الرئيسة \  واحة اللقاء  \  دلالات التدخل العسكري التركي في العراق بعد سوريا

دلالات التدخل العسكري التركي في العراق بعد سوريا

24.06.2018
محمد زاهد جول


القدس العربي
السبت 23/6/2018
بعد أن تم الإعلان عن التوصل إلى اتفاق بين تركيا وأمريكا حول منبج، بدأت التصريحات التركية تتوالى حول ضرورة تطهير جبال قنديل في العراق من التنظيمات الإرهابية، والمقصود من هذه التنظيمات بالدرجة الأولى هو تنظيم حزب العمال الكردستاني.
واللافت للنظر أن المسؤولين الأتراك يتحدثون عن تدخل عسكري كبير داخل الأراضي العراقية في جبال قنديل وسنجار وغيرها، وهذا يعني أن التحرك العسكري التركي في العراق لن يكون بعيداً عن التفاهم مع أمريكا قبل الحكومة العراقية والحكومة الإيرانية وحكومة إقليم شمال العراق أيضاً، فالمعتاد من التحركات العسكرية التركية خارج الحدود التركية أنها تأخذ الموافقة الدولية من الدول الكبرى المعنية أولاً، وأنها تأخذ بعين الاعتبار عدم الإخلال بوحدة الأراضي السياسية لتلك الدول ثانياً، كما جاء على لسان المسؤولين الأتراك، فالتدخل العسكري التركي في سوريا تم بالتوافق والتنسيق مع روسيا أولاً، وعدم الاصطدام مع التواجد الأمريكي ثانياً، كما أنه لم يهدف إلى المساهمة في تقسيم سوريا، من وجهة نظر تركية على أقل تقدير، وإن عملت دول أخرى مثل أمريكا على استثماره أو استغلاله لإحداث تغيرات سياسية وأمنية وعسكرية على مستقبل سوريا.
واللافت للنظر أيضاً، أنه مع تكرار التهديدات التركية للتدخل العسكري شمال العراق إلا أنه لم يصدر عن الحكومة العراقية ما يعارضها أو يندد بها، وهذا يؤكد أن البعد الأول وهو موافقة أمريكا على هذا التحرك العسكري التركي في العراق تم التفاهم عليه مع الحكومة العراقية أيضاً، والأهم من ذلك إنه يثبت موافقة الحكومة الإيرانية على ذلك، بدليل أن الفئات المحسوبة على إيران في العراق لم تندد بالعملية العسكرية التركية المرتقبة، كما لم يصدر عن إيران تصريحات منددة بالعملية العسكرية التركية في العراق، بل هناك تصريحات تركية تشير إلى توافق إيراني على التدخل العسكري التركي في شمال العراق أولاً، بل واستعداد إيران لتقديم مساندة للقوات التركية لإنجاز مهمتها بنجاح، وهو ما يشير إلى ان العملية العسكرية التركية في العراق ستكون ضربة سريعة وقاصمة وغير طويلة الأمد كما هو الحال في سوريا، بعد عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون، بل إن القوات التركية ستنفذ مهمتها في العراق بشكل سريع ثم تعود إلى بلادها بعد إنجاز مهمتها فورا.
إن تنفيذ تركيا لهذه العملية العسكرية في قنديل وضرب العناصر الإرهابية من مقاتلي حزب العمال الكردستاني، يعني أن هناك توافقاً دوليا بين تركيا وأمريكا وإيران على تحجيم المشروع الكردي السياسي والعسكري الانفصالي، سواء شمال سوريا أو شمال العراق، وهذا بالتأكيد مطلب تركي حازم، كما أنه مطلب إيراني حازم أيضاً، وكأن المشاريع الأمريكية لتقسيم سوريا والعراق خضعت للمعارضة الاقليمية برفض التقسيم، أو رفض إقامة كيان