الرئيسة \  واحة اللقاء  \  صيدنايا… الكلمات تُحتضر والحروف تختنق

صيدنايا… الكلمات تُحتضر والحروف تختنق

16.02.2017
ميسرة بكور


القدس العربي
الاربعاء 15/2/2017
الكلمات تُحتضر، الحروف تختنق، بعنق القلم.. مذابح تنظيم الأسد لا تختزل بمقصلة.
تقرير لا يمسح العار ويحاكي آلم. اهلاً بكم في سوريا تنظيم الأسد.
عبثاً ذهبت محاولاتي استجداء المعاني، عبثاً حاولت ويحاولون اختصار مأساة وطن وانسان جاءت التقارير مستفيضة تحدثك عن أخباره، وطارت بها الأخبار وتناقل الركبان تفاصيلها .
ولم تزل العدالة الأممية، تشيح بوجهها عن معتقلات نهاية الإنسانية، وبداية الخزي الدولية. المسالخ البشرية في سجن صيدنايا السورية.
يصر المجتمع الدولي ومحكمة جناياته على جعلنا مقتنعين أن عدالتهم ليست لنا وغير معنية بتعاستنا.
وأن آلامنا ليست آدمية وأشلاء أطفالنا المحرقة المختنقة بالغازات الكيمائية لا تنتمي للقوانين الدولية وشرعت حقوقهم الإنسانية.
من غياهب اليأس وظلمة العزلة والاعتزال المتبعة دولياً بحق المجزرة الموسومة بالأيادي الأسدية الإيرانية، تنبعث إشارات ربما فيها بعض أمل، كما فعلت وتفعل منظمة العفو الدولية وشقيقاتها المهتمة بالشؤون الإنسانية، تقارير وتنبيهات تحيي فينا أملاً ظننا أن ما عاد وجود له في مخيلتنا المثقلة بكم كبير من التقارير الحقوقية، وثائق تبعث في عروقنا بعض نبض يعد لنا أملنا المفتقد بعدلٍ تتقد جذوته كلما أشتد الظلام وحجبت الغيوم ضوء القمر .
لست أعلم على وجه الحقيقة والتحقيق هل سيكون لها أثر؟ هل يستيقظ ضمير الإنسانية من نومه، فإننا مازلنا على اعتقادنا وضلالنا القديم بأن الضمير قد يغفو ربما يستغرق في ثبات عميق لكنه لن يموت، حاله حال العدل الذي به تستقيم الحياة وتعتدل بسلطانه الأمور.
لا يمكننا برغم تجاهل دمائنا وأجسادنا المستباحة وتضحيات الإباء والأمهات، من قبل جماعة الأمم المتفرقة، المتحدة على متابعة شلال الدماء المهراقة من شرايين أطفال سوريا ونسائها، الأمم المتحدة على متابعة تفاصيل الكارثة الإنسانية من المدرجات وعلى استحياء تصدر تقارير شجب وهجاء.
لا يمكننا أن نستكين لقول القائلين او المتقولين ولن نلتفت لشك متشكك في حتمية أن العدالة مهما غابت لا بد أن تأتي لحظة يحصحص فيها الحق ويذعن الجميع لسلطانها السوي القويم.
لن تستطيعوا أن تجعلونا أو ترغمونا على الاعتقاد بالقول الخطيئة إن العدالة ليست لشعوبنا وإن طغماتنا الحاكمة بأمرها ببطشها بمشانقها ومحارقها وبراميلها السامة والمتفجرة، بأسلحتها وترسانتها المسموح بها والمسكوت عنها، فوق القانون وفق المحاسبة .
على الرغم ما احتواه تقرير منظمة العفو الدولية الموسوم بـ "المسلخ البشري في سجن صيدنايا"، الذي استفاضت فيه مدية المعدين بتشريح جسد إرهاب الدولة الذي تمارسه ميليشيا "تنظيم الأسد" بحق السوريين في معتقل صيدنايا .
