الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عندما ينتصر ترامب وبوتين والأسد على السوريين ويُهلّل الممانعون!

عندما ينتصر ترامب وبوتين والأسد على السوريين ويُهلّل الممانعون!

26.04.2018
أيمن يوسف أبولبن


القدس العربي
الاربعاء 25/4/2018
معارك عدة على مختلف الأصعدة تدور رحاها على الأراضي السورية، والشيء المشترك الوحيد بينها هو الضحية: سوريا البلد والشعب!
الإدارة الأمريكية والغرب عموماً شعروا بالحرج بعد الهجوم الكيميائي الأخير، وباتوا مطالبين بردّة فعل، (على ما يبدو فإن الغرب قد ورّط نفسه بمسألة الخط الأحمر)، وكان أن تمخّض الغضب «المفتعل» بضربة خاطفة ليس لها أهداف استراتيجية؛ لا تحدّ من قدرة النظام العسكرية ولا تقوّض من فرص تكرار استخدام الأسلحة المحظورة.
ولكن ترامب قام باستغلال هذه الضربة إعلامياً، ليظهر بمظهر القوي الذي ينفّذ تهديداته ولا يخشى التصعيد الروسي، فغرّد قائلاً «المهمة أُنجزت» على غرار الأفلام الهوليوودية!
وبذلك نجح الغرب في إسكات المنتقدين والمدافعين عن حقوق الإنسان، ونجح كذلك بالتغرير بالمعارضة السورية، لكنه (وهذا هو الأهم) أثبت لروسيا وللأسد أنه لا يرغب بتغيير النظام.
وفي المحصلة، ترك السوريين لمصيرهم، فالموت بالقنابل العنقودية أو البراميل المتفجرة هو شيء يمكن قبوله أو التغاضي عنه!
من جهته استغل النظام السوري تلك الضربة ليستدر عواطف الشارع العربي بالحديث عن انتهاك السيادة السورية وعدم شرعية الهجوم، وعاد لينفخ في قِرْبة «المؤامرة الكونية» (التي تنز سذاجة وجهلاً) من جديد، وكرّس أدواته الإعلامية لإظهار نفسه بمظهر الصامد في وجه الهجمات الإمبريالية الصهيونية.
أحد الخبراء الاستراتيجيين الموالين للنظام قال على تلفزيون فرانس 24 إن الدفاعات السورية البطلة أسقطت 69 صاروخاً من أصل 110 في الهجمة الأخيرة، فيما لم تنجح بقية الصواريخ التي سقطت في تحقيق أهدافها على الأرض، كما أصرّ على استخدام عبارة «العدوان الثلاثي» لدغدغة مشاعر المواطن العربي من خلال المقاربة مع العدوان الثلاثي على مصر.
وقال آخر إن صاروخ توما هوك قد تم إسقاطه سليماً وكاملاً دون أن ينفجر، وقامت قيادة الجيش السوري بإهدائه إلى القيادة الروسية الحليفة!
بعد ساعات من الهجوم قام النظام بحشد جماهير غفيرة للاحتفال بالنصر ورد العدوان!
أما روسيا فقامت بخوض صراع دبلوماسي أمام الكاميرات وفي أروقة الأمم المتحدة، لحماية النظام السوري من تبعات استخدام الأسلحة الكيميائية، وأحبطت قرارات أممية لإنشاء لجنة تحقيق دولية، أو إدانة النظام، كما شكّكت بوقوع الهجوم الكيميائي تارة، وبمسؤولية النظام عنه تارة أخرى، وبعد الضربة الغربية، قامت بتعطيل دخول فرق التفتيش ولجان التحقيق إلى مناطق دوما (الغوطة الشرقية) لغاية كتابة هذا المقال. ولكنها في المحصلة لم تقم بفعل شيء لمنع الضربة كما لم تتدخل في التصدي لها، ولا نفّذت تهديداتها بتصعيد الأزمة.
الذي يقرأ بين السطور ويتابع تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وتسريبات اللحظات الأخيرة في أروقة البيت الأبيض، يدرك بوضوح أن تنسيقاً أمنياً جرى بين الجنرالات الأمريكية والروسية، يقضي باستهداف أهداف غير مؤثرة، تم الاتفاق عليها، مع عدم التعرض للمواقع الروسية (والتي تم نقل عتاد الجيش السوري الاستراتيجي إليها) أو المواقع السياديّة، وبناءً عليه، التزمت روسيا من جهتها بعدم التعرض للطائرات والصواريخ الغربية وكذلك عدم تصعيد الأزمة.
روسيا وأمريكا يخدعان العالم بتجسيدهما دور طرفي نزاع دبلوماسي سياسي عسكري في سوريا، بينما في الحقيقة يتفقان على الخطوط العريضة (بقاء الأسد، عدم المساس بأمن إسرائيل، ومحاربة المتشددين) ويختلفان في التفاصيل، ثم يقومان بتمرير الاتفاقات والتفاهمات من تحت الطاولة، ودوماً ما يكون السوريون هم الضحية.
