الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الفعل الثقافي والثورة السورية

الفعل الثقافي والثورة السورية

24.12.2016
رغدة حسن


القدس العربي
22/12/2016
وهل تمكن المثقف السوري في زمن الثورة من ملء الفراغ السياسي الناتج عن استحكام الأسدين الأب والابن في البلاد؟
لقد حاول المثقف أن يمارس السياسة وكأنها فعل إبداعي، لا يستند على الأسس والخبرات الواجب امتلاكها لدخول هذا العالم ومن ثم الانتماء لنظامه الماكر، فقد عمل نظام الاستبداد على وأد الحياة السياسية في سوريا، ومنع أي نشاط سياسي غير محكوم لقوانينه، ومضبوط بإيقاع سلطته المطلقة، ما دفع بمثقفها القادم من الأحزاب المعارِضة "القليلة"، التي قٌمعت بوحشية، واعتٌقل أغلب ناشطيها لسنوات طويلة في سجون الاستبداد، لقيادة الحالة الثورية سياسيًا، معتمدًا على مقولات كان مؤمنًا بها، أهمها مقولة ابن خلدون الشهيرة:
السياسة هي صناعة الخير العام … !!!!
واستنادًا على هذه النوايا الحسنة، تقدم المثقف صفوف الثورة، وقَبِل أن يقوم بدور السياسي، لكن محاولاته جاءت كأنها قفز في المجهول، دون استشراف للقادم، عارٍ تمامًا أمام صنّاع السياسة المحنكين، ودون خبرات وأدوات احترافية تمكنّه من ولوج هذه الساحات، ليعرف كيف يوائم بين إرادته في النجاة بالبلاد من رحى الحرب والموت، وخباثة دهاليز السياسة وأدواتها، الفشل الذريع كان حليفًا له، غرق في مستنقع التفاصيل؛ حتى أن البعض منهم شوهته لوثة الحالة القيادية،
وتجاهل -فيما بعد-ما جاء لأجله، متذرعًا بصعوبات واهية لا تٌقنع طفلًا لم يٌفطم بعد بقلة حيلته على تأمين حليب غير فاسد يحميه من الموت جوعًا.
حدث هذا البون الشاسع بين الثورة وتمثيلها السياسي، وتعمّق التباين الهائل بين صوت الثوار، وصوت المعارضة، لتظهر مشكلة أخرى تضيف تعقيدًا على التعقيدات الكثيرة التي تتطلب حلًا سريعًا لوقف سيل الدم السوري.
بين كل هذا وذاك، يقف السوري في حلبة الواقع المتسارع، الشائك بجبهاته المفتوحة، بين جحيم الحرب المتعددة الأطراف والأذرع، ومفاجآت الحدث السياسي الصادم والمعاكس للتوقعات.
صعود ترامب وإشكالات خطابه الهستيري، التي تصيب قلوب السوريين بالقلق والخوف.
اعتبار وصول ميشيل عون لكرسي الرئاسة -في بعبدا -نجاحًا بالنسبة لإيران، يرافقه استعراضات وتدخلات "حزب الله" في سوريا.
الهجوم (الروسي –الأسدي –الإيراني) الذي يشن حملات الموت المستمرة، على المناطق وخصوصًا حلب الآن، ليس بهدف قتل المدنيين فقط، بل لتغيير ملامح الواقع واستنبات واقع جديد، تتطلب وجوده الحاجة اللحظية، لتتغير بذلك ذاكرة وإرث ومنظومة فكرية كاملة.
استقواء اليمين المتطرف في أوروبا، واعتبار وصول ترامب للبيت الأبيض بارقة نصر، وما ستؤول إليه المآلات بعد ذلك، وما نراه من تصريحات لزعماء اليمين، فقد اعتبرت مارين لوبين نفسها منذ لحظة فوز ترامب، رئيسة شرعية لفرنسا.
هذا غير تصريحات فرانسوا فيون المرشح الديغولي الذي أعلن أكثر من مرة عن ضرورة إعادة فتح السفارة الفرنسية في دمشق، وبأن بقاء الأسد ضروري لحماية المسيحيين.