حقيقةً ما جاء في التقرير الموثق بالأدلة والشهود العدول، لا يعدو أن يكون تكراراً على مسامع السوريين واللبنانيين والفلسطينيين والعراقيين ما يعلمونه بالضرورة وما ألفوه عن تنظيم الأسد على مدى عقود طوال ، فسجل إجرامه لا تتسع له سطور في مقال ولا تحمله جبال وتضيق به صدور الرجـال.
لا يخفى على متتبع لتاريخ تنظيم الأسد، أنه حول سوريا كلها لسجن ضيق على أهلها الأرض بما رحبت وطاردهم إلى غرف نومهم، سجون مثل صيدنايا وتدمر وفرع فلسطين واشقائه الجوية والعسكرية والمركزية، مجرد تفاصيل في الملحمة السورية ذات الأختام الأسدية.
مأساة سوريا الوطن والإنسان عبر عقود أربعة حكم خلالها "تنظيم الأسد" كل ايامها كانت مسالخ وكل بيت من بيوتاتها فيه معتقل مفقود او قتيل، منع على انسانها ان يحلم أو ان يفكر فهذه جريمة يعاقب عليها القانون الأسدي، هي بنظره أخطر على تنظيمه واستمراريته من الجماعات الإرهابية .
نعم أيها السادة في وطني سوريا كان ممنوع علينا أن نحلم أو نفكر أن نصرخ ونعبر.
لست أبالغ ولم يبالغ من كتب قبلي في هذا المضمار عن قمع الحلم ووأد الأفكار، فلم تزل منظمات الأسد البعثية تطعمنا وتسقينا منجزات حركتها التصحيحية.
لا داعي للتفكير ولا مبرر للتطوير نحن في نعم يحسدنا عليها شعوب الأرض القائد الملهم، الذي ما استحق منا يوم إلا التحقير.
المأساة السورية أكبر من ان تحتويها كلمات، وأكبر من أن تختصرها حروف في صدر بيان .
تستعصي وتتمرد على اللغة وتغرغر العيون والحناجر بدمع مزج بدم من صيدنايا إلى تدمر وسلام على أطفال الحولة بابا عمرو، والغوطتين.
قرأت تقرير منظمة العفو الدولية واستحضار تفاصيل المشهد المروع، جعل مداركي تتوقف ربما احتاج لإعادة إقلاع الجهاز أو تحديثه كما في حال الحاسب الآلي حين يتوقف عن الحوسبة ولا بأس في إعادة التحديث أو الإقلاع من جديد، من هول التقرير قد أختلط العقل بالمشاعر فضاق بها الصدر .ولم استطع أن الإيجاز او التعبير
ربما استعملت كلمات مثل هول التقرير برغم هذا كله لم يفاجئني التقرير في تفاصيله ووقائعه، كل سوري علم أو يعلم بهذه الحقيقة المأساة المستدامة .
وهو تقرير آخر يضاف إلى سلسلة تقارير سبقته أعدتها منظمة العفو الدولية وشقيقاتها الإنسانية تحدثوا جميعاً عن إرهاب الدولة الذي تمارسه قوات تنظيم بشار الأسد بحق ملايين السوريين خاصة من كان في اقبية السجون او أوقعه سوء حظه وتعاسة بخته، بقبضة تلك الميليشيا التي يصر البعض على تسميتها بالجيش العربي السوري.
لم تذع سرا منظمة العفو الدولية في تقريرها " المسلخ البشري في سجن صيدنايا " كل ما قدمته مشكورة أنها اضافت مشهدا جديدا على سلسلة جرائم تنظيم الأسد بحق السوريين وربما جزء من فصل في تاريخ هذا التنظيم .
لكن لا يفوتنا التذكير والتنبيه لأهمية التوثيق والتأكيد على ضرورتها فلا بد من يوم نعود اليها ولابد أن تلتف صفحاتها على عنق المجرمين، وتظل هذه التقارير وثيقة هامة لحماية حقوق الأشخاص مستقبلاً وضرورية في الأهمية من أجل أي محاكمة دولية أوفي مرحلة إنتقالية .
 
كاتب وباحث سوري