الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إيران على حدود الجولان

إيران على حدود الجولان

25.02.2015
أيمن خالد



القدس العربي
الثلاثاء 24-2-2015
تستعد إيران لبدء عملية عسكرية كبيرة في جنوب سوريا، العملية تستدعي تحضير مئات راجمات الصواريخ، التي ستقصف قرى محددة على الشريط الحدودي مع الجولان المحتل، وبحسب المتوفر، هذه الكمية من الاستعدادات تعني محو هذه القرى من الوجود، ونسأل: إذا أزيلت هذه القرى عن الوجود واختفت معالم الحياة المدنية فيها، كم ستكون إيران قريبة من فلسطين، وكم ستكون قريبة من تحرير الجولان، هذا على الاقل هو عنوان المرحلة المقبلة من السياسة، التي تعني أن إيران لديها وجود عسكري على حدود فلسطين.
المشكلة التي هي أكبر من الوجود الإيراني وسببه، هي بالأصل في النخب العربية المثقفة، اإلامية وسياسية وغيرها، فهي بالأساس لا تملك تفسيراً منطقياً للوجود الإيراني ودلالاته، لسبب وحيد، هو أن هذه النخب، هي بالأصل نخب جائعة، وهو ما يفسر قيمة العجز المستقبلي، ودخولنا في إشكال داخلي مريع، وفوق النخب هذه هناك، مشايخ السلاطين، الذين يختلفون بينهم حتى بتعريف التوحيد، ويتفقون على مسألة وحيدة، هي مصداقية الحاكم ووجوب اتباعه.
هنا يمكن أن نفهم أن الوجود الإيراني في سوريا كان خلال السنوات الماضية بمثابة انتصارات حقيقية على الارض، تمكنت إيران من حماية النظام ومنعه من السقوط، وتستطيع ذلك لثلاث أو اربع سنوات مقبلة، وهو بالدلالة المادية على الارض أن إيران موجودة، ويمكنها تغيير المعادلات المادية، بما فيها وجودها على الشريط المحتل مع الجولان، وهو ما يكسبها بحسب السياسيين موقعا استراتيجياً تفاوضياً، يتيح لإيران مستقبلا رسم اوراق المنطقة وقيادتها باتجاه تحرير فلسطين.
هنا بالطبع تختفي قصة 10 ملايين مهاجر سوري على الارض، وما هو مصيرهم، وهل قصة تحرير فلسطين تبدأ من خلال مصيرهم المعلق بالخيام والتشريد، وهل كل ما تقوم به إيران هو بالفعل مشروع الامة لتحرير فلسطين، ام أن هناك عقبات في الافق، تتطلب بعد محو قرى درعا وجوارها، ثم التوجه نحو الغوطة الشرقية والغربية، وتطهيرها من المعارضة حتى تتم حماية دمشق، لأنه من غير المنطقي أصلا التوجه لعدو مثل اسرائيل بدون ترتيب البيت الداخلي. وإذا اضفنا إلى المعادلة تنظيم "دولة الخلافة"، ثم الجبهة الشمالية، وصولاً إلى المعادلات السياسية المعقدة، يمكننا القول، إن وجود إيران في الجولان سيبدأ بتحرير فلسطين فعلياً، ولكن بعد تحقيق معادلة الانتصار ذاتها، والانتصار بعينه، بما يعنيه الحسم العسكري النهائي في سوريا.
السؤال المهم لإيران، بعد كم سنة يمكنها حسم الصراع الداخلي في سوريا، إذا كانت ومنذ اربع سنوات تستعين بحزب الله وغيره من العراقيين والافغان وغيرهم، ولم تصل بعد لحالة حسم مقنعة على الارض، او انتصار بمعنى الانتصار، فما يتم الاستعداد له في القنيطرة ودرعا هو حدث في حلب وادلب وغيرها، حيث تمت عمليات المسح لقرى واحياء بكاملها، وهكذا تم رفع اعلام التحرير على اكوام من الردم وعلى رحيل 10 ملايين سوري عن ارضهم.
ما لا يدركه الساسة في إيران أن مشكلتهم لم تعد داخل سوريا، ولكن مشكلتهم هي مع الامة الاسلامية بأكملها، وهم اليوم وغدا، برضاهم أو غير رضاهم، باختيارهم او بدون اختيارهم فبمجرد دخولهم في اللعبة السورية هم الان حلفاء النظام الرسمي العربي كله، الذي يواجه مشروع الانتفاض عليه، وهم حلفاء الشيطان الخاص بهم – أمريكا