أما نحن من جهتنا، فأحدنا مُحتدّ ومعتدّ بنفسه يعتقد أن النظام السوري صامد في وجه المؤامرات، وتأخذه العزة بالإثم، فيخرج للاحتفال بالانتصار الموهوم، ويملأ فضاءاته بشعارات فارغة عن الصمود والتصدّي للمشروع الصهيوني، لا ينقصه سوى إضافة مصطلح «العلوج» أو عبارة (تجوّع يا سمك البحر)!
وأحدنا الآخر ما زال يظن في المجتمع الدولي خيراً، ونيةً طيبة في مساعدة الشعب السوري، ويعلّق آماله على تدخل غربي يقضي على نظام الأسد، ربما بعد الهجوم الكيميائي المقبل!
أجد صعوبة في قبول وتفهّم موقف مجموعة كبيرة من المثقفين أقنعوا أنفسهم أن الوقوف إلى جانب النظام السوري في مواجهته لمطالب التغيير، هو موقف وطني يصب في مصلحة قضية فلسطين والمنطقة عموماً، بل وإقناع الآخرين بأن ما يحصل للنظام السوري هو مؤامرة تستهدف إسقاطه والنيل من مواقفه الوطنية الداعمة للمقاومة.
النظام السوري الذي سبق له المشاركة مع الحلف الغربي بقيادة أمريكا ذاتها، في مؤامرة حقيقية على جاره العراق، ضاربا في عرض الحائط كل شعاراته عن الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة، والذي سبق له أن اتخذ من لبنان الشقيق «مُستعمرة»، يحكمها كيفما أراد ويقرّر مصيرها ومصير شعبها لنحو ثلاثين عاماً،
النظام الذي مارس دور الوصاية على منظمة التحرير وشقّ صفوفها بالنتيجة، ثم استقبل على أراضيه كل الفصائل التي تختلف في الرؤية السياسية مع القيادة، كي يفرض نفسه لاعباً أساسياً في المنطقة، ولكي يمتلك أكبر عدد ممكن من أوراق الضغط، النظام الذي لا يعترف بالرأي الآخر، ولا يُلقي بالاً للقيم الإنسانية وحقوق الإنسان، بل إنه لا يقبل الاختلاف في الرأي داخل الحزب الواحد ولا يؤمن بالمشاركة في صنع القرار. هذا النظام، وكل من على شاكلته، هو أبعد ما يكون عن قيادة البلد (ناهيك عن الأمة) نحو مستقبل واعد بالانتصارات وبالتقدم والمعرفة.
بعد نكسة حزيران/يونيو قرّر الرئيس عبد الناصر تحمّل مسؤولية الهزيمة التاريخية التي أضاعت ما بقي من فلسطين وهضبة الجولان وسيناء، فألقى خطاب التنحّي الشهير، وأعلن تحمّله المسؤولية (كاملةً)، ولكن المفاجأة أن الشعوب العربية رفضت تحمّله أي جزء من المسؤولية، بل إنها ذُعرت من فكرة التغيير، وثبت أن إيمانها بالقادة والأسماء وصور الزعامات كان أقوى من إيمانها بنفسها وقدرتها على النجاح.
للأسف فإن طائفة كبيرة من مثقفي زماننا هذا ما زالوا يفكرون بالطريقة نفسها وبالعقلية نفسها، يرفضون قبول فكرة أن الشعب السوري قادرٌ على حكم نفسه وتقرير مصيره خارج إطار عائلة الأسد أو كليشيهات حزب البعث.
كيف يمكن لمجموعة من المثقفين والكُتّاب وأصحاب الرأي، أن يختزلوا بلداً يعيش فيه نحو عشرين مليوناً من البشر في شخص واحد وحزب واحد ورأي واحد، بحجّة البوصلة؟! يطرحون سؤالاً يظنون أنه الضربة القاضية: ماذا بعد الأسد، جماعات إرهابية أو موالون لإسرائيل وأمريكا!
سأتجاوز سطحيّة السؤال، وإطلاق التعميمات على المعارضة السورية، ولن أخوض في المسؤولية المباشرة للنظام في تحويل الصراع السياسي إلى صراع عسكري وصراع طائفي، ولكني سأسألكم بدوري: وماذا بعد الشعب السوري؟ ماذا بعد خراب الدولة وتدمير الشجر والحجر والبشر؟ ماذا بعد رهن مصير البلد ومقدّراته وقراره السياسي بالكرملين وبالمرشد الأعلى؟ هل وجدتم ضالتكم، وانتصرتم للقضية، أم أصبحتم على بعد سنوات ضوئية من نُصرتها؟!
إن نظاماً سياسياً وصل إلى سدّة الحكم عن طريق المؤامرات في الظلام وتنفيذ الاغتيالات، وكرّس في قرارة قلبه ألاّ استقرار لحكمه إلا باستخدام القبضة الأمنية وممارسة اللعبة البوليسية مع كل من يختلف معه، لا يُعوّل عليه، ولا يمكن أن يكون في يوم من الأيام مفتاح حلٍّ لقضية الشرق الوسط، أو دافع استقرار للمنطقة، بل هو أحد أهم مشاكلها وأسباب أزمتها.