الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الثورة السورية بين إفراط أعدائها وتفريط أدعيائها!

الثورة السورية بين إفراط أعدائها وتفريط أدعيائها!

21.02.2017
الطاهر إبراهيم


القدس العربي
الاثنين 20/2/2017
يوم ثار عشرات السوريين في سوق الحريقة في مدينة دمشق في بداية عام 2011 مستنكرين إقدام ضابط شرطة على إهانة مواطن دمشقي هتفوا بصوت واحد "سوريا ما بتنذل". أسرعت قيادة الشرطة إلى تطويق هذا الشغب من هذه المجموعة الصغيرة الذي ما عهدته دمشق صغيرا كان أم كبيرا منذ أكثر من 40 عاما. تلفت هؤلاء بعد أن انصرفوا زرافات ووحدانا يتساءلون بينهم وبين أنفسهم: هل يمكن أن يحصل في دمشق وفي سوريا كلها ما حصل في تونس بعد إحراق محمد البوعزيزي نفسه وكان في تونس ما كان؟
خلال أشهر عدة انفجر البركان الصاخب ليس في دمشق وحدها بل في سوريا كلها، وتدفق الشباب إلى الشوارع في عرس انفعالي ليتحول بعدها إلى ثورة انفعالية كادت تأتي على سوريا فتأكل الأخضر واليابس.
ركبت الحماقة بشار الأسد، وظن أن نيرون ليس وحده من يستطيع إحراق روما بل ركبه الغرور لحماقة في نفسه وبتحريض من إيران التي أراد خامنئي أن يعيدها صفوية كسروية في بغداد ودمشق وبيروت لينطلق بعدها وربما قبلها إلى مكة فيخطب على منـبر المسـجد الحـرام.
تم تدمير مدن وقرى سوريا الواحدة بعد الأخرى. انسحبت حمص من المعركة بعدما أثخنتها الجراح ودمرت شوارعها ودمر عناصر الضاحية الجنوبية في بيروت مئذنة البطل الأسطوري خالد بن الوليد رضي الله عنه. تتابعت المدن والبلدات السورية في السقوط بعد أن صنعت لنفسها في التاريخ مجدا ما سبقتها إليه أي مدينة في العالم كما حصل مع داريا التي صمدت في وجه تتار الحزب اللاهي. وجاء دور حلب لينسحب أهلها من أحيائها بعد أن لم يعد هناك أحياء، وكسر العمود الفقري لمدينة حلب التي نافست التاريخ بقدمها ونفاستها.
لكن ماذا فعل السوريون بأنفسهم لبلدهم وفي بلدهم؟ عذرا إذا قسوت في كلامي، فقد قال الشاعر: (قسا ليزدجروا ومن يك حازما فليقس أحيانا إذا ما يرحم). فبدلا من أن تكون اسطنبول بلدا يعبئ منها السوريون الكتائب ويزجونها في الداخل السوري لقتال من غزا سوريا، وما بخلت عليهم تركيا -قيادة وشعبا- بشيء يعينهم على ذلك، غدت اسطنبول مصنعا لزعماء السياسة ومدرسة لتخريج الخطباء ومنبرا يتداول الطامحون فيه إلى الرئاسة، وصدق فيها المقولة السورية الشهيرة: "بلد كلها زعماء من أين آتيك بشعب؟" وقول القائل: "إذا مال منا سيد قام سيد".
أما الفصائل المقاتلة فقد أصبحت شراذم متقاتلة، فتركوا الذين تداعوا على سوريا كما تداعى الأكلة إلى قصعتها من كل حدب وصوب، وتفرغوا لقتال بعضهم. فمن لم تقتله طائرات أمريكية بطيار وبدون طيار بوشاية واش وبدون وشاية، ومن أخطأته الطائرات الروسية أو أصابته، انطلقت الجبهات المتقاتلة يقتلون بعضهم بالعشرات والمئات.
ولا يقتصر الأمر على المتقاتلين، فمن لم يقاتل وكان يترفع عن اتهام غيره بسوء، صار ينتصر لهذا الفصيل أو ذاك أو تركوا ساحات الرباط، وانطلق المغردون منهم بالإنعام على بعضهم بألقاب الخيانة والعمالة بعد أن ترك هؤلاء وأولئك ساحة المعركة مهجرين ومختارين، كأنهم يقولون يكفيني ما قدمت وسأترك لغيري ساحة المعركة ليجرب سلاحه فيها.
وقع المقاتلون فيما وقع فيه طلاب الزعامة ممن يسمون أنفسهم معارضة سلمية ويزعمون زورا وبهتانا أنهم مفوضون من الشعب، وما اختار الشعب السوري ولا فوض أحدا ليمثله ولا يمثل هؤلاء الأدعياء إلا أنفسهم. استمرت اللقاءات أياما وليالي، يقسم فيما بينهم عدد أعضاء التفاوض ما بين مسلحين وسلميين وائتلاف. ففي النتيجة ما هم إلا"كومبارس" ليس لهم من الأمر شيء، ما ستفرضه واشنطن وموسكو فعليهم أن يقبـلوا به، وإلا أصـبحوا خـارج اللعـبة.
وإلا فماذا ننتظر من المبعوث الأممي ديميستورا الذي يريد أن يختار بنفسه الوفد المفاوض لما يسمى المعارضة: ما بين مسلح ومسالم ومنصة موسكو ومنصة القاهرة ومنصة دمشق؟ بل ماذا ننتظر من لافروف ذي الوجه الجامد الذي صنع للسوريين دستورا من أبواب وفصول ليخلف دستور حافظ أسد كأننا أيتام على مأدبة اللئام تلقى لهم فتات المآدب: "لقد هزلت حتى بدا من هزالها كلاها وحتى سامها كل مفلس".
أيها الزاحفون على بطونكم وراء الزعامات والمناصب نقولها لكم بصريح العبارة: "اعتدلوا أواعتزلوا". زهقنا منكم سلميين ومقاتلين، وإن للشعب السوري ربا يحميهم.