الرئيسة \  واحة اللقاء  \  استراتيجية ما فوق الفوضى: توجه أمريكي جديد في الشرق الأوسط

استراتيجية ما فوق الفوضى: توجه أمريكي جديد في الشرق الأوسط

12.04.2018
أ. د. جاسم يونس الحريري


القدس العربي
الاربعاء 11/4/2018
أثار مقال كتبه المفكر الأمريكي (أنتوني كوردسمان) بعنوان: "استراتيجية الفوضى الأمريكية في الشرق الأوسط وجنوب آسيا" نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في 26 شباط/فبراير2018 جدلا كبيرا في الأوساط العلمية، والأكاديمية.
ويؤكد فيه كوردسمان السمات الرئيسية للاستراتيجية الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط بالقول "إن الولايات المتحدة تتخذ قرارات من يوم إلى يوم، على أساس مجزأ، فإنه يتأرجح من قضية إلى قضية، ورحلة عالية المستوى، إنه يفوز بالانتصارات التكتيكية بدون تأثير استراتيجي واضح، أو تأثير دائم على الاستقرار الإقليمي، أنها تتفاعل في المدى القصير، والاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة هي أكثر قليلا من الفوضى التي تمليها الاحداث الخارجية".
ويوجه انتقادا لاذعا للإدارة الأمريكية جراء حروبها في الشرق الأوسط بسبب عدم وجود أهداف حقيقية أمريكية وراء تلك الحروب بالقول "لاتزال حروب أمريكا الطويلة تتقاتل من دون أهداف واضحة، والولايات المتحدة تتعامل مع تحديات مثل عدم الاستقرار الواسع في العالم العربي، وإيران، والتدخل الروسي، وحرب تركيا مع الأكراد بطريقة منتظمة، ومجزأة أكثر من ذلك، فقد ركز على محاربة داعش، وطالبان دون أي استراتيجية واضحة للتعامل مع التحديات العسكرية الأخرى في المنطقة، ودون معالجة الأبعاد المدنية لحركات التمرد في سوريا، والعراق، وأفغانستان، أو الحاجة إلى سياسة الاستقرار، والتنمية الاقتصادية".
ويستشهد كوردسمان ببعض التكتيكات الأمريكية في بعض مناطق النزاع في الشرق الأوسط دون أن تجلب تلك التكتيكات نتائج مثمرة لتكريس الاستقرار، والأمن الإقليمي بالقول((تشارك بعض عناصر القوات الأمريكية في مناطق النزاع الأخرى في الخليج، والبحر الأحمر، لكن ليست لدى الولايات المتحدة استراتيجية واضحة للتعامل مع المشاكل الأخرى في منطقة البحر الأحمر: اليمن، والصومال، وأثيوبيا، والسودان، والأسوأ من ذلك أنه لا يوجد لديه استراتيجية للخطة من شأنها أن تجلب الاستقرار العسكري، والمدني، الدائم إلى أي من هذه البلدان".
وبمراجعة بسيطة للسياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط في العقود الماضية نرى تكرار تلك السياسة، لكن تطرح الآن بثوب جديد مع الحفاظ على ثوابت تلك السياسة منها سياسة فرض الأمر الواقع على الأرض، والاستمرار في سياسة الغاية تبرر الوسيلة، وهي تعتبر أبرز السمات التي تتميز بها الاستراتيجيات الأمريكية في تلك المنطقة.
ولنستشهد بما قالته مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة في هذا المجال:
"إنني أمثل أمريكا صاحبة المسؤوليات العالمية، والأمة المستعدة لفعل كل شيء، وقتما تريد، وليعلم الجميع أننا نفعل ما نريد، ونغير ما نريد، لا تقف في طريقنا عقبة واحدة، لأن العالم لنا، العالم لأمريكا".
إن أمريكا تفعل ما تريد، وفق ما قالته اولبرايت حتى لو تسبب بقتل آلاف الضحايا من المدنيين، والسكان العزل، والأطفال، والنساء، والشيوخ، وحتى لو يتسبب ذلك في وجود آلاف الأرامل، والثكالى، والمشردين، المهم هو تنفيذ ما تريده أمريكا في الشرق الأوسط.
والأكثر من ذلك أن أمريكا تفعل وتستخدم كل الوسائل في سبيل تأمين سيطرتها على المنطقة العربية لتبرير وجودها العسكري، وشرعنته، من خلال الحروب العبثية، وإثارة الإثنيات، والجهويات، والعصبيات بعد أن أستخدمت القوة العسكرية في تدمير الدول العربية كما فعلت في الغزو، والاحتلال الأمريكي للعراق في عام2003، وما فعلته في إثارة الأحداث في مايسمى بالربيع العربي عام2011 وما نتج عنه من ضعف ليبيا، وتحييد دور مصر في الصراع العربي-الإسرائيلي.
وتحاول أمريكا اليوم دفع المنطقة للاحتكاك مع إيران، أو على الأقل خلق نزاع أقليمي خليجي – إيراني وهو توجه قديم وليس جديدا ولنا أن نرجع لما قاله وليام بيري وزير الدفاع الأمريكي الأسبق "علينا أن نبقى مستعدين لمواجهة التهديدات التقليدية من جانب إيران، والعراق تلك الدول التي تملك الجيش الأول في المنطقة".
وما قاله الصهيوني باريف إن نبوخذ نصر ملك بابل قد حارب اليهود قبل ثلاثة آلاف سنة، وأخذهم أسرى، ومن مصلحتنا أن نحارب العدو المشترك العرب". وقول هارون ياريف مسؤول الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، ورئيس مركز الدراسات الاستراتيجية بجامعة تل آبيب "لابد أن نعد إيران عضوا في التحالف العربي-الإسلامي ضدنا".
إن التوجه الأمريكي الجديد القديم لإثارة الفوضى دون أهداف واضحة سينعكس عليها سلبا وعلى سمعتها في الشرق الأوسط، وستكون مدعاة للانتقاد، والاستهجان جراء سياستها حتى من الأمريكان أنفسهم، حيث يكتب الصحافي الأمريكي جايمي روستون تحت عنوان "مأساة واشنطن الرسمية" "تتمسك بالأشياء الباطلة، وترمي جانبا العناصر الثابتة، تصرح بالإيمان ولكـنها لا تـؤمـن".
إن انخراط أمريكا في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإرهابي بعد عام2014 في العراق لم تكن غايته إضافة قوى عسكرية في تحالفها الدولي، ولكن من أجل تأييد شرعية وجودها في المنطقة لتنفيذ أجنداتها، وأن تحالفها مع دول التحالف لم يكن تحالفا استراتيجيا، لكنه تحالف تكتيكي ولنا فيما قاله جيفرسون أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة في شرح سياسة أمريكا الخارجية "يجب أن نحافظ على صداقة صادقة مع كافة أمم الأرض ولكن لا ترتبط مع أي منه".
بروفيسور العلوم السياسية والعلاقات الدولية