الرئيسة \  واحة اللقاء  \  انهيار الثقل التاريخي للعرب في بغداد ودمشق والقاهرة

انهيار الثقل التاريخي للعرب في بغداد ودمشق والقاهرة

13.12.2016
سوسن أبو حمدة


القدس العربي
الاثنين 12/12/2016
تحول تاريخي خطير يشهده العالم العربي بانهيار مركز ثقله السياسي والجغرافي المتمثل في بغداد ودمشق والقاهرة، هذه العواصم الثلاث التي لطالما شكلت المركز الاستراتيجي للعالم العربي تاريخيا وجغرافيا.
اليوم وفي مشهد تراجيدي حزين لم نتوقعه يوما باتت هده البقعة الجغرافية بحضارتها وعراقتها وإرثها التاريخي تفقد هيبتها وتتهاوى بعد أن أصيبت في جمجمتها العراق وإخترقت الرصاصة صدرها في سوريا وكسرت أقدامها في مصر رجل العرب المريض.
هذا الفراغ الدي تركته الدول المركزية الثلاث شكل فرصة ذهبية للدول الخليجية التي كانت تحلم بأن تكون مركز الثقل السياسي والاستراتيجي للعالم العربي، فكيف تصرفت الدول الخليجية مع هذا الفراغ الذي كان يفترض أن ينتقل من بلاد النهر إلى بلاد النفط.
النمط السلوكي للدول الخليجية يوضح أنها سعت لملء الفراغ الذي تركته القوى التقليدية بغداد ودمشق والقاهرة، فسعت للبروز سياسيا وعسكريا وإعلاميا بقوة لم تظهر بها من قبل وقررت التدخل في الصراع الدائر ولكن تحت رايات مختلفة وليس راية موحدة.
كنا نتأمل أن تتلقف الدول الخليجة الراية من بغداد ودمشق والقاهرة وتتولى القيادة لكن هذا لم يحدث. فلم نشهد مشروعا عربيا خليجيا موحدا يرتقي لحجم الكارثة، فالخليج لم يتوحد إزاء الصراع في سوريا أوالعراق أو اليمن أو ليبيا أو حتى مصر بل وصل بهم الأمر أن يتناحروا عبر الجماعات التي تقاتل على الأرض. فأي بؤس أصابتنا به بعض هذه الدول ونحن في أشد الحاجة إليها.
إذا عواصم العرب التاريخية تسقط ويسقط العرب معها، يتفككون وينتحرون على أبوابها. العراق العظيم أصبح محمية أمريكية بوصاية إيراينة وسوريا العربية محمية روسية والفرس فيها يقاتلون، أما قاهرة المعز فحالها يبكي القلوب، الجياع في كل مكان يصرخون.
وعلى الضفة الأخرى من العالم العربي حيث المال والنفط خليج يفقد هيبته وثقله ويُستنزف ويُضرب في الخاصرة من حلفائه المخلصين.
أما المغرب العربي قاعدة العرب في شمال إفريقيا فدوله تتناحر سياسيا وتتباعد استراتيجيا في أهدافها وأحلامها. ليبيا الاستعمار يعود إليها بثوب مخيف وأشد وقاحة، فالكل يشحذ سكاكينه ليأكل من ذبيحة يقطر منها دماء الليبيبن. والمغرب والجزائر لايزالان يخوضان صراعا على الحدود وتونس تقاوم محاولات إجهـاضها وموريـتانيا غـائبة عن المشهـد.
لا نبالغ إذا قلنا إن الهوية العربية تصارع بقاء الوجود في عقر دارها بغداد ودمشق ولكن دون راية تقودها. القُطرية التي تتصرف بها ما تبقى من دول عربية وغياب مشروع عربي موحد عبّد الطريق أمام إيران للانقضاض على بغداد ودمشق واليمن وبات العرب يفقدون هويتهم على أرضهم لا بل وتحولوا لأفواج على إمتداد البصر تطرد من هنا وهناك.
تَخفُتُ شموع القاهرة وتطفأ شموع بغداد ودمشق وكأنها لم تكن، فما أصعبه من قول وكأنه العلقم في الحلق يحتبس الدمع في العين. شئنا أم أبينا فإن الثقل السياسي والجغرافي والثقافي للعالم العربي يغادر بلاد الماء مكرها لا طواعية.. لكن السؤال المهم إلى أين يتجه؟ ومن سيتلقفه في ظل هذا التشرذم العربي؟
ثم هل يمكن لأي عاصمة عربية أن تكون بديلا عن القاهرة وبغداد ودمشق حيث يرقد الملوك والقادة والعلماء والصحابة والرسل والفقهاء والشعراء ممن صنعوا التاريخ من العصور القديمة وحتى العصر الاسلامي.
.وهل يمكن لأرواح هؤلاء العظماء أن تغادر قبورها إلى مكان آخر، وكيف يمكن لبدر شاكر السياب والمتنبي وأبو نواس أن يحلقوا بأرواحهم بعيدا عن سماء بغداد ودمشق. تاريخهم وشعرهم وأدبهم يقول إن أرواحهم ستبقى تحوم حول مدافنها حارسة لعروبة أجسادها، لن تغادرها وإن زلزلت الأرض زلزالا.