الرئيسة \  واحة اللقاء  \  خلف الأسد… روسيا وإيران ليستا وحدهما!

خلف الأسد… روسيا وإيران ليستا وحدهما!

03.09.2015
د. مدى الفاتح



القدس العربي
الاربعاء 2/9/2015
مرة أخرى خلال الأسبوع الماضي أعلنت روسيا عبر عدد من مسؤوليها إنحيازها لنظام بشار الأسد مبددة بذلك كل الأوهام التي تم تداولها خلال أسابيع حول إمكانية تغير موقفها أو تخليها عن الرئيس السوري الذي ما تزال تعتبره شرعياً.
أنصار الموقف الروسي، وهم ليسوا قلة بالمناسبة، يعتبرون أن روسيا وإيران لا تدعمان الأسد بقدر ما تدعمان الدولة السورية وخيارات الشعب السوري الذي اختار رئيسه في انتخابات حرة وأن على من يطالب بتنحية الرئيس أن يعود إلى الشعب وينتظر كلمته.
هو كلام غريب، والأغرب أن تضطر لمناقشة شرعية انتخابات لم تشتمل لا على كل المناطق السورية ولا على كل السوريين الذين كان معظمهم إما مهجّرين أو مبعدين أو ممنوعين من حق العودة والانتخاب.
الرئيس السوري المعترف بشرعيته من قبل هؤلاء يتحدث عن "ملايين الإرهابيين السوريين" الذين لا يستحقون هم وذووهم الاستماع إلى ما يقولون أو التمتع بأي حقوق مواطنية باعتبارهم مجرد "خونة" و"عملاء".
طبعاً نحن هنا نتكلم عن ما تبقى من السوريين بعد أن مات منهم مئات الآلاف من "المدنيين الإرهابيين" بواسطة قنابل وطائرات تم استيرادها، للأسف، من أنظمة ودول لا تفكر سوى بمصلحتها المادية.
المفارقة هي أن روسيا التي لا تظهر حزنها على مقتل عشرات السوريين بشكل يومي، هي من تتحدث بحزم عن ضرورة احترام خيارات الشعب السياسية، فكأن حق الممارسة السياسية عندها أهم من الحق في الحياة.
البراميل المتفجرة التي لا يستخدمها سوى "الجيش النظامي" المدعوم من الشرق والغرب والتي تمثل أقصى درجات الاستهانة بحياة الإنسان ينكرها هؤلاء ببساطة، فيكون ما يزيد عن الثلاثة عشر ألف برميل متفجر سقطت منذ بداية هذا العام فقط على مناطق متفرقة مجرد تهيؤات أو فوتوشوب.
لكن معسكر "الأسد" يبدو وكأنه في عالم آخر وهو يحدثنا عن معركته ضد الإرهاب ويكرر اسطوانته التي يعلم قبل غيره أنها كاذبة والتي تقلب الحقائق وتصور جيش النظام في حالة دفاع عن النفس وعن السوريين ضد الأشرار القادمين من البعيد.
لكن قصص الخيال لا تنتهي بل تضاف إليها قصة ثانية عن تطوير العاصمة الذي يقضي بتهجير أهلها، من السنة، من أجل التوسعة والتحديث وقصة ثالثة تتعلق ببدء مشاريع إعادة الإعمار ورابعة عن السياحة..
كل ذلك في بلد لا يسيطر فيه النظام إلا على مساحة السدس وتتوزع أرضه بين المعارضة المسلحة المعتدلة والمتشددة وتنظيم الدولة.
على ذكر تنظيم الدولة يمكن التفكير بنظرية مجنونة منطقياً لكن مقبولة كمعادلة رياضية وهي، إذا كانت روسيا مستميتة في الدفاع عن حليفها الأسد وإذا كان تنظيم الدولة بأفعاله الإجرامية وتكفيره لغيره من المعارضين ومساعيه لإضعافهم يقدم أكبر خدمة للنظام، بل يمنح كل قسوته وعنفه شرعية من خلال تبريره لما يفعل على أساس أنها حرب ضد تنظيم لا يختلف المجتمع الدولي على إرهابه وإجرامه، إذا كان ذلك كذلك، فسنجد أن روسيا تقف في ذات معسكر تنظيم الدولة الذي يستميت في خلق الفوضى وتشتيت المعارضة وجرها إلى معارك في غير معترك، خاصة وهو يرى في المسلمين، "غير الحقيقيين"، عدوه الأول. هل يمكن أن يرقى ذلك الوقوف لدرجة الدعم؟ نظرياً قد يبدو ذلك مستبعداً خاصة مع عداء روسيا المعروف لكل التشكيلات الإسلامية التي دخلت وتدخل معها في صراعات مستمرة منذ عقود، لكن السياسة الدولية لا تعرف في أحيان كثيرة المنطق، ولعل الروس قد وقعوا في الفخ نفسه الذي وقع فيه غريمهم الأمريكي من قبل حين دعم القاعدة وقوّاها ليستفيد منها في الحرب على السوفييت.
هنالك مثل حديث على دعم تنظيم الدولة لأسباب سياسية وهو ما تابعناه خلال الأسابيع الماضية من اتهامات لمسؤولين عراقيين قصروا عن عمد في صد تمدد التنظيم مما جعل المئات منه يسيطرون على مدن وبلدات عراقية يفترض أنها كانت محصنة.
