الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تقديس الزعيم… تأبيد الاستبداد

تقديس الزعيم… تأبيد الاستبداد

24.06.2018
فراس سعد


القدس العربي
السبت 23/6/2018
تستخدم السلطة رجال الدين وفتاوى رجال الدين على السواء لتشريع اغتصابها وهيمنتها على كل شيء الدولة السلطة الأمن المال المجتمع الثقافة… حتى أنك تستشف موقف تقديس الهيمنة والاستبداد والاستغلال في بعض كلمات رجال الدين وأتباعهم الموالين لنظام ما… يعود هؤلاء إلى نصوص دينية وممارسات وفتاوى يستندون عليها في مشروع تديين أو أسلمة الحكم الاستبدادي أو تشريعه، انتهاء للوصل إلى مستوى من اللامعقول البشري بتقديس الظلم والطغيان والاستغلال.
أما تقديس زعيم حزب فتعني تقديس ما يصدر عنه كله بدون تمييز بين خير وشر، وصواب وخطأ. وهذا يعني تلقائيا أن أعضاء الحزب سيقدسون الأخطاء لأنها صادرة عن القائد الزعيم الأب من دون أن يعني هذا أن هذه الأخطـاء مقبولة عندهم لو ارتـكبها شـخص آخر.
فالخطأ خطأ والضلال ضلال لكن أن يصدر الخطأ أو الضلال عن الزعيم الأب فهو ليس خطأ وضلال لأن الزعيم لا يخطيء ويضل ولكن نفوسنا المدنسة وعقولنا المخلطة هي التي يتهيأ لها وتذهب بها الظنون.
إذن يقبل الأولاد، الرفاق، الشعب، أخطاء وضلالات زعيمهم على أنها هبات ومكرمات توضع على الراس والعين. هذا ما يعمل على ترويجه جهاز كامل من الكذبة والمخادعين والفصاميين الموظفين لدى النظام الاستبدادي يعملون في وزارات ومؤسسات وإدارات سحب خيرها وأفرغت من محتواها التنموي لتصبح وزارات ومؤسسات للدعاية وغسيل دماغ الشعب
الهدف الأسمى منها تأليه الزعيم الأب القائد المناضل
هل يدمر وطن لو مات رئيسه أو زعيمه الأوحد القائد البطل؟
يعتقد ملايين أن الجواب هو بالإيجاب نعم يموت الوطن رغم أن أحدا لن يملك تصورا للوطن بعد وفاة القائد الأب الزعيم بل إن أحدا لا يملك تصورا للوجود، بما فيه وجوده الشخصي، بعد وفاة الأب القائد.
بدأ هذا التصور عبر صنعة تأليه الحاكم ودمج صورته بصورة الوطن وانتقل من كونه راعيا للوطن والمواطن بل راعيا للوجود نفسه إلى أن أصبح هو الوطن وهو كل وجودنا.
نضجت هذه الطبخة النفسية السياسية في مطابخ الأحزاب الشيوعية ولاحقا في أروقة الأحزاب الفاشية.
هكذا يمكننا أن نكرر السؤال السابق ذاته بالنسبة لزعيم الحزب القائد الأب وللحزب نفسه باعتباره الوطن المصغر أو وريثا أو بديلا عن الوطن والمجتمع.
هل يموت الحزب لو مات زعيمه؟
لو حدث هذا فهو يعني أن الحزب هو حزب الزعيم وحده. ولو حدث العكس وهر أمر قليل، أي أن يحيا الحزب بمجرد موت الزعيم فهذا يعني أن الزعيم كان مطبقا على خناق الحزب وبمجرد موته استعاد الحزب تنفسه وأنفاسه.
لا أصدق أن هناك رفاقا في أي حزب عربي يمكن أن ينظروا إلى زعيم الحزب الحي وكانه إله. انتظروا قليلا فهو لم يمت بعد حتى ترفعوه إلى مصاف الآلهة الخالدة.
فمقولة الزعيم الأب تستدعي فكرة الرفاق المخصيين تلقائيا… ولا عبث أن يكون حزب معارض للنظام صورة باهتة عن النظام نفسه ليس من حيث محتواه السياسي أو مشابهة لممارسات النظام العنفية الإجرامية ولكن من حيث آلية تفكيره وأدائه وخلفياته الفكرية بل أحيانا في نظرته لأعضائه وللمجتمع الذي يعيش فيه.
فكرة الرجل الأول الزعيم القائد لا تخص الأنظمة القمعية الاستبدادية فقط بل تخص أيضا بعض الأحزاب المعارضة التي لكل واحد منها زعيم قائد.
ولقد أصبحت هذه الفكرة مفضلة بل محبوبة عند الجهة التي كنا نظن نحن كمواطنين في بلدان تحكمها ديكتاتوريات أنها معادية للديكتاتوريات وفكرة الزعيم الخالد.
كان الطرفان يتبادلان الاتهامات والتحريض على بعضهما البعض لكن مع الوقت صار كل منهما ضرورة للآخر وتشرنق الاثنان في حالة عضوية لا يمكن الفكاك منها.
هذه الجهة التي استمرأت بقاء الزعيم قائدا ورئيسا حتى الموت هي دول الاستعمار نفسها الغرب الديمقراطي أمريكا الحريات.
هذا الاكتشاف صحيح بالنسبة لعدد من شعوب افريقيا وآسيا بما فيها بلدان عربية وسوريا منهم بطبيعة الحال.
 
كاتب سوري