الرئيسة \  واحة اللقاء  \  درعا: المعارضة تطعن الثورة السورية في أصعـب ظروفها

درعا: المعارضة تطعن الثورة السورية في أصعـب ظروفها

09.07.2018
حسام محمد


القدس العربي
الاحد 8/7/2018
كانت درعا مهد الثورة السورية، ومنها انطلقت شرارة التغيير والمطالبة بإسقاط النظام، الذي لم يبخل على السوريين بأي صنف من حقائق القتل والتشريد والهمجية المشبعة بالطائفية وحب الانتقام، إلا إن الجنوب السوري اكتسب قلوب السوريين، فثارت لأجله كامل الجغرافيا.
بعد هذه الأعوام، لم يكن يدرك السوريون أن المعارضة التي من المفترض أنها تمثلهم، ستتواطأ مع من نكل وينكل بهم، بهدف اغتيال الحلم الذي كلفهم مئات الآلاف من أبنائهم، ليصبح نائب رئيس الهيئة العليا في المفاوضات، خالد المحاميد، صاحب الظل الطويل المدعوم إمارتيا وروسياً، رجل المرحلة في إجهاض ثورة الجنوب السوري، دفع التشكيلات العسكرية للتنازل وتقديم ما في حوزتها من قوة وفق معادلات غير متكافئة.
كما أن رئيس الهيئة العليا للمفاوضات نصر الحريري، واكب التصعيد العسكري على الجنوب، بإعلانه وقوف الهيئة التي يديرها على الحياد، مؤكدا عدم وجود أي مفاوضات مع روسيا أو غيرها حيال مستقبل درعا، وطالب «أصحاب الأرض» بتقرير مصيرهم.
ومن هنا بدأت حكاية الجنوب، الذي غيبته الدول لأشهر طويلة تحت مسمى اتفاق خفض التصعيد المبرم بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والأردن، أشهر العسل التي عاشها الجنوب، كانت فيها الغوطة تباد فتهجر، وكذلك حمص وسط البلاد، ومن قبلها غوطة دمشق الغربية، ليستيقظ الجنوب المغيب أو الغائب على الكابوس ذاته.
قال الناطق باسم غرفة العمليات المركزية في الجنوب، العميد إبراهيم الجباوي: الغرفة التي أسستها المعارضة مع بدء المفاوضات انتهت مهمتها، وأن الاتفاق الذي أبرم مع القوات الروسية، تم مع القسم الشرقي بالإضافة للمدينة في محافظة درعا، وفق بنود تسليم السلاح الثقيل والمتوسط، وانسحاب قوات النظام السوري من أربع مناطق شرق المحافظة.
الجباوي، أكد استمرار سيطرة المعارضة على المواقع المنتشرة فيها بالوقت الراهن، إلا إن المنطقة ستقسم لثلاثة قطاعات شرقي وأوسط وغربي، وأن الجيش السوري الحر، سيبقى يدير المناطق التي يسيطر عليها مؤقتاً، ريثما يتم استقدام الشرطة الروسية وتسلمها قيادة المناطق.
الاتفاق يقضي بسيطرة فصائل تابعة للجيش السوري الحر على مدن وبلدات غرب أوتستراد طريق «دمشق درعا» بينما يبسط النظام سيطرته على شرقها، كما سينسحب النظام وميليشياته من المناطق التي تقدم إليها غربي الأوتستراد، على أن تعقد جلسات تفاوضية جديدة.
ويأتي الاتفاق بين الجانبين بعد أن نفذ الطيران السوري والروسي مئات الضربات الجوية خلال اليومين الماضيين، حيث تحدث المرصد السوري لحقوق الإنسان عن تسجيل أكثر من 600 غارة، خلال الأسبوعين الأخيرين.
المنسق العام بين فصائل الثورة السورية عبد المنعم زين الدين، قال «لولا سلاح الثوار ما فاوضهم الروس أصلاً، لم يفاوض الروس بلدة إلا وجعلوا تسليم السلاح أول الشروط، وأساس البنود، كي يضمنوا استسلام الناس، فلا تتنازلوا عنه، واعتبروا بالبلدات التي سلبها العدو سلاحها ثم استباحها، يعتقل شبابها، ويهين شيوخها، وينتقم من أهلها، ويسرق منازلها».
 
