الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا: متى سيختلف الروس مع الإيرانيين؟

سوريا: متى سيختلف الروس مع الإيرانيين؟

17.12.2016
رأي القدس
رأي القدس


القدس العربي
الخميس 15/12/2016
كشف تعثّر الاتفاق الروسي ـ التركي على إجلاء المقاتلين والمدنيين من حلب عن وجود خلافات بين روسيا وإيران تبدّت في عدد من الحوادث ذات الدلالة، ومن ذلك عودة القصف المدفعي والجوّي السوري على المدينة، واحتجاز نحو ألف من المدنيين النازحين من المدينة عند نقطة تفتيش إيرانية، وقصف المعارضة السورية لقريتي كفريا والفوعة الشيعيتين، واللتين تعتبران، في ميزان الكتل الطائفية، محسوبتين على إيران.
لكن أبلغ الإشارات جاءت من "وحدة الإعلام العسكري" لـ"حزب الله" اللبناني التي قالت "إن المحادثات لا تزال جارية بشأن اتفاق لإجلاء المقاتلين من حلب وإنه سيكون لاغيا إذا لم تلبّ مطالب الحكومة"، فتصريح حزب جاء من خارج الحدود ليهاجم مدينة سكّانها سوريون عن "مطالب الحكومة"، يعني إما أن هذه الحكومة لم تعد تملك من أمرها شيئاً ولذلك وكّلت أمور "مطالبها" لحزب شيعيّ لبناني، وإمّا أن المطالب هي "مطالب الحكومة" الإيرانية، وليّة أمر الحزب، في تعبير عن استيائها من هذه الثنائية المستجدة بين موسكو وأنقرة والتي تعقد اتفاقات من دون حاجتها لإخبار الدكتاتور صاحب الشأن، أو، إذا كان بشار الأسد مرغماً على قبول ما يقرّره الروس، فهناك من يعتبرون أنفسهم مسؤولين عنه في طهران وهم قادرون على الاحتجاج ليس بالتصريحات فقط بل بالتهديد بإلغاء الاتفاق كلّه، وباعتقال المدنيين وبقصف من بقي منهم في المدينة.
يضاف إلى كل هذه الإشارات تأكيد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس أن التعاون مع تركيا فيما يخص الأزمة السورية "أنجح من المحادثات مع الولايات المتحدة الأمريكية"، وهو كلام لا يكشف تراجع التأثير الأمريكي على المعارضة السورية فقط بل يمدح أيضاً قدرة تركيّا على الإنجاز في الداخل السوري وهو أمر يحدّد معالم معادلة جديدة تُخرج الأمريكيين، كما خرج الأوروبيون، من النطاق السوري، ولكنّها، من جهة أخرى، تزعج إيران، الخصم الأيديولوجي العتيد لتركيا، أشدّ الإزعاج وتجعلها تتحسّس آفاقاً جديدة بدأت ترتسم معالمها في المنطقة.
لا يفعل اتضاح التركيبة الوزارية للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب غير تأكيد انسحاب واشنطن من الملفّ السوري وتعهيده لروسيا، وسيكشف التاريخ، ربما، أن إدارة باراك أوباما ـ جون كيري قامت، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، بجرّ أقدام الدب الروسي إلى سوريا للقيام بهذا الدور الوظيفي بالذات، الذي سيكون شبيهاً بدور إسرائيل، وبالتنسيق معها، كما هو واضح.
تطمح الخطط الروسية إلى توسيع قواعدها، وتحويلها إلى وجود استيطانيّ، من خلال بناء مدينة عسكرية كبرى في مدينة طرطوس على الساحل السوري، وستكون بذلك موكّلة بإدارة الشؤون السورية بحيث تقوم بعمليّات تجميلية للنظام السوري، وبتقليم أظافر النفوذ الإيراني، يترافق ذلك مع وعود أوروبية بتمويل "إعادة الإعمار" مما يسمح بعودة جزء كبير من اللاجئين السوريين، إما بعوامل الجذب و"المصالحات"، أو باستخدام آليات الطرد العنيف وخصوصا من لبنان.
يبقى أن معادلات تطبيق هذه الخطط والأحلام التي تداعب النظام ومواليه تشبه معادلة بمجاهيل عديدة صعبة الحلّ، وعلى رأسها بالطبع إيران وميليشياتها ونفوذها القويّ داخل أجهزة النظام السوري، إضافة إلى تنظيم "الدولة الإسلامية"، ثم أوّلاً وأخيراً، الشعب السوري نفسه الذي ضحّى مئات الآلاف منه للتخلّص من نظام الطاغية الذي، رغم وجوده الرمزيّ فقد سقط عمليّاً منذ صيحة أول متظاهر، ولكن، خصوصاً، بعد أن سلّم أمره لدول وميليشيات غريبة لتقيه آثار ثورة شعبه.
أحلام روسيا وتعاون أمريكا معها وأوهام النظام السوري وإغراءات التمويل الأوروبية تحتاج لإنجاز خططها المذكورة قبرا كافيا يتّسع للشعب السوري.