الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اتفاق سوتشي… الشيطان يكمن في التفاصيل

اتفاق سوتشي… الشيطان يكمن في التفاصيل

25.09.2018
ميسرة بكور


القدس العربي
الاثنين 24/9/2018
مما لا شك فيه ولا ريب أن قمة سوتشي التي عقدت بين الرئيسين التركي رجب طيب اردوغان ونظيره الرئيس الروسي ، نجحت في ترحيل المشكلة الناتجة عن رغبة تنظيم الأسد مدفوعاً بتحريض حليفة الإيراني بهدف السيطرة على محافظة إدلب آخر معاقل الثورة السورية والفصائل المسلحة على اختلاف راياتها وتنوع أيديولوجيتها، وبعبارة أكثر وضوحا استطاعت قمة سوتشي تأجيل الاصطدام المباشر بين جميع الأطراف إلى وقت معلوم ولم تنجح في إنهاء وقوع الاصطدام نتيجة عدم معالجة أصل المشكلة في إدلب "سوريا المصغرة" نتيجة اختلاف طرفي سوتشي ورؤية كل منهما للحل النهائي ، حيث لم تتوقف المحاولات الروسية الراغبة بالقضاء على كل أشكال المعارضة لحكم تنظيم الأسد، والرؤية التركية التي تعتبر أصل المشكلة أن هناك ثورة شعبية او انتفاضة ترفض استمرار الحكم القائم في دمشق منذ عقود أربعة ورغبت بالتغيير السلمي، فجوبهت بالعنف الفوق متوحش من قبل تنظيم دمشق وحلفائه المحليين والإقليميين .
نعم يمكننا القول إن معركة إدلب تم إيقافها أو تأجيلها، وليس إلغاءها بشكل كامل برغم ما قاله: وزير الدفاع الروسي "سيرغي شويغو" لن تكون هناك عملية عسكرية في إدلب، لكن فتيل الاشتعال لم ينزع أو يخمد بشكل كامل فوراء الأكمة ما وراءها و الشيطان يكمن في التفاصيل ، حيث تضمن الاتفاق سحب السلاح الثقيل من الفصائل بعمق 7كم من طرف الفصائل المسلحة والأخطر من ذلك وهو "المطب" أو لنقل الاختبار الحقيقي لتركيا الكامن في تمكن تركيا وحلفائها من إقناع هيئة تحرير الشام في التخلي عن أسلحتها أو انسحابها من إدلب.
 
أخطر ما في الاتفاق
إقناع هيئة تحرير الشام بالتخلي عن سلاحها أو نزعه منها بالقوة القسرية وبالتالي فتح الباب على مصراعيه أمام اقتتال بين فرقاء الفصائل في إدلب ، الأمر الذي يصب في الأهداف الروسية الأسدية البعيدة وهو ما عملت عليه موسكو في الأستانة ، ومما يزيد الأمر تعقيدا أن تركيا سبق لها وأن أدرجت هيئة تحرير الشام على قوائم الإرهاب. وهنا المأزق الحقيقي فكيف لتركيا أن تقنع الهيئة بتسليم سلاحها وحل نفسها في الوقت الذي تم وضعها على قوائم الإرهاب، ومن ثم ولو فرضنا جدلاً أن الهيئة وافقت على حل نفسها أو تسليم سلاحها فالسؤال لمن سيتم تسليم هذا السلاح وإلى أين سيتوجه عناصر الهيئة من غير السوريين وهم مدرجون على قوائم مجلس الأمن الدولي كأعضاء إرهابيين يمثلون خطراً دولياً ، كيف ستحل أنقرة هذه المعضلة ؟
هل سيكون نزع سلاح هيئة تحرير الشام "الإسفين" الذي وضعه بوتين في اتفاق سوتشي، في حال فشلت تركيا في هذا الإطار ستقدم الذريعة التي تنتظرها موسكو وحليفاها الأسد وإيران للانقضاض على إدلب ، وستحشر تركيا في الزاوية بل أنها ستتوجه إلى المجتمع الدولي وربما مجلس الأمن بهذه الورقة تفتح مزادا تسوغ فيه ما تكمنه من رغبة متوحشة في الانقضاض على آخر معاقل الثورة السورية، تقول في مزادها إننا وحرصاً منا على أمن وسلامة المدنيين وبنيتهم التحتية في إدلب منحنا الطرف الآخر فرصة لتفكيك المنظمات الإرهابية المدرجة على قوائم مجلس الأمن الدولي، ونزولاً عند المخاوف الدولية من نتائج قيام حكومة تنظيم الأسد من شن هجوم على المواقع الإرهابية في إدلب ووقعنا اتفاقاً مع تركيا كي تحل الأمر ولكن الإرهابيين رفضوا الانصياع وتسليم أسلحتهم للجانب التركي وهم يصرون على السيطرة على محافظة إدلب بالقوة العسكرية واتخاذ أهلها رهائن لديهم ، فما هي مسوغاتكم كي تمنعوا حكومة تنظيم الأسد من سحق الإرهابيين على حد وصفهم .
ومن ثم هل سيكون نزع سلاح هيئة تحرير الشام بابا للاقتتال الفصائلي الدامي بين الفصائل المعتدلة والهيئة، بما يخدم تنظيم الأسد، وهم ينتظرون أن ينقض أحد الفرقاء على الآخر وينهكا في اقتتال داخلي ومن ثم يختلق الذرائع للانقضاض على الطرف الفائز المنهك .
 
