الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بلغة نظام الأسد: إنه ترامب إلى الأبد!

بلغة نظام الأسد: إنه ترامب إلى الأبد!

29.01.2017
مالك التريكي


القدس العربي
السبت 28/1/2017
يتضمن الاستبداد نزوعا آليا إلى الحلول السريعة. إذ ليس لدى المستبد أو المتفرد بالسلطة الصبر والحلم اللازمان لتحمل بطء الإجراءات الديمقراطية، بما تستوجبه من مشاورات ومداولات طويلة ومحاولات متكررة للتوفيق بين المواقف أو للتوصل إلى أكثر القرارات معقولية ونجاعة. وليس التعجيل أو الاستعجال شرا بالضرورة في جميع الحالات. فقد كان من إيجابيات سرعة اتخاذ القرار وسرعة تنفيذه (أو بالأحرى إلزام المرؤوسين بسرعة تنفيذه تحت طائلة العقاب) أنها ساهمت في سرعة النهضة الاقتصادية في دكتاتوريات، مثل الاتحاد السوفييتي والصين الشعبية، كان على شعوبها أن تختصر الزمن تداركا لقرون من الفقر والتخلف.
ولهذا فما هو بمدعاة للاستغراب أن يعاجل مستأجر البيت الأبيض الجديد "أعداءه" من المهاجرين المكسيكيين والزوار المسلمين واللاجئين السوريين وكل من يعدّهم إرهابيين، وشركاءه من جمهوريي الكونغرس وأصحاب مصانع السيارات وشركات النفط بعاصفة من المراسيم التنفيذية منذ الأيام الأولى من بدء ولايته. فرجل الأعمال هذا مستبد بطبعه، ولا شك أنه سيمضي إلى الحد الأقصى في استخدام سلاح المرسوم التنفيذي وسيلة دستورية للالتفاف حول مسلسل الأخذ والرد في الكونغرس. صحيح أن من يعرف أن الدنيا جمّة الأحداث بالغة التقلبات لا ترسو على حال، وأن أسبوعا واحدا إنما هو دهر بأكمله في السياسة، حسب القول الشهير، لا بد أن يتعجب عندما يسمع أن من لقّبناه بأبي جهل الأمريكي قال قبل أيام "إننا سننجز أشياء عظيمة طوال السنوات الثماني المقبلة"، ثم كرر مؤكدا: "ثماني سنوات"! تعجب مفهوم بالطبع لأن الحديث عن ولاية ثانية، والأولى لم تكد تبدأ، يبدو في ظاهر الأمر سبحا في الخيال السياسي وسبقا للأوان حتى بمقاييس الخيال العلمي!
ولكن يمكن القول من الآن إن هذا غير مستبعد. ولعل المنظّر الاستراتيجي الأمريكي ادوارد لوتواك، الذي تلتمس لديه مختلف الحكومات والشركات الرأي والمشورة، هو الأقرب إلى فهم طبيعة السياسة الأمريكية في الأعوام الأربعة، وربما الثمانية، القادمة. حيث أنه لا يوافق المعلقين الذين يعتقدون أن ترامب لا يعتزم تنفيذ وعوده الانتخابية وأنه سيجنح إلى مواقف أكثر معقولية أثناء ممارسة الحكم. بل إنه يرى أن لدى ترامب ثلاث وسائل واقعية لإنجاز وعوده لناخبيه وضمان فوزه بولاية ثانية. إذ إن فكرته المركزية الأولى تتمثل في التعجيل ببعث مشاريع للبنى التحتية التي تمس الحاجة إليها (طرق سريعة، جسور، أنفاق، سدود…) بقيمة تتجاوز ألف مليار دولار. ولا بد هنا من التأكيد على صحة ما ذهب إليه الكاتب البريطاني أنثوني هلتون عندما قال إن أي زائر لأمريكا لا بد أن تصيبه الصدمة من شدة رداءة البنى التحتية في هذا البلد الغني: كثرة الحفر في الطرق، وتقادم سكك الحديد، وازدحام المطارات، وتهالك الجسور، الخ. وستؤدي هذه المشاريع لإنشاء ملايين من وظائف العمل في قطاعات الإنشاء والبناء. أما الإذن باستئناف التنقيب ومد أنابيب النفط فإنه سيؤدي إلى إحداث مئات الآلاف من وظائف العمل الإضافية.
الفكرة المركزية الثانية تتمثل في إلغاء ما يثقل قطاع الصناعة من قوانين وقيود يرى ادوارد لوتواك أنها تعرقل النشاط الاقتصادي وتضر بالشركات الكبرى والصغرى على حد سواء، حيث يقول إن معظم هذه القوانين والقيود تعكس أولويات الشرائح المحظوظة التي تعتبر أن تحسنا طفيفا في وضع البيئة هو أهم من آلاف وظائف العمل التي تضيع جراء ذلك. أما الفكرة الثالثة فتتمثل في أن على السياسة التجارية الأمريكية أن تسعى لإحداث أكبر عدد من وظائف العمل المحلية (التي يعتقد ترامب أن الملايين منها قد فقد بسبب اختلال الميزان التجاري مع الصين) بدل أن تكون مجرد "تعبير عن صدق الإيمان الديني بإله التبادل التجاري الحر".
المرجح أن بدء تنفيذ مشاريع البنية التحتية سيأخذ وقتا طويلا لأن للبيروقراطية الأمريكية أثقالها. ولكن البشرى للبشرية أن ترامب قد يفوز مجددا لأنه سيجعل من بدء "إنجاز" بعضها وقرب تنفيذ البقية أهم شعارات حملته في انتخابات 2020.
بلغة نظام آل الأسد: إنه ترامب إلى الأبد!.. ولا عزاء للعقلاء.
 
٭ كاتب تونسي