الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأسدية انتهت منذ اللحظة الأولى للثورة السورية

الأسدية انتهت منذ اللحظة الأولى للثورة السورية

11.06.2017
فراس قصاص


القدس العربي
الخميس 8/6/2017
أثمان باهظة، فاقت أي توقع أو تصور، دفعها ولا يزال يدفعها السوري، ونفق مظلم ومرعب دخل فيه الوضع في بلاده منذ سنوات، ولا ضوء يلوح في الأفق يضع حدا للمأساة المروعة، التي لم تزل تزداد فصولها وتتعاظم آثارها.
رغم ذلك ورغم ما يشاع على نطاق واسع من انتفاء السمة الثورية عن الحدث السوري، إلا أن هذا الأخير، المعلن مع ولادة التظاهرات السلمية التي خرج بها السوريون في مارس 2011 إنما يلبي من وجهة نظر هذه السطور كل المعايير النظرية الفلسفية والتاريخية، لاعتباره ثورة وفقا لكل قياس، بل ثورة عظيمة حوت انتصارها وتحققها الجوهري في لحظة اشتعالها الأولى.
لماذا؟
لأن الحدث السوري أصاب بآثاره وهزاته العنيفة كل المنطقة وربما العالم، ووضعهما أمام أسئلة صعبة، وتحديات ورهانات عديدة وجديدة، وقبل ذلك لأنه كان جذريا وكاشفا، عميقا وشاملا، أظهر وجه الاستبداد المركب الذي يخترق الوجود السوري، كشف جذوره الثقافية/المعرفية، وبنيته القروسطية المروعة، صرح عن المكبوت والمسكوت عنه في البنية السوسيولوجية السورية، وعرّى كل ما يجري فرضه قسرا، من مقولات الخطاب الرسمي للنظام السوري، عن المجتمع المتماهي المنسجم والمتفق على دور ورسالة وهوية عربية لذاته ولبلاده، النابذ لكل وعي طائفي أو مذهبي.
لقد غير هذا الحدث الهائل بآثاره وتداعياته، الشخصية السورية بشكل غير قابل للرجعة، وغير معها الحقل الاجتماعي السياسي الذي تتفاعل فيه بشكل عنيف وغير مسبوق. وإذ لم يسقط الأسد سقوطا ماديا بعد، وحيث ألحق ولم يزل بسوريا ومجتمعها، أذى يصل حد الخرافة، إلا أن القول بأن الأسدية وتاريخها قد انتهيا إلى الأبد في سوريا، يبدو أمرا مشروعا وله ما يبرره، فالأسدية بوصفها نظاما لإنتاج الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية، يتم بدلالتها وحدها، قد تعطلت تماما. لقد دخلت فواعل عديدة في عملية الإنتاج تلك، فواعل ليست منافسة للأسدية وخصائصها فقط وإنما معادية تماما، فبالإضافة إلى القوى القائمة على تجربة مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية، التي يشكل الكرد والعرب وبقية المكونات السورية نموذجا مجتمعيا جديدا واعدا، في علاقاته البينية، في قيمه ورهاناته، هذي التجربة التي فككت مؤسسات الاسدية التشريعية والتنفيذية والقضائية في مناطقها، وأرست الدعائم لمنظومة قانونية وتعليمية، ذات سقف أيديولوجي، متناقض جذريا مع ما شيدته سلطات الأسد في عموم البلاد خلال العقود الماضية، وبالإضافة إلى الآثار السياسية والاجتماعية والمعرفية التي طالت حقل القيمة والوعي الاجتماعي السياسي السوري، بعد سيطرة الفصائل الإسلامية المتشددة على مساحات شاسعة من سوريا، حازت المواقع المعارضة للنظام نفوذا مهما في إنتاج وعي سياسي وإرساء ثقافة معادية للأسدية، صارت لها سطوتها وحضورها بين ملايين اللاجئين والنازحين السوريين، الذين عاشوا قهرا استثنائيا وخبروا كافة أشكال العذابات التي مارسها النظام ضدهم، أثناء الحرب الشاملة التي شنها بشار الأسد على السوريين طوال الأعوام الست الماضية.
ليس ذلك فقط، بل إن الاسدية التي كانت فاعلة في محيطها الإقليمي، تتصارع على النفوذ والهيمنة خارج حدودها، كما في حالة لبنان، أصبحت الآن هشة وهامشية إلى حد بعيد، بل مخترقة حتى العمق من الخارج، تتسابق على تركتها وسلطتها ومناطق نفوذها مجالات إقليمية ودولية، حتى أنها فقدت هيبتها داخل مساحات نفوذها الاجتماعي بالذات، وبدأت تظهر إلى العلن مليشيات غير منضبطة تعمل لمصالحها الأضيق، كانت حتى وقت قريب محسوبة على بيئة النظام الحاضنة وتابعة له. والأسدية التي لم يخيل لأحد قبل مارس 2011 أن تتحدد بأفق زمني منظور ينهيها وينهي هيمنتها الشاملة على كل أشكال الحياة في سوريا، أمست الآن، تكافح جاهدة كي تكون مشاركة في مستقبل بلادها بشكل ما، فهذا أفضل سيناريو ترجوه وتعمل من اجل تحقيقه. وبعد أن كان مصير البلاد والأسدية فقط بيديها. تغير ذلك تماما الآن، فلا مصير البلاد ولا مصيرها هي ذاتها بيديها.
في المحصلة ألا يعني، فقدان الاسدية لأبرز خصائصها، فقدانها لهيبتها وتغولها وشموليتها المهيمنة على سوريا، وعلى أنظمة إنتاج الوعي وأشكال الدمج الهوياتي والمجتمعي فيها، ثم تلاشي نفوذ سياساتها خارج حدود سوريا، وفقدانها دورها المحوري بتحولها من موقع الفاعل في الصراع على الشرق الوسط إلى موقع هامشي عنوانه التصارع على تركتها وعلى سوريا، مرتهنة لفواعل خارجية تتحكم بمصيرها المادي الذي بات محددا بنهاية لم تعد بعيدة، ألا يعني ذلك كله أنها انتهت؟