على كل حال لا يهم الآن البحث عن من يقف خلف هذا التنظيم الأسطوري فالأيام كفيلة بكشفه، ما يهم هو دعم روسيا المعلن للرئيس بشار الأسد وهنا نعود للسؤال الكبير: لماذا تستميت روسيا في الدفاع عن النظام السوري رغم تكاليف ذلك الكبيرة لدرجة التضحية بعلاقاتها العربية والغربية مقابل عدم تغيير موقفها؟
لقد تحملت روسيا أزمة أسعار النفط وتابعت تحديها للغرب من خلال قضية القرم ولم تخف علاقتها الوطيدة مع طهران ومع غيرها من الدول البعيدة عن الفلك الغربي. السؤال مرة أخرى: لماذا كل هذا..؟
إذا طرقنا محركات البحث فسنجد إجابات كثيرة وبكل اللغات تقريباً إذ شغل هذا السؤال جميع المهتمين والمتابعين. تنوعت التحليلات بين من يرى أن السبب قد يعود لقاعدة طرطوس البحرية والتي تمثل منفذاً استراتيجياً لروسيا أو من يرى أن السبب اقتصادي بحت ومرتبط باتفاقيات التسلح التي تربح منها روسيا مليارات أو من يرى أن الأمر يتعلق فقط بتطويق المجموعات الإسلامية التي لا تريد روسيا أن يكون لها موطىء قدم في هذه المنطقة لما يمكن أن تشكله لاحقاً من تهديد عبر تقوية ودعم المجموعات المتشددة داخل الجمهوريات ذات الغالبية المسلمة.
هدفي هنا ليس مناقشة أسباب الدعم الروسي للنظام السوري، بل مناقشة الفرضية التي تقول أنه لولا روسيا وإيران لسقط نظام الأسد منذ أمد.
رأيي أن فيما نقول ونعتقد تضليل كبير وتضخيم خاصة لدور روسيا التي ليست سوى مجرد دولة تبحث عن مصلحتها الوطنية التي رأت، ببساطة، أن موقفها الحالي يفيدها، وما تعلنه في هذا الإطار منسجم مع ذلك بوضوح.
السؤال الحقيقي الذي يطرح نفسه والذي يتهرب منه أولئك الذين يشغلوننا بقضية روسيا وإيران هو: لماذا لم يستطع ما يسمى بـ"المجتمع الدولي" لجم النظام السوري وتوقيفه كأحد أهم مهددات السلم والأمن في المنطقة، بل في العالم؟ الناتو الذي اعتبر أن واجبه الإنساني يحتم عليه التدخل في ليبيا وإنهاء حقبة القذافي الذي يقتل شعبه أعلن منذ أول أيام الثورة أنه لن يتدخل في سوريا لأن وضعها "مختلف"، والولايات المتحدة التي أنهت حكم صدام حسين دون استشارة أحد هي التي أعلنت منذ أول يوم أنها لن تفعل شيئاً بانفراد.
الولايات المتحدة وروسيا يتفقان على حماية الكيان الصهيوني الذي ساهما في ولادته وإذا كان الموقف الروسي الداعم للأسد واضحاً فإن الموقف الأمريكي والغربي بعامة هو الغامض خاصة حين يحاول تسويق روسيا كجزء من الحل أو كوسيط نزيه.
الحقيقة أن "المجتمع الدولي" الذي يتهم روسيا بدعم النظام القاتل في سوريا هو الذي سعى منذ البداية لتطويق المعارضة المسلحة وحصارها ومنع وصول السلاح إليها بحجج مختلفة، وهو الذي يقف عاجزاً اليوم عن منع الطائرات حاملة الموت من مواصلة تدميرها وقتلها للإنسان والمكان. حين نقول "المجتمع الدولي" فنحن نعني أيضاً الدول العربية التي تلقفت منذ البداية العبارة الأمريكية: "نريد أن ندعمكم بالسلاح ولكننا نخشى أن يصل إلى الأيدي الخطأ!".
للأسف فإن معظم الدول العربية كانت مشغولة بحرب الحركات الإسلامية السياسية أكثر من انشغالها بمصير الشعب الذي يقتل كل يوم وكانوا، مثل النظام تماماً، قلقين من صيحات التكبير ومن الأسماء التراثية التي كانت تسمي بها المعارضة نفسها فكانوا على الدوام، وما يزالون، بانتظار ولادة جيش معارضة جديد لا انتماء إسلاميا له حتى يدعموه بصدق!.
لكن الوضع الآن أسوأ، فدول المنطقة انتقلت اليوم من مرحلة حصار المعارضة ومنع السلاح عنها إلى مرحلة دعم جيش النظام المجرم بالسلاح والإعلام بالطريقة الفجة التي يمارسها بها أحد الأنظمة العربية "المعتدلة".
نغمة إلقاء اللوم على روسيا "الشريرة" التي فرضت رغبتها على العالم تذكرني بالنغمة التي سادت لسنوات والتي تباكت على إيران "الصفوية" التي سيطرت على العراق والشام. هذه النغمات، ومهما أجدنا العزف عليها بحزن، لن تمنع الأجيال المقبلة من طرح أسئلة مثل: لماذا لم يكن للعرب دور في مرحلة ما بعد صدام رغم أنهم كانوا شركاء داعمين لإسقاطه..؟
٭ كاتب سوداني