الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الصهيونية المعاصرة لا تقرأ فرويد!

الصهيونية المعاصرة لا تقرأ فرويد!

30.07.2018
صبحي حديدي


القدس العربي
الاحد 29/7/2018
في التعليق على "القانون القاعدي"، أو دستور الأمر الواقع كما صوّت عليه مؤخراً كنيست دولة الاحتلال الإسرائيلي، كان دانييل بيرنبويم، الموسيقيّ وقائد الأوركسترا العالمي الشهير (واليهودي الديانة، الذي يحمل الجنسيات الأرجنتينية والإسبانية والإسرائيلية والفلسطينية) قد وجد فائدة في اقتباس "إعلان استقلال" دولة الاحتلال، لعام 1948؛ معتبراً أنه الدستور الفعلي، وكذلك "مصدر إلهام للإيمان بالمُثُل التي حوّلتنا من يهود إلى إسرائيليين".
الفقرة التي تغنى بها بيرنبويم تسير هكذا: "دولة إسرائيل سوف تكرّس ذاتها لتنمية هذا البلد لصالح جميع شعبه؛ وسوف تتأسس على مبادئ الحرية، والعدالة والسلام، مهتدية برؤى أنبياء إسرائيل؛ وستمنح حقوقاً اجتماعية وسياسية كاملة متساوية لكلّ مواطنيه بغض النظر عن اختلافات الإيمان الديني، أو العرق أو الجنس؛ وستضمن حرية الدين، والضمير، واللغة، والتربية والثقافة". ولأنّ كامل فقرات "القانون القاعدي" الجديد تناقض روحية هذا النصّ، بل هي "شكل واضح جداً من الأبارتيد"؛ فقد أعلن بيرنبويم، على صفحات "هآرتز": "أشعر بالعار لأنني أحمل الجنسية الإسرائيلية".
وقبل قرابة 80 سنة كان سيغموند فرويد قد رفض مشروع دولة يهودية في فلسطين، مقابل حماس فولف ساكس (المحلل النفسي الليتواني اليهودي، و"الاشتراكي الصهيوني")، الذي لم يكتفِ بالجذور التوراتية لحلم الدولة، أو فانتازيا اختلاقها على وجه التحديد؛ بل اعتبرها وسيلة علاج نفسي، تتيح ربط اضطهاد الزنجي الأمريكي باضطهاد اليهودي (كتابه "هاملت الأسود"، 1937، شهير في هذا المقام). رأي فرويد، ضمن اعتبارات أخرى ليست أقلّ تعقيداً، نهض على استحالة إقامة المشروع اليهودي الصهيوني في محيط مثقل بالرموز الإسلامية والمسيحية، وكتب صراحة" "كان الأصحّ في نظري تأسيس وطن يهودي في أرض تحمل قدراً أقلّ من أثقال التاريخ".
والحال أنّ ما أقدم عليه تحالف بنيامين نتنياهو بصدد قانون قومية "الدولة الأمّة"، وديانتها ولغتها، وإعلاء مكانتها على كلّ جماعة دينية أو لسانية أو سياسية أخرى، على نحو يكرّس مستويات الدرجة الثانية أو الثالثة ربما في سلّم الوجود داخل "الدولة"؛ لا يعود القهقرى إلى ما قبل 1948 و1930 وبدايات التفكير الصهيوني حول الشخصية اليهودية للدولة، فحسب؛ بل يباشر سيرورة اقتلاع ذلك "الحلم"، الزائف أصلاً والمختلَق عكس التاريخ، الذي صدّره "الآباء المؤسسون" إلى اليهود في أربع رياح الأرض، على هيئة "دولة ـ فانتازيا" حسب تعبير مفكرة يهودية أخرى شهيرة تدعى جاكلين روز.
وليس مثيراً للعجب، بل أدعى إلى ضحك الفلسطيني ابن الـ48 تحديداً، أن يكتشف رئيس هذه "الدولة"، رؤوفين ريفلين، أنّ القانون قد "يُوظّف ضدّ الشعب اليهودي في جميع أنحاء العالم"؛ وكأنّ نظام التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا لم يُقبر لأسباب كهذه، جوهرياً. أو أن يتنبه وزير التربية نفتالي بينيت، أحد أبرز الصقور في ائتلاف نتنياهو وأحد صنّاع القانون الرجيم، أنّ إطار قومية الدولة كما يحدده دستور الأمر الواقع "يُلحق الاذى الشديد بأخوتنا في الدم، ممّن قاتلوا معنا كتفاً إلى كتف"، أي أبناء الطائفة الدرزية، في سلك الجيش والشرطة تحديداً. الأدهى، بين ريفلين وبينيت، أن يصحو نتنياهو نفسه على الفكرة بعد السكرة، فيدرك أنّ شعبوية اعتبار الاستيطان "قيمة قومية" قد تلتهم نصف أضاليلها حقائق انقلاب "دروز الدولة" إلى شعب أدنى مرتبة وحقوقاً.
ومن المعروف أنّ أشهر توصيفات هذه "الدولة" في الثقافة السياسية الغربية هو كونها "واحة الديمقراطية" في بيداء الشرق الأوسط، وأقدم تسمياتها أنها "أرض الميعاد". فما الذي يتبقى من التوصيف والتسمية بعد أن تكفل تحالف نتنياهو بجلب العار على بيرنبويم، أو إقلاق عظام فرويد، وربما (كما سيقول لك صهيوني "يساري" مصاب باكتئاب الحاضر، قياساً على نوستالجيا الماضي): تحريف أفكار فلاسفة ومؤرّخين وكتّاب من طراز مارتن بوبر، يشعياهو ليبوفيتش، توم سيغيف، إيلان بابيه، دافيد غروسمان، عاموس عوز…؟