حصار حلب، ومعركة الضغط على المعارضة لإخلاء المدينة، وما سيعود من خسارات ستدفعها المعارضة إذا سقطت حلب، بالمقابل سيوفر للأسد الفرصة لاحتلال مناطق أخرى محررة.
تراجع الدعم الإقليمي للمعارضة السورية، واحتمالات كبيرة بسحب الدعم الأمريكي.
الانفجار العنصري المحتمل في كل لحظة في أوروبا، والذي سيحصد نصيبه الأكبر السوريون، الذين باتوا مصدر خطر حقيقي بالنسبة للأوروبي، والشمّاعة الأولى التي ستنهال عليها لعنات الغرب وتعلّق على كاهلها أسباب خطر الإرهاب وفقدان حالة الأمان التي كانت تنعم بها بلادهم.
والسوري بين كل ما يحدث، مكشوف الظهر، لا درع ولا أسلحة تحميه من لعنات هذا العالم التي تقع عليه عبر الجو والبر والبحر والشتات، ليتحول بذلك إلى دريئة لأهدافهم، ونوبات جنون هذا العالم المتعاظمة.
لكن إذا استحضرنا الذاكرة، واسترجعنا المشهد منذ 6 سنوات، لنحاول أن نعرف سبب الخلل والفوضى العارمة التي تنعكس أيضًا على طريقة تفكير السوري، الذي لا ينفك يعبّر عن حالته بأنه يعيش في متاهة دائمة ولا يعرف سبلا للحل، على المستوى الشخصي المرتبط بالضرورة بالوضع العام، ندرك أن أحد أهم أسباب المشكلة تكمن فيمن تبرع لقيادة الدفة.
فماكينة الأسد الإعلامية تعمل بدهاء تطرب له إرادات العالم، إذ استطاع أن يصدّر صورته على اعتباره المقاتل الشرس ضد الإرهاب.
بينما إعلام المعارضة مشغول بنزاعات وبيانات تجامل جهة مانحة هنا، وتغازل حكومة داعمة هناك، لا تلفت نظر أحد.
لتُختصر الصورة السورية بمشهد آكلي قلوب البشر، قاطعي الرؤوس، ومنبع التطرف الإسلامي.
هذه المحاولات كانت منذ البدايات، فقد تمكن إعلام الأسد من تحويل أنظار العالم لشعارات الثوار كدليل على أسلمة الثورة، رافق ذلك عمله الحثيث على شد العصب الطائفي، لتتحول بذلك ثورة الحرية والكرامة إلى حرب أهلية، مستغلًا كل حادثة، وكل خطأ وقعت في مطبه الثورة، مبالغًا في تصويره ونشره على كل الساحات الإعلامية، محاولًا بذلك تشويه صورة الثوار، لتنجر وراءه عقول نيئة تحمل ذاكرة ضحلة، ليصبح بطل الممانعة والمقاومة، وحامي الأقليات والعيش المشترك، والبطل الخرافي لمحاربة التطرف.
لكن هل يتذكر الذين وقفوا ضد الثورة السورية، لسبب عبقري جدًا، ألا وهو هتاف الثوار في المظاهرات –الله سوريا حرية وبس-أنه الشعار نفسه الذي ثقب به هتّافو بشار طبقة الأوزون مسببين هذا التلوث البيئي الخطير – الله سوريا بشار وبس-
ليس ذنب السوريين أن جحافل الموالين قد أدغموا بشارهم بالمطلق، ووضعوه -ومن قبله والده -في مكانة العليين والقديسين وغالبًا الآلهة.
وليس ذنب الثوار والشعب السوري، أن قطيع بشار، ذاكرته تعمل على هوى الحالة المصلحية، تتلف ما تريد، وتستذكر ما يفيد.
الأمر ليس متوقفًا على السوريين الموالين للأسد، لكن يبدو أن العالم كله فقد الذاكرة، واختصرت أسباب ما يحدث في سوريا بداعش والتطرف الديني والإرهاب المزعوم.
كل ما يحدث ليس إلا مراغمة للحق، ومصادرة للحقيقة، وما تحتاجه الثورة قيادة سياسية تعمل على استعادة البلاد، وتؤسس لسوريا -وطنًا لجميع السوريين.
 
كاتبة سورية تقيم في باريس