الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا: عام الهزائم العسكرية والتهجير القسري للمعارضة 

سوريا: عام الهزائم العسكرية والتهجير القسري للمعارضة 

27.12.2016
منهل باريش


القدس العربي
الاثنين 26/12/2016
"القدس العربي": غيَر النظام السوري خرائط السيطرة لصالحه في أكبر مدينتين، دمشق وحلب، وأبعد قوات المعارضة عن محيطهما وخصوصا في العاصمة السورية. وأحكم قبضته على مناطق كبيرة في جبال الساحل، حيث خسرت المعارضة معظم جبل التركمان وسقطت أكبر بلدات التركمان، ربيعة.
بالتوازي، تقدمت قوات النظام مدعومة بميليشيات "مغاوير البحر" و"صقور الصحراء" في جبل الأكراد، ودارت معارك عنيفة انتهت بانسحاب الفرقة الساحلية الأولى من مصيف سلمى، أهم بلدات جبل الأكراد، وتقدمت قوات النظام على السفح الشرقي لجبال اللاذقية المطلة على سهل الغاب وجورين، حيث أسهمت النقاط الجديدة بتغطيتها ناريا بشكل كبير ومنعت أي اختراق من الجهة الشمالية للجبهة، بسبب رصد نيران مدفعية النظام لآليات المعارضة شمال الجبهة المذكورة.
التقدم الوحيد للمعارضة في الشمال، انطلق من شمال مورك، لتسيطر على بلدات طيبة الإمام وحلفايا وصوران، واخترقت المحور الشرقي في معان وعددا من القرى ذات الغالبية السكانية العلوية.
 
اقتتال الفصائل
 
شهدت مناطق سيطرة المعارضة أسوأ اقتتال بين فصائلها، منذ حرب النصرة على "جبهة ثوار سوريا" وحركة "حزم" عام 2014. حيث احترب "جيش الإسلام" و"فيلق الرحمن" في الغوطة الشرقية، وخلّف الاقتتال 723 قتيلا من مقاتلي الفصيلين، وتسببت هذه الحرب بخسارة نصف مساحة الغوطة الشرقية التي سيطرت عليها المعارضة منذ عام 2013، وخسارة كامل مناطق البساتين والأراضي الزراعية، التي تعتبر السلة الغذائية لأهالي الغوطة المحاصرة.
في إدلب، اندلعت شرارة حرب كبيرة في الشمال بين حركة "أحرار الشام" الإسلامية وتنظيم "جند الأقصى"، بعد اعتقال حركة أحرار الشام لعدد من عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" قاصدين الوصول الى أحد مقرات "جند الأقصى". هذا الاقتتال أدى إلى انهيارات كبيرة للفصائل على جبهة ريف حماة الشرقي وصوران بعد أن سحب "جند الأقصى" مقاتليه من جبهات ريف حماة لقتال "أحرار الشام" والفصائل التي أعلنت مؤازرتها له.
وفي حلب، أدت عمليات السلب التي قامت بها حركة "نور الدين الزنكي" وكتائب "أبو عمارة" وجبهة "فتح الشام" (النصرة) لمستودعات "تجمع فاستقم" في حلب المحاصرة، إلى انعدام الثقة بين رفاق السلاح المحاصرين شرقي حلب، واستمرت حالة انعدام الثقة مع اقتحام جبهة "فتح الشام" مقرات "فيلق الشام" و "جيش الإسلام".
 
درع الفرات
 
بعد فشل محاولة الانقلاب في تركيا، واتهامات مبطنة من أنقرة لواشنطن بضلوعها في محاولة الانقلاب، واتهام علني وصريح للداعية فتح الله غولن المقيم في ولاية بنسلفانيا وجماعته (الكيان الموازي) بالتخطيط للانقلاب، والشكوك التركية إزاء موقف واشنطن من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا ودعمها المستمر لـ"وحدات حماية الشعب". كل هذه التطورات أدت إلى استدارة تركية كبيرة في الموقف من روسيا، فبدأت أنقرة بتطبيع علاقتها مع موسكو، وأنشأت ثلاث لجان مشتركة، عسكرية وسياسية وأمنية، لبحث الوضع السوري.
وأطلقت تركيا نهاية شهر آب (أغسطس) عملية "درع الفرات" من أجل طرد التنظيمات الإرهابية في المنطقة الممتدة من جرابلس على الضفة الغربية لنهر الفرات وصولاً إلى بلدة اعزاز شرقا بطول 90 كم. وأعلنت الحكومة التركية عن رغبتها بقيام منطقة آمنة بعمق 50 كم.
وبدأت المعركة بدخول فصائل "درع الفرات" إلى مدينة جرابلس بدعم من المدرعات التركية على الأرض وتغطية جوية كبيرة من أنقرة، وأقل من طيران التحالف الدولي. واستطاعت قوات "الدرع" السيطرة على منطقة شمال نهر الساجور خلال أيام قليلة دون مقاومة كبيرة، لتجد نفسها أمام "قوات سوريا الديمقراطية" التي تقودها "وحدات حماية الشعب".
وشنت "درع الفرات" معركة باتجاه الراعي انطلاقاً من براغيدة ودوديان لتأمين الشريط الحدودي مع تركيا. وسيطرت على احتيملات ودابق واخترين وصوران، وحصرت تنظيم "الدولة الإسلامية" في منطقة الباب التي ما زالت تشهد أعتى المعارك بين الطرفين، تكبد الجيش التركي فيها خسائر كبيرة بالأرواح، وتبادل السيطرة مع التنظيم على جبل الشيخ عقيل ومشفى الباب غرب البلدة.
 
