الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حلب: التهجير القسري في زمن العولمة

حلب: التهجير القسري في زمن العولمة

31.12.2016
ميسرة بكور


القدس العربي
الخميس 29/12/2016
ارجوكم جميعًا استيقظوا نحن لسنا في عام 1948 ولسنا في فلسطين من ارض الشام، نحن في حلب في عام 2016 ليست آلة الزمن نتابع عبرها فلمًا من أفلام الخيال العلمي الهوليوودي. ولسنا في رحلة بالذاكرة تعود بنا إلى مشاهد التغريبة الفلسطينية على أيادي عصابات الهاغانا الصهيونية، لا لسنا في حيفا الفلسطينية، إننا في حلب، بكامل وعيننا وحضورنا الذهني، نتابع على الهواء مباشرة التهجير القسري الواقع على أهلنا من أحياء حلب الشرقية، المشهد نفسه مع اختلاف بسيط الصورة اليوم بالألوان.
نحن اليوم وبكامل وعينا نوثق جرائم الروس وعصابات إيران بحق أهالي حلب والشعب السوري الثائر. في وقت لم يعد فيه الخبر الأول الذي يتصدر تقارير وكالات الأنباء ومحطات التلفزة، كم عدد من قتل اليوم في حلب ولم يتحدث الخبر التالي عن عدد المصابين في شرقي حلب.
الحديث كله يتركز على ما بات يحلو للبعض تسميته «إجلاء» أهالي احياء شرقي حلب. وهو الاسم المستعار الذي يتم به تزييف الحقائق والوقائع وتجميل القبيح «التهجير القسري» في زمن العولمة.
لا يلتبس عليكم الأمر ولا تطيلوا التفكير وامعان النظر لا داعي للدهشة والاستغراب قد تتشابه الأحداث لكن من ترونهم في الصورة اهل حلب، هذه أحياء صلاح الدين وهنانو وسيف الدولة والسكري والمشهد. إنها حلب. هؤلاء المهجرون أهل حلب سبقهم على درب الآلام هذا «التهجير القسري « أهالي داريا والقصير وبابا عمرو، ويبرود.
نعم الصورة واضحة من المصدر إنها صورة قاسم سليماني قائد فيلق القدس «الإيراني» يقف مزهوا منتفش الريش أمام قلعة حلب، جاء ليحتفل مع عصبته وقطعان مرتزقته بانتصاراتهم، ليس بتحرير القدس، بل على أشلاء حلب والصواب على حلب التاريخ والحضارة والإنسان.
لا لست مخطئا عزيزي القارئ الصورة ليست ملفقة ولا مفبركة ليست مندسة. أنه سليماني وأنها حلب، لم يُضع أو يخطئ الطريق إلى القدس. المجرم بكامل وعيه وحضوره الذهني، ببساطة هو وجد من أجل هذا الدور تدمير حلب، ولم يدر في مخيلته ذات يوم أو فكر مجرد تفكير أن يحرر القدس. لا تنغر بالأسماء «فيلق القدس « فكثير منا ليس له من أسمه نصيب.
قد يصاب أحدنا بشرخ في الذاكرة أو انفصام بالمشهد. لكن الصورة والصوت واضحان من المصدر إنها حلب. والقتلة هم القتلة أنفسهم «الهاغانا» ولو تغيرت الوجوه ولأسماء وطال الزمن. الفعل فعلهم والفكر فكرهم. في نيسان/ابريل من عام 1948 قامت عصابات الهاغانا بقتل وذبح وتشريد أهلنا بحيفا فلسطين وقامت بتوطين اليهود الصهاينة بدلا عنهم وحاولت عبثًا أن تغير ذاكرة جغرافيا المكان والتاريخ والإنسان واحلال أشخاص بدلا من اهل الدار في محاولة الغاء للفلسطينيين ليحل المستوطنون من كل بقاع وأجناس الأرض وقفارها. كان دور هاغانا الصهيونية في تلك الحقبة الزمنية إنشاء وتأسيس جيش للصهيونية يسيطرون به على فلسطين من ارض الشام.
أما الدور المناط بهاغانا «الفرس» اليوم تشكيل وتأسيس نواة الجيش الشيعي للسيطرة على بلاد العرب اوطاني. اليوم وفي شهر كانون أول /ديسمبر من عام 2016 تقوم هذه العصبة بعد أن بدلت أثمانها وغيرت مسمياتها بالمحاولة نفسها، إلغاء أهالي أحياء حلب الشرقية كما فعلت في يبرود وداريا والقصير.
لم يتغير شيء في النهج والتفكير فقط الأسماء تغيرت والافعال هي. هي مذ 1948 إلى 2016. لكن اليوم الملغى هم أهل حلب بل حلب بإنسانها وعمرانها وحاضرتها وماضيها ومستقبل ابنائها، وبقية من أهل سوريا. والإحلال البديل عنهم ميليشيات متعددة الجنسيات والثقافات يجمعها شيء واحد «ولاية الفقيه» الذي أمرهم فأطاعوه دون تفكير أو واعظ من ضمير كيف نفعل ذلك بأناس آخرين هم بشر مثلنا لهم عائلاتهم وذكرياتهم وأحلامهم سكنت معهم في أنفسهم وبيوتهم كبروا معًا وصارت جزءا اصيلًا منهم.
البديل اليوم لأهل حلب لم يعرفوها ولم يعيشوها، فلم يشهدوا ﻋﺒ اﻟ اﻟﻜاﺒﻲ» طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد». ولم يسمعوا قول أبو العلاء المعري:
حلب للوارد جنة عدن وهي للغادرين نار سعير.
وبكل تأكيد لم يقرأوا رسالة الغفران « يا شاكي النوب انهض طالبا حلبا. نهوض مضنى لحسم الداء ملتمس».
واخلع إذا حاذيتها ورعا كفعل موسى كليم الله في القدس.
لو أنهم قرأوا ما فهموا من هي حلب. لا الروم نالوا من حلب ولا ساسان العجم نالوا من حلب، ولم يستطع هولاكو المغول قهر حلب ولا اغريق اليونان ولا روم بيزنطة. جميعًا ذهبوا وبقيت حلب، وجميعًا ذاهبون وستظل حلب أم التاريخ وبوابة الحضارة ومعقل الأدب.
كل الخونة والمارقين المنفلتين من عقال الأخلاق والقيم الإنسانية الحالمين عبثًا التمرد على عبر التاريخ ودروسه، والمتراقصون على أشلاء أطفال حلب، أنتم جميعًا ذاهبون إلى غير رجعة كما سبقكم كثيرون عبر القرون من الغزاة الحاقدين جميعهم سقطوا ومازالت بالأمل والعزيمة بأهلها تحيا حلب.
أيها الغزاة أيها المجرمون القادمون من غياهب الجهل الغارقون بشعوبيتكم وأوهام ثاراتكم لن تهزموا حلب، اسحبوا أوغادكم من مدينتنا وانصرفوا.
 
كاتب وباحث سوري