الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تداعيات مشروع الانسحاب الأمريكي من سوريا

تداعيات مشروع الانسحاب الأمريكي من سوريا

14.04.2018
رائد الحامد


القدس العربي
الخميس 12/4/2018
يعتقد الرئيس الأمريكي أن مهمة قوات بلاده في سوريا انتهت بانتهاء سيطرة تنظيم "الدولة" ‏على جميع المراكز الحضرية في العراق وسوريا، وانتقاله إلى حرب العصابات التي لا يعد ‏الطيران مجديا في التعامل معها، كما أن التواجد الأمريكي لنحو ألفي جندي من القوات ‏الخاصة ينفذون مهام قتالية محدودة، غير فعالة في الحرب على التنظيم. ‏
ويُنتظر أن يتخذ الرئيس الأمريكي قرارا سريعا لسحب قواته من سوريا، بعد إعلانه رغبة بلاده ‏بذلك، لكنه ليس قرارا فوريا، كما تشير تصريحات لمسؤولين أمريكيين وضعت ‏سقفا زمنيا يصل إلى ستة أشهر مقبلة، وتصريحات أخرى أشارت إلى أن البنتاغون الأمريكي ‏يرى المهمة العسكرية الأمريكية في سوريا لم تتغير، وأن العسكريين الأمريكيين باقون في هذا ‏البلد في الوقت الحاضر. ‏
وخلافا لرؤية الرئيس الأمريكي يرى قادة عسكريون، منهم مبعوث الرئيس الخاص إلى ‏التحالف الدولي للحرب على تنظيم "الدولة" الذي لا يزال يرى أن هناك ثمة ما يكفي من ‏موجبات البقاء في سوريا، طالما أن المهمة لم تنتهِ بعد، لكنه يعتقد انتهاء المهمة لاحقا. ‏
‏ ليس من شك بأن قرار الانسحاب الأمريكي وتراجع دور الولايات المتحدة في المنطقة، سيساهم ‏في فرض المزيد من الضغوط على الدول الحليفة والصديقة في المنطقة، التي تواجه تهديدي ‏تنظيم "الدولة" والنفوذ الإيراني في المنطقة، كما انه سيدعّم الدور الروسي في سوريا وعموم ‏المنطقة، نتيجة الفراغ "المفترض" أن تتركه الولايات المتحدة. ‏
سبق للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أن تبنى سياسة "التخلي" عن الحلفاء والانسحاب ‏التدريجي من ملفات المنطقة، بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، ويبدو أن ‏خلفه يتبنى سياسة مشابهة في التخلي عن الحلفاء والانسحاب أيضا من لعب دور في الملفات ‏الساخنة في المنطقة، ومنها الملف السوري، وفقا لرؤية دونالد ترامب بانتهاء مهمة ودور الولايات ‏المتحدة، بعد نهاية سيطرة تنظيم "الدولة" على مدن ومناطق ظلت خاضعة له حتى نهاية العام ‏الماضي 2017. ‏رأت الولايات المتحدة بعد أحداث يونيو 2014 أن التعويل على حلفاء تقليديين، مثل ‏قوات البيشمركه الكردية والأكراد السوريين أكثر جدوى من إعادة إنتاج الصحوات العشائرية ‏السنية لقتال تنظيم "الدولة". وقد رحب الأكراد في البلدين بالتحالف الجديد مع الولايات المتحدة، ‏في سياق تبادل المصالح، مع اعتقاد كردي بأن القتال إلى جانب الولايات المتحدة سيشجعها ‏على دعم المشروع السياسي في إقامة كيان كردي مستقل على الأقل في العراق. ‏لكنّ الولايات المتحدة تخلت بشكل صارخ عن البيشمركه الكردية وحكومة إقليم كردستان، في ‏أول مواجهة عسكرية مع القوات الأمنية العراقية والحشد الشعبي. ‏
وفي سوريا سيكون قرار الانسحاب الأمريكي "المنتظر" تخليا صريحا عن قوات سوريا ‏الديمقراطية، أهم حلفاء الولايات المتحدة في سوريا، الذين لعبوا دورا كبيرا في قتال تنظيم "الدولة"، ‏بدءا من معارك كوباني (عين العرب) وانتهاء بمعارك الرقة، عاصمة "دولة الخلافة"، وريف ‏دير الزور الذي لا يزال يشهد معارك بين تلك القوات ومن تبقى من مقاتلي التنظيم، الذين ‏يسيطرون على مناطق متفرقة في المحافظة على الحدود مع العراق. ‏ومع أن الولايات المتحدة لم تقدم ما يكفي من الدعم لفصائل المعارضة المسلحة الموصوفة بـ"الاعتدال"، لكن هذه الفصائل سوف تتعرض لمزيد من الضغوط الروسية والسورية، بعد رفع ‏‏"مظلة" الحماية الأمريكية عنها بقرار الانسحاب من سوريا، خاصة الفصائل المنتشرة على ‏الحدود مع الأردن وإسرائيل والعراق. ‏
قد يشجع قرار انسحاب أمريكا وتخليها عن الفصائل "المعتدلة" عناصر هذه الفصائل ‏على الالتحاق بالجماعات "المتطرفة" لاستمرار معارضة النظام وقتال قواته، وقد يؤدي إلى ‏إعادة إنتاج تنظيمات شبيهة بتنظيم "الدولة" وجبهة فتح الشام والفرع السوري لتنظيم "القاعدة". ‏
ستكون كل من روسيا وإيران، كقوتين اثنتين لا ثالثة لهما، مؤهلتين لملء فراغ أمريكي "مفترض" ‏حيث تتواجد القوات الأمريكية في معسكرات خاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية في ‏الشمال السوري، أو على الحدود مع العراق والأردن، بدون أن تكون لها مناطق سيطرة خاصة ‏بها وخاضعة لإدارتها. ‏لكن الانسحاب الأمريكي في حال تم تنفيذه سيعني الكثير لتركيا، التي يهمها أن تتخلى الولايات ‏المتحدة عن دعم القوات الكردية والانسحاب من المشهد السوري للقضاء على مشروع إقامة ‏كيان سياسي كردي "شبه مستقل"، أو خاضع لإدارة لامركزية في الشمال السوري، وفقا ‏لفرض الأمر الواقع، أو التسوية الأممية للحرب الأهلية في سوريا. ‏
ولا تبدو دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة غافلة عن تداعيات الانسحاب الأمريكي ‏‏"الكامل" من سوريا بما يعنيه تفكك التحالف الدولي بقيادتها وسحب نحو ألفي جندي أمريكي، ‏إذ أن قرارا كهذا سيعيد المنطقة إلى السنوات الأربع الأخيرة من إدارة باراك أوباما، التي سمحت ‏لتنظيم "الدولة" باستعادة قوته وقدراته التي تنامت ضمن معطيات السياسات الطائفية لرئيس ‏الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، والمعالجة الأمنية "القاسية" لنظام الرئيس السوري بشار ‏الأسد، واحتمالات عودة السكان المحليين للالتحاق بالتنظيمات "المتطرفة" كرد فعل على ‏ممارسات مماثلة لحكومتي بغداد ودمشق.‏
في حال نفذت الولايات المتحدة قرار الانسحاب من سوريا، فإن دورها في التسوية الأممية ‏للحرب الأهلية السورية في مرحلة ما بعد تنظيم "الدولة" سيكون دورا ضعيفا، حتى على مستوى ‏القوى الحليفة لها، التي ستتجرد من الكثير من أوراق الضغط لصالح روسيا وإيران والنظام. ‏
ويأتي "الإعلان" على النقيض من إرادة ورغبة بعض الدول الحليفة، مثل السعودية وإسرائيل، ‏اللتين تريان ضرورة أن تعمل الولايات المتحدة على كبح جماح النفوذ الإيراني المتنامي في ‏سوريا والمنطقة، الذي يشكل تهديدا مباشرا لهما. ‏وترى إيران وحلفاؤها في المنطقة أن الوجود الأمريكي في سوريا من أكبر التحديات التي تواجه ‏مشروعها في المنطقة، ويشكل تهديدا لمصالحها في سوريا والمنطقة أيضا. ‏سيجد الرئيس السوري في الانسحاب الأمريكي "المفترض" فرصة لإعادة بناء سلطته في ‏الدولة السورية، واستعادة ما تبقى من مناطق تسيطر عليها القوات الكردية، سواء بالقتال أو ‏بالاتفاقيات الثنائية بعد رفع "مظلة" الحماية الأمريكية عنهم. ‏كما أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيواجه ردود أفعال داخلية في الكونغرس ودوائر صنع ‏القرار، التي ستنظر إلى "الإعلان" بمثابة القضاء على "مكاسب" حققتها الولايات المتحدة في ‏حربها على تنظيم "الدولة" في العراق وسوريا، وسترى جماعات الضغط "المتعاطفة" أو الممولة ‏من دول حليفة أو صديقة للولايات المتحدة في المنطقة بأن "الإعلان" هو تكرار لخطأ سلفه ‏باراك أوباما الذي تراجع دوره في المنطقة، بعد سحب قوات بلاده من العراق نهاية عام ‏‏2011، وهو القرار الذي مهد لزيادة النفوذ الإيراني في العراق وتمدده إلى بلدان أخرى في ‏المنطقة، منها سوريا.‏
صحافي عراقي