تدمر
 
تمكنت قوات النظام السوري مدعومة بآلاف المقاتلين من ميليشيا "صقور الصحراء" وجيش "الدفاع الوطني" من طرد تنظيم "الدولة الإسلامية" منتصف أيار (مايو) الماضي، بعد سيطرة "داعش" على البلدة الصحراوية دامت قرابة العام. إلا أن التنظيم شن هجوما واسعاً على محيط البلدة وسيطر على حقول النفط والغاز في حويسيس وجحار قبل أن يجبر قوات النظام وعناصر القاعدة الروسية فيها على الانسحاب غرباً إلى مطار الـتيفور. واستمرت المعارك في محيط المطار حيث سيطر مقاتلو التنظيم على كتيبتي الدفاع الجوي جنوب وغرب المطار، وقطع الطريق الواصل بين التيفور وبلدة القريتين الواقعة جنوب المطار. ويحاول مقاتلو التنظيم السيطرة على كتيبتي الدفاع الجوي الباقيتين شرق المطار وشماله واللذين يعتبران آخر نقطتي دفاع عن المطار من الجهتين الشرقية والشمالية.
ويقود المعركة من جهة التنظيم أبو طلحة العراقي، فيما استدعت وزارة الدفاع السوري العقيد سهيل حسن الملقب بـ"النمر" في محاولة لإبعاد التنظيم عن المطار الذي يعتبر أكبر وأهم قاعدة جوية في سوريا، والذي اتخذته روسيا كثاني مقر لعملياتها بعد مطار حميميم، وسقوطه إن حصل سيكون أكبر خسارة عسكرية لروسيا والنظام معاً.
 
هزيمة حلب
 
خسرت المعارضة مناطق سيطرتها في شرق حلب بعد عدة أشهر من سيطرة النظام على طريق الكاستيلو (الطريق الوحيد إلى شرق حلب). ووافقت فصائل المعارضة على الخروج من حلب الشرقية إلى ريف حلب الغربي في أكبر عملية تهجير قسري تطال عشرات الآلاف من المدنيين، في ظل صمت وعجز دوليين من منع مذبحة كانت على وشك الحدوث في حال رفضت فصائل المعارضة الخروج بعد انحسارها في ثلاثة أحياء فقط، وسط انهيار مفاجئ وغير مفهوم.
وتدخلت إيران لإعاقة الاتفاق من أجل فرض إجلاء من وصفتهم بـ"الحالات الإنسانية"، ووافقت المعارضة مكرهة على ربط "الإجلاء في حلب" بملف بلدتي كفريا والفوعة المحاصرتين منذ ربيع 2015، مقابل إخراج 1500 من جرحى ومرضى بلدة مضايا التي تعاني حصاراً خانقاً من ميليشيا "حزب الله".
داريا، بعد صمودها الأسطوري لمدة ثلاثة أعوام، قبل مقاتلوها الخروج مع عوائلهم إلى محافظة إدلب شمال سوريا مقابل تسليم سلاحهم. واستسلام داريا عجّل من عمليات المصالحات وخروج المقاتلين في المعضمية وقدسيا والتل ويلدا، ودخول قوات النظام إليها بعد حصار خانق لها وعدم مقدرتها على توسيع رقعة سيطرتها.
المؤشرات السياسية والعسكرية توحي أن وضع المعارضة السورية يسير من سيئ إلى أسوأ، خصوصاً بعد التفاهم الثلاثي، الروسي الإيراني التركي. ولا شك أن المعارضة العسكرية ستخضع إلى اختبارات مقبلة قد تهدد علاقاتها بأنقرة في حال رفضها مقترحات التسوية التي ترغب بها موسكو من خلال مؤتمر أستانة لحل الأزمة السورية.