الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اجتماع هيلسنكي يضع الثوار السوريين على مفترق طرق

اجتماع هيلسنكي يضع الثوار السوريين على مفترق طرق

10.07.2018
إيفا كولوريوتي


القدس العربي
الاثنين 9/7/2018
تترقب مدينة هيلسنكي اللقاء الثاني للرئيس الأمريكي ترامب مع نظيره الروسي بوتين من بعد لقائهما الأول على هامش قمة العشرين صيف العام 2017، الاجتماع السابق الذي وصف بالإيجابي من قبل الطرفين وجرى فيه نقاش أزمات مختلفة وعلى رأسها سوريا وأوكرانيا بالإضافة لقواعد الدفاع المتبادل بين الناتو وروسيا بالأخص ما بعد التوتر الكبير الذي زاد بين الطرفين في العام الأخير لولاية باراك أوباما.
لقاء هامبورغ
اجتماع هامبورغ نتج عنه وعود حول سوريا بالأخص ومن دون توافق حول الأزمة الأوكرانية، إلا أن الأمور على الأرض لم تتغير بشكل كبير فاتفاق خط نهر الفرات في سوريا بقي حبرا على الورق وكلا الطرفين تهربا من تنفيذه، روسيا حاولت عبور النهر في العديد من المرات عبر قوات الأسد والميليشيات الداعمة له من جهة وعبر مرتزقة واغنر الروسية من جهة أخرى، لكن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل، كما أن الجانب الأمريكي الذي وعد بالانسحاب من قاعدة التنف على الحدود السورية الأردنية زاد من تواجده العسكري هناك بألفي جندي ومئات المدرعات، بالتالي لم يكن للاجتماع السابق أي تأثير يذكر.
حسب التسريبات الدبلوماسية فإن الاجتماع المقبل سينقسم لجزأين الأول سياسي وعسكري بما يخص مستقبل الأزمات السورية والأوكرانية وإيران، فيما سيكون الجزء الثاني اقتصادياً، سأحلل في هذا المقال التأثيرات والخطط المجهزة لهذا الاجتماع وتأثيرها على مستقبل الأزمة السورية بشكل خاص.
إن التراجع الأمريكي عن تحذيراته لأي عمل عسكري في الجنوب السوري وتخليه عن عناصر المعارضة السورية المسلحة في محافظتي درعا والقنيطرة لم يأت وليد اللحظة وإنما هو مرتبط بشكل مؤكد بزيارة بولتون لموسكو ولقائه مع بوتين خلال الشهر الماضي، فالجانب الأمريكي توجه لهذه الخطوة كعربون نحو المصالحة الكاملة مع موسكو في سوريا، وتبقى نقطة الخلاف الأهم بين الطرفين هي على قسمين الأول الوجود الأمريكي في الشرق السوري حيث النفط والغاز، وبرأيي الشخصي فإن كمية النفط والغاز في هذه المنطقة ليست بالضخمة والتي تستدعي أن تبقي واشنطن قواتها مع ارتفاع تكاليف هذا الوجود المادي والجيو سياسي.
أما الشق الثاني فهو مرتبط بحماية الأمن القومي الإسرائيلي من أي خطر سواء ناتج عن إيران أو أذرعها الميليشياوية، وبالتالي فإن حل هاتين النقطتين مرتبط ببعضهما البعض، فواشنطن قد تطرح فكرة انسحابها الكلي من الشرق السوري مقابل أن تعطي موسكو وعودا كافية بانسحاب إيران وذراعها اللبنانية « حزب الله « من سوريا بشكل كامل حتى لو كان تدريجياً، وعلى هذا يكون الطرفان قد وصلا لمبتغاهما، ومما قد يساهم في هذا الحل هو ما تم خلال الأسابيع الماضية من لقاءات سرية وحراك دبلوماسي للاعبين اقليميين في منطقة الشرق الأوسط، فالمصادر الغربية الدبلوماسية تؤكد التواصل بين إسرائيل والأسد عبر موسكو، أكد فيها عن عدم نيته الابقاء على الوجود الميليشياوي في الجنوب السوري وأنه يضمن هدوء حدود إسرائيل الشمالية بشكل كامل، وسبق هذا التوافق لقاءات مكثفة بين مسؤولين إسرائيليين وعرب تمت في الأردن، وضحت تل ابيب خلالها أن الخروج الإيراني من سوريا هو مطلب مشترك وأن بقاء الأسد هو لمصلحة الجميع، وبالتالي هذا الرضى الإسرائيلي ترجم على الأرض الواقع في معارك درعا وسيترجم في اجتماع هيلسنكي بشكل مؤكد.
الموقف التركي
قد يتساءل البعض عن الموقف التركي من ما سيجري في الشرق السوري، فروسيا مستعدة أن تعطي أكراد سوريا فيدرالية خاصة بهم في هذه المنطقة، مقابل أن يستلم الأسد الحدود السورية التركية، وبهذا تكون تركيا المتخوفة من تهديد أذرع حزب العمال الكردستاني في شرق سوريا مضطرة للقبول بالأسد والتعاون معه نحو تحجيم وانهاء هذه الميليشيات كخطوة مستقبلية.
هنا يجدر الإشارة لارتباط ما سيتم الاتفاق عليه في هيلسنكي مع صفقة القرن بما يخص إسرائيل، فتل ابيب تعمل على إنهاء وضع الجولان القانوني على أنها جزء من دولة إسرائيل عبر صفقة مع ديكتاتور حي المهاجرين، ومن المؤكد الأسد الابن لن يكون بأكثر وطنية من والده.
فيما يبقى السؤال الأكثر طرحاً حالياً في الأروقة الدبلوماسية الغربية وهو عن قدرة روسيا دفع إيران خارج سوريا ؟
بالرغم من العلاقة الوطيدة بين نظام الأسد وطهران ما قبل الثورة السورية إلا أن وجودها العلني هناك لم يتجاوز الدبلوماسي، أما السري فكان مقتصراً على أعداد محدودة من المستشارين العسكريين في قاعدتين سريتين، ومع انطلاق الثورة السورية ارتبط الوجود الإيراني هناك بإبقاء الأسد في السلطة أكثر من كونها تريد أن توسع وجودها العسكري في منطقة محسوبة بشكل حصري على إسرائيل، وبالتالي أي مخطط يبقي على عميلهم في قصر المهاجرين يكفي طهران لسحب قواتها هناك بشكل مبدئي ما لم تتطور الحرب الاقتصادية عليها من قبل واشنطن والتي قد تدفعها للهروب نحو الأمام وخلط أوراق المنطقة.
و مع هذا المخطط يصبح المشهد السوري القاتم حالياً على مفترق طرق مرتبطا باختيارات من تبقى من رافعي لواء الثورة الأوائل، ما بين السير مع المخطط الدولي والإذعان للداعمين شمالاً وجنوباً والتي ستؤدي بشكل حتمي لعودتهم تحت سقف الزنزانة أو ما يسمى كذباً سقف الوطن، أو أن يعودوا لدرب الحرية من جديد ويتحرروا من لغة الدبلوماسية والواقعية السياسية.
الاختيار بأيديكم وليس في هيلسنكي أو عمان أو أنقرة.
محللة سياسية يونانية مختصة بشؤون الشرق الأوسط