المصلحة التركية
لا يغيب عن ذهن متابع مبصر بحقائق الأمور أنه في حال سيطر تنظيم الأسد على إدلب فإنه سيبدأ بمطالبة تركيا بالخروج من منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون، وربما يتوجه إلى مجلس الأمن ليشكو الاحتلال التركي لأراض سورية، وستكون تركيا في أضعف حالاتها بعد أن خسرت ورقة إدلب وورقة النازحين التي قد تهدد بها أوروبا، ولا يفوتنا هنا التذكير بمحاولة التقارب التي تمت مؤخراً بين التنظيمات الكردية وتنظيم الأسد خلال الشهر الماضي ، ولا يمكننا أن نغفل عن أن هذا التقارب الفصائلي الكردي، الحليف الأمريكي لا يمكن له أن يتم أو أن يطرح دون ضوء أخضر أمريكي وهي المتحكم الرئيسي بمناطق هذه الفصائل والممول والمسلح الرئيسي لها، طبعاً هذا التقارب كان بهدف الضغط على تركيا أمريكيا على خلفية تأزم العلاقات بينهما .
 
ما الذي تحقق في سوتشي؟
تأجيل المعركة أو ترحيلها إلى أجل لاحق، ربما كسب مزيدا من الوقت وهو عامل مهم لكل الأطراف بهدف انتاج ظروف أفضل.
نعتقد أن روسيا كانت الرابح الأكبر من هذا الاتفاق، وصحيح القول أن الأهالي قد أبعد عنهم شبح الموت مؤقتاً.
استطاعت موسكو بهذا الاتفاق لتحويل نقاط المراقبة التركية إلى حرس لقوافل تنظيم الأسد بعد الاتفاق على فتح طريق دمشق حماة حلب.
وبالتالي إنعاش اقتصاد تنظيم الأسد وفتح خطوط إمداده تحت الحماية التركية، ربما تركيا مستفيدة من فتح طريق حلب إلى تركيا. لكن هل هذا سينعكس إيجاباً على المحاصرين في إدلب؟
أتاح الاتفاق سحب سلاح الفصائل أو انسحابهم بعمق 8 كم عن خط المواجهة مع تنظيم الأسد وطرق إمداداته.
كما أتاح له فرصة الانتهاء من هيئة تحرير الشام دون جهد منه إما عن طريق تركيا أو الاقتتال الداخلي.
تمكين تنظيم دمشق وحلفائه من إعادة ترتيب أوراقهم وتجميع قواتهم.
الاتفاق وبضمان تركي جمد الفصائل المسلحة وحاصرها في مناطقها ومنعها من شن أي عمل ضد مواقع تنظيم الأسد. وإلا فعلى تركيا أن تتحمل العواقب وربما يعتبر الاتفاق لاغيا نتيجة عدم الالتزام به من قبل الفصائل. كما أن الاتفاق صب في صالح تنظيم الأسد حيث نص على تشكيل منطقة منزوعة السلاح بعمق 15 كم، ولم ينص على منطقة آمنة أو حظر طيران، بالتالي سيظل الطيران حراً في سماء إدلب.
نعم تم تأجيل المعركة، لكن مكاسب الأسد كبيرة جداً خاصة مع تأكيد الرئيس بوتين على مسار أستانة وعلى تفعيل اللجنة الدستورية في جنيف التي هي مصلحة أسدية روسية من الألف إلى الياء.
ويظل السؤال حائرا هل ستنجح تركيا في نزع سلاح هيئة تحرير الشام أم أنه إسفين دقه لها بوتين في سوتشي مهما كانت نتائجه سيصيب بنتيجته في صالح روسيا ومشروعها في سوريا، كون الاتفاق خاصا في منطقة إدلب فقط . قد يقول قائل إنه ورقة تناور بها تركيا في مراحل متقدمة، لكن الحقيقة أن تنظيم الأسد سيستغل هذا الوقت المستقطع لتعزيز سيطرته وربما إعادة شرعيته الدولية.
وستظل القضية من وجهة نظر تنظيم الأسد وروسيا أنها معركة على الإرهاب.
 
كاتب وباحث سياسي