الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سجن صيدنايا حلقة من حلقات جرائم السجون في سوريا

سجن صيدنايا حلقة من حلقات جرائم السجون في سوريا

18.02.2017
رياض معسعس


القدس العربي
الخميس 16/2/2017
لم يفاجئني خبر منظمة العفو الدولية حول جريمة النظام السوري بتصفية 13000 معارض شنقا حتى الموت في سجن صيدنايا الرهيب. ذلك أن هذا السلوك الهمجي الذي لا يمت للإنسانية بصلة، هو سمة هذا النظام منذ بداياته منذ هزيمة ما سمي بالنكسة عام 1967.
فمعاملة المعارضين لم تكن يوما في ظل هذا النظام القمعي- البعثي العسكري ـ الطائفي معاملة حقوقية ترتكز على اتهام مقابل دفاع في محكمة عادلة، القضاة فيها مستقلون لا موظفين تابعين للسلطة التنفيذية ويقعون تحت سطوتها وأوامرها، وإفسادها، فالسجون السورية باتت بالنسبة للنظام أفضل مكان للقضاء على المعارضين دون ضجيج، أو دون اللجوء إلى الاغتيالات السياسية، التي لا بد أن تثير حوله الشبهات والتحقيقات لدى منظمات حقوق الإنسان، كما حصل في كل الاغتيالات السياسية التي قام بها في لبنان، بدءا من كمال جنبلاط، وانتهاء بالرئيس رفيق الحريري، مرورا بكل الصحافيين والسياسيين، الذين كانوا يقفون شوكة في حلقه كالصحافي سمير قصير أو جبران تويني.
هذا النظام المخابراتي الذي وضع حجر الأساس فيه حافظ الأسد عام 1970 كان قائما منذ البداية على فرز الشعب السوري إلى من مع الأسد ومن ليس مع الأسد، ومن كان ضد الأسد فهو متهم بالخيانة العظمى والعمالة لإسرائيل، أو لأي جهة خارجية أخرى يمكن أن يلفقها أي ضابط صغير في المخابرات، بتهمة أنه ضد نظام الصمود والتصدي والممانعة ضد العدو الإسرائيلي، الذي تبين في ما بعد أنه كان الأكثر حرصا على أمن اسرائيل، وهو ما صرح به رامي مخلوف ابن خالة الرئيس في بداية الثورة السورية، بأن أمن اسرائيل هو من أمن سوريا. وباتت عملية الاعتقالات التعسفية التي في معظم الأحيان تعتمد على تقارير ملفقة من قبل مخبرين صغار يحاول واحدهم أن يظهر مهارته في العمالة، أو يريد الانتقام الشخصي من فرد ما تربطه به عداوة شخصية. فكم من الأشخاص دخلوا غياهب السجون بسبب صورة مع أحد الأشخاص المشتبه فيهم أمنيا من النظام، أو بسبب كلمة قالها في مقهى لم تعجب النظام ونقلها أحد العملاء. أما ما تعلق بالأحزاب المحظورة كالاخوان المسلمين، أو الاتحاد الاشتراكي، أو حزب الشعب الديمقراطي السوري، حزب العمل الشيوعي ومعظم الأحزاب الكردية، فإن العديد من أعضائها تعفنت أعضاؤهم في السجون السورية التي نبتت كالفطر في جميع انحاء سوريا. سجن المزة، سجن تدمر، سجن عدرا، سجن صيدنايا.. وسجون أخرى في كل مدينة، حتى قلعة دمشق حولت إلى سجن، هذا إذا ما استثنيت كل معتقلات المخابرات في الأقبية المخفية التي ذوبت فيها أجساد بالأسيد، أو مات فيها السجناء جوعا، أو تحت التعذيب المريع، وهذا ما أثبته "القيصر" المصور الذي هرب 55 ألف صورة لأحد عشر ألف قتيل تحت التعذيب كدست جثثهم في العراء، وحولوا إلى أرقام، ولم يعر المجتمع الدولي أي اهتمام بها وتعامى عنها.
إن مجزرة سجن صيدنايا، أو ما اصطلح على تسميته بالسجن الأحمر (تم طلاء السجن باللون الأحمر للتذكير بدماء القتلى فيه) سبقتها مجزرة سجن تدمر، التي قام بها حافظ الأسد على يد أخيه رفعت الأسد قائد ما سمي بسرايا الدفاع حينها قبل أن ينهب مليارات الدولارات من أموال الشعب السوري ويلجأ إلى فرنسا (واليوم يقوم ابنه فراس بنشر مذكراته عن جرائم العائلة، ويهدده أخوه دريد بالقتل اذا ما استمر بنشر هذه المذكرات). وقد كتب عن هذه المجزرة البشعة عدة كتب وروايات تتحدث عن الواقع الرهيب الذي عاشه السجناء فيه، منها على سبيل المثال لا الحصر، "القوقعة" للكاتب مصطفى خليفة الذي أمضى اثنتي عشرة سنة في سجن تدمر، دون تهمة محددة، بعد ان اعتقل في المطار بعد عودته من باريس، أو ياسين الحاج صالح في بالخلاص يا شباب، وسواهما. اليوم أظهر تقرير منظمة العفو الدولية بالشهادات والأدلة الدامغة، سياسة النظام القمعية التي ليس لها نظير في التاريخ. المسؤولية تقع اليوم على كل منظمات حقوق الانسان العربية منها والدولية، وكذلك كل الأنظمة والدول التي تحترم حقوق الانسان لإدانة هذا العمل الإجرامي، في بلد تحول خلال نصف قرن من حكم هذا النظام، إلى بلد مدمر، هجر ربع شعبه خارج الحدود، وقتل منه أكثر من نصف مليون شخص، وتجري فيه سياسة الترحيل القسري والتغيير السكاني على مرأى ومسمع العالم أجمع، لكن لا من سمع، ولا من رأى.. بانتظار فضائح أخرى في سجون أخرى.
كاتب سوري