «بي كي كي» في الجزيرة السورية حيث عمدوا إلى تهجير قرى عربية والاستيلاء على أملاكها واعتقال كثير من العائلات بحجة الاشتباه أنهم حلفاء لتنظيم الدولة …
العامل الثاني يتجلى في التوظيف الإقليمي لهذه الجماعة التي يمكن أن تهدم هياكل الدول التي حاصرتها وحاربتها تاريخيا ومنعتها من تشكيل دولتها .
لكن هنا ملاحظة سريعة تتعلق بوضع الكرد السوريين تحديدا . فلم يتعرض الكرد السوريون إلى ما تعرض له كرد إيران أو تركيا ولا حتى لما تعرض له كرد العراق.
كرد سوريا هم الهاربون إلى سوريا من اضطهاد تركيا، وهناك عملية تداخل اجتماعي طبيعي بين الكرد والعرب بحيث تجد عائلات عربية تكردت طوعيا وتجد كردا يعتبرون أنفسهم إخوة للعرب أو عربا مسلمين من حيث الهوية العامة الثقافية … وبالتالي لا يوجد ثأر تاريخي بين كرد سوريا وعرب الجزيرة مثلاً، بالعكس هناك بعض الحوادث التي تشير إلى تعرض السريان والآشوريين في الجزيرة إلى الاضطهاد من قبل الكرد.
فلماذا إذن يقوم بعض الكرد عبر ميليشيات مركزية بتجريف قرى عربية في الجزيرة ويتوسعون ليحتلوا مناطق لا يقطنها الكرد وصولاً إلى اعزاز.
 
الخطة الأمريكية للهدم والبناء
 
لو تأمل الإنسان قليلاً وتساءل هل تعمل امريكا على تفكيك أربع دول بينها قوتان اقليميتان متحالفتان مع أمريكا، فقط من أجل بناء دولة الكرد القومية.
هذا ما يجب أن يسأله الكرد أنفسهم وليتأكدوا أنهم لن يصبحوا دولة واحدة حتى لو تفككت هذه الدول الأربع، وسيبقون كيانات متفرقة يتبع كل كيان على حدة إلى جهة إقليمية أو دولية محددة، شأنهم في ذلك شأن جيرانهم العرب، فأمريكا على الأغلب تفتت المنطقة ليس من أجل إعادة بنائها على شكل دول قوية مستقلة، بل تفتتها كي تبقى مفتتة ولتصبح إسرائيل القوة الإقليمية الأكبر وربما الأوحد .
 
كاتب سوري