الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حلب أسقطت أنظمة واليسار العربي ورجال دين!

حلب أسقطت أنظمة واليسار العربي ورجال دين!

29.12.2016
سوسن أبو حمدة


القدس العربي
الاربعاء 28/12/2016
يسدل الستار أو يكاد يسدل على مسرح حلب وهو يقطر دماً يصل إلى أقدام المحدقين الجالسين على كراسي العالم أجمع. مسرح ليس ككل المسارح، الجميع يتابع بعناية شديدة فنون قتل جديدة سيُطلقُ عليها فن "القتل اللعين". أهم قواعد هذا الفن الجديد هي كيف تقتل إنسانا وكيف تتفن بقتله وتعذيبه، وقد تتيح قواعد هذا الفن اللعين للضحية أن يختار طريقة القتل على قاعدة "كيف تريد أن تُقتل".
لا يزال المسرح يقطر دماَ والكل يتابع و يتنقل ببصره بين فنون القتل الجديدة على مسارح سوريا عموماً وحلب خصوصاً. نتابع بانبهار فن القصف اللعين، وبدهشة أكبر فن الحصار والتجويع، وبذهول فن التهجير والإذلال والتعذيب. أما الفن الألعن الذي تجاوز مسارح سوريا أن تختار أنت الموت وتلبَسهُ وتذهب به إلى البحر.
لا يزال المسرح يقطر دماً والكل يتابع الفن الجديد، في الصف الأول يجلس أولو القربى من قادة وشعوب عربية، ذليلة أبصارهم من خزيهم وصمتهم المفجع. قاعدة الرفض واضحة لا لبس فيها وقاعدة الرضا أيضا واضحة لا لبس فيها، فما دام الكل يتابع بصمت، فالكل إذا سيصفق لهذا الفن الجديد.
لكن مهلاً المسرحية لم تنته بعد ما دامت هناك على المسرح أُم مكلومة تجلس وسط أشلاء أطفالها، بكت حتى جفت دموعها حتماً ستُسقط الجميع بنظراتها الحارقة. فعلى مقاعد مسرح حلب تسقط أنظمة لم تهتز عروشها لمشاهد القتل الوحشي في حلب. وعلى مقاعد مسرح حلب تسقط الشعوب العربية التي لم تصرخ حد السماء من أجل أُم مكلومة. على مقاعد مسرح حلب يسقط اليسار العربي الذي أرهقنا بشعارات رفضِ الاستبداد لكنه صمت صمت الأموات وقرر الانحياز لحاكم يقتل شعبه. على مقاعد مسرح حلب يسقط كل من رفع شعاراً من أجل فلسطين ولم يرفعه من أجل المدنيين العزل في سوريا. على مقاعد مسرح حلب يسقط علماء الدين والأئمة والرهبان الذين لم يرفعوا تكبيرات المساجد ولم يدقوا أجراس الكنائس حزناً على حلب. على مقاعد مسرح حلب تنتصر الطائفية التي قسمت الشعوب العربية بين سنة وشيعه وجردتهم من إنسانيتهم وجعلت الكثير منهم يختبأ خلف طائفته لا يتجرأ عن إنتقاد قتل المدنيين إنحيازاً لطائفته.
لم يكن مطلوبا من كل هؤلاء الانحياز للمعارضة السورية أو الفصائل المتعددةِ الولاءات أو الجماعات المقاتلة على الأرض سميها ماشئت، ما كان مطلوبا هو الاحتجاج على قتل المدنيين بهذه الطريقة الوحشية مهما كانت الذريعة.
لايزال المسرح يقطر دماً والكل يتابع، في الصف الثاني على مقاعد مسرح حلب تجلس إيران منتشية تحتسي كأس دم أحمر يلطخ فمها وتتساقط منه أشلاء وجثث السوريين في حُجر عباءتها الدينية المغموسه بالدماء. تشرب وقادة ميليشياتها وأسدها نخب انتصار فنها اللعين الذي لا دين له، تشرب نخب نجاحها بتغير وجه المنطقة وقهر العرب في بغداد ودمشق وتثبيت أقدامها كقوة إقليمية نووية طائفية ستلعب مع الكبار فقط رغم أُنوف الجميع. لابد أن أولي القربى في الصف الأول من المسرح يأكلون أصابعهم ندماً على إباحتهم سقوط بغداد، الآن أدركوا فقط أن سقوط بغداد كان سقوطهم جميعا.
وفي الصف الثاني إلى جانب إيران تجلس إسرائيل تتابع باستمتاع فنون القتل الجديدة التي تفوقت على فنها. تراقب وتفرد قدميها بارتياح فالكل يحترق أمامها ويترحم على أيامها.
تركيا تزاحم إيران وإسرائيل على مقاعد الصف الثاني في مسرح حلب. قررت تركيا الصمت فجأة وقررت أن تكون الشاهد والمشهود على مجازر حلب. الصورة واضحة الآن تركيا أعادت حساباتها وأولوياتها واختارت ان تجعل أمنها خيارها الاستراتيجي مهما كان الثمن من المسرح الذي يقطر دما.
لايزال المسرح يقطر دماً والكل يتابع، في الصف الأخير على مقاعد مسرح حلب يجلس الكبار الذين يحركون صغار العالم حسب مصالحهم اللعينة . يتابعون بزهو نجاح فنون القتل الجديدة، الدب الروسي الأسود يتابع بنظرات إستعلاء خبيثة نجاحه رغم رهانات كثيرين على فشله. الأمريكيون يشاطرونه مقاعد الصف الأخير يشربون نخب مشروعهم بتغليب الفاشية الدينية في المنطقة التي بدأواها في العراق عندما سلموا السلطة لحكومة طائفية. ترى بماذا يفكر هذان الوحشان الآن بعدما غلبّوا بالدم فئةً على أخرى في المنطقة وبذروا الطائفية فيها وتلاعبوا بجغرافيتها وشردوا أهلها. أي مستقبل أسود يخططون لنا بينما تنعم بلدانهم بالأمان والاستقرار ؟ لماذا لم يختاروا لنا فن العيش الجميل كما في بلدانهم بدلاً من فن القتل اللعين.
إلى جانب هؤلاء الكبار يجلس في الصف الأخير أيضا "الأُمميون" حماة العدالة الإنسانية على هذا الكوكب.
على مقاعد مسرح حلب تسقط منظمومة الأمم المتحدة بكل مؤسساتها وتسقط معها كل الاتفاقيات الإنسانية التي وقعتها البشرية من أجل حقوق الإنسان، هذه المنظومة التي وقفت شاهدة عاجزة عن حماية الإنسان ، أسقطها الكبار على مسرح حلب وطوعوها لحساباتهم وجعلوا زعمائها ناطيقين بمنطقهم اللعين.
مهلاً المسرحية لم تنته بعد مادامت تلك الأم المكلومة على المسرح تحدق بالجميع، إنها تنهض غبراء شعثاء تلملم أشلاء أطفالها وتحفر قبراً تَطرق فيه غضبها وتدفن أطفالها. تنفض نفسها بقساوة وتلتقط قطعة قماش أحمر وتنزل أدراجها محدقة بالجميع … الكل يقف… تمضي وسط صمت مدقع أرعب الجميع وشتت نظراتهم، تضغط على قطعة القماش بيدها وترحل حاملة معها إرث الدم السوري الذي سال تحت أقدام هؤلاء… متوعدة أنها ستعود يوماً هي لا غيرها، هكذا يقول التاريخ.