الإدارة السيئة
 
العميد والخبير العسكري السوري أحمد رحال، قال: أي عمل بإدارة سيئة لا يمكن أن تكون نتائجه جيدة، فبعد عام 2013، تولت قيادات عسكرية وسياسية ملف الثورة السورية، إذ تم تحييد الخبرات السياسية والرتب العسكرية عن المكان المخصص لهم، واستبدالهم بشخصيات مدنية غير مؤهلة لإدارة ملف ضخم، وغالبيتهم، يحلمون بالثروة والمنصب أو ما شابه.
وعلى الجانب السياسي، قال رحال لـ «القدس العربي»: «من تربع على المناصب السياسية في الثورة، كان غالبيتهم يخدم أجندات السفارات والمطالب الخارجية، أكثر من عملهم خدمة لمصلحة وطنهم، فمن الطبيعي أن يكون الحصاد من هذا الزرع».
وهذا كله لا يعني أن الثورة قد انتهت، وأن من هزم هو المعارضة لا الثورة، بل الأخيرة أسست لمرحلة جديدة، ولا يمكن للمجتمع الدولي تجاوز القضية السورية، رغم خسارة الجغرافيا، وفشل الإدارتين السياسية والعسكرية في الثورة.
ويرى الباحث والسياسي السوري خليل المقداد، أن الدور الإقليمي، وخاصة بمحوره العربي، لعب دوراً وظيفياً ومحورياً في الوقت ذاته بالسقوط الكبير للمعارضة جنوب سوريا. وأن الإمارات العربية المتحدة، كان لها أثر كبير من خلال ذراعها خالد المحاميد، الذي يشغل منصب نائب رئيس الهيئة العليا للمفاوضات، بما حصل في درعا، وذلك من خلال سيطرته على العديد من الفصائل المدعومة مباشرة من الإمارات.
الضغوط العسكرية والسياسية، من قبل روسيا والنظام السوري، كان هدفها، وفق المقداد، الوصول لمعبر نصيب على الحدود السورية الأردنية، وكان الاتفاق الإقليمي الدولي يتمحور حول هذه النقطة، ولكن حدثت متغيرات دولية، مما جعل ردعا والجولان يدخلان في صفقة القرن، فتغيرت مع ذلك الآلية المتفق عليها.
وزاد قائلاً: المفاوضات السياسية بين المعارضة السورية والقوات الروسية، كانت مجرد منصة لتسليم المنطقة، وتقديم التنازلات، وما حدث كان «خيانة» ومسرحية كباقي المسرحيات، وهناك شرفاء رفضوا وقاتلوا وصمدوا، ولكننا أمام واقع بتحول الثورة إلى صراع جديد، لم تظهر ملامحه بعد.
ومن الأسباب وفق المقداد، الخلافات وتعدد منابع الدعم، بالإضافة إلى الإنقسامات العشائرية، والولاءات الخارجية، ويبقى هناك عامل، وهو عملية تسليم الأرض، وخاصة من قبل المسؤول عن تشكيل «شباب السنة» بعد تسليمه لمواقع دون اتفاق للقوات الروسية والنظام.
أما وجهة نظر الناشط السياسي السوري درويش خليفة، فتقول: عدم وجود قيادة مركزية للثورة بكل مفاصلها السياسية والعسكرية والخدمية جعل المناطق التي يسيطر عليها الثوار في حال فوضى، تضبطها في الأرياف العلاقات الأسرية والعشائرية، وفي المدن الحذر الشديد.
هذا التخبط، نتج عن تدخل المانحين بجميع توجهاتهم، في قرارات الفصائل والقوى السياسية الممثلة للثورة، وما شهدناه في حلب والغوطة الشرقية أكبر المناطق المحررة قبل تهجير سكانهم وفصائلهم، دليل على ما سبق.
واليوم ما يحصل في الجنوب وتدخل نائب رئيس هيئة المفاوضات خالد المحاميد ودعوته لعودة مؤسسات النظام وتحريضه قائد أحد الفصائل الذي يعتبر من أقاربه، دليل على عدم وجود استراتيجية وخطاب سياسي لدى هيئة المفاوضات، إذ إننا تارة نسمع رئيس الهيئة يناشد قادة الدول الإقليمية عبر تويتر وكأنه لا يملك وسائل تواصل رسميّة معهم! وتارة الائتلاف الذي يمثل الجناح السياسي للثورة يطالبون الدول بالتدخل وكأن دورهم ثانوي وغير معنيين بالقضية السورية.
الحالة الانفلاتية وعدم تحديد الأولويات وعدم ثبات الهيكل الهرمي للثورة أضر بالقضية السورية وجعلها بعيدة عن اهتمام الإعلام العالمي والإقليمي وهذا ما يدعونا للوقوف عند هذه المحطات ومعالجتها، حيث ان جدران الثورة في حالة تصدع وأبناءها سيبقون في العراء إن بقي الوضع على ما هو عليه.
مع الخسارة الكبيرة التي تلقتها الثورة السورية في الجنوب، تكون قد خرجت بشكل كامل من المنطقة، ما عدا بعض الجيوب التي ما زالت تنتشر فيها في القنيطرة، ليصبح بعدها ملف الشمال السوري، هو أكثر الملفات التي لا بد أن الأشهر المقبلة، سيكون محورها، ليبقى مصير السوريين فيه من عسكر ومدنيين مرتبطاً بما ستؤول إليه التوافقات الدولية.