كردي انفصالي على أراضي سوريا أو العراق، وهذا خضوع أمريكي واضح لإصرار دول المنطقة على رفض ما قد تخطط له بعض دوائر الهيمنة الأمريكية أو الغربية أو الصهيونية، فالتقاء مواقف الدول الثلاث تركيا وإيران والعراق على رفض نتائح استفتاء إقليم شمال العراق، الذي وقع بتاريخ 25 سبتمبر 2017، واتخاذ إجراءات حاسمة ضده من الحكومات العراقية والتركية والايرانية، كان بمثابة قطع اليد الممتدة من الخارج أولاً، وقطع للأيدي الانفصالية الداخلية المتعاونة مع المشاريع الخارجية ثانياً.
وعليه يمكن القول بأن حلم الانفصال الكردي تلقى ضربة قاصمة على أيدي الحكومات الثلاث أولاً، وان امريكا اضطرت للتخلي عن هذه الأحزاب الانفصالية الكردية ثانياً، وربما تكون قد تخلت عن مشروع التقسيم كلياً، أو على المدى القريب على أقل تقدير، وهذا ما قد يفسر رغبة الرئيس الأمريكي ترامب سحب الجيش الأمريكي من سوريا، وإحضار قوات بديلة تتحمل مسؤولية المشاكل المتراكمة داخل سوريا والعراق، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الدعم العسكري الأمريكي للأحزاب الانفصالية الكردية كان مجرد استغلال لهذا الأحزاب الكردية لمحاربة تنظيم "داعش" في المرحلة الأولى، وأن وعود امريكا لهم، إما أنها ذهبت أدراج الرياح، لأن أمريكا فشلت في تحقيقها أو أن امريكا غلّبت مصالحها الأكبر مع الدول الثلاث تركيا وإيران العراق على مصالحها مع تنظيمات متهمة بالارهاب وعاجزة بنفسها عن تحقيق أهدافها، أو أن أمريكا لم تكن جادة فعلاً في تبني الأحلام الكردية الانفصالية، وبالتالي فإن هذه التنظيمات الكردية الانفصالية كانت ضحية المشاريع الأمريكية الوهمية، لأن أمريكا لا تملك تنفيذ مشاريع لها على أرض لها شعب وتحكمها دولة قوية، فكيف إذا كانت تلك المشاريع الوهمية على أراضي ثلاث دول أو أربع دول لها شعوبها وتحكمها حكومات قادرة على حماية أمنها القومي بالقوة العسكرية.
إن التدخل التركي في قنديل يؤكد أن الدول الثلاث تركيا وإيران والعراق، أدركت المخاطر الحقيقية المحدقة بأمنها القومي، وانها امام مشاكلها الثنائية لا تملك إلا أن تتحد لمنع إقامة كيان كردي انفصالي غريب، سواء في سوريا أو في العراق، وأن هذا الإصرار التركي والإيراني على مواجهة مخاطر الحركات الانفصالية في سوريا وفي العراق سوف يوفر عليها خوض حروب أهلية مفتعلة على أراضيها في المستقبل، وهذه نتيجة حتمية في ما لو تساهلت تركيا في منع إقامة كيانات انفصالية شمال سوريا أو شمال العراق، فهذه الدول تجد نفسها مضطرة الآن لخوض معاركها الاستباقية مع التنظيمات الإرهابية الانفصالية، حتى لو كانت على أراضي دولة أخرى لا تستطيع بنفسها محاربة التنظيمات الانفصالية، بسبب أوضاعها السياسية غير المستقرة، كما هو الحال في سوريا وفي العراق، فتركيا وهي تقاتل العناصر الانفصالية شمال سوريا أو شمال العراق إنما تقاتل بالنيابة عن الشعب السوري والشعب العراقي والشعب الإيراني، وليس الشعب التركي فقط، وهي لا تقاتل قومية أخرى وإنما تقاتل لمنع مشاريع استعمارية جديدة.
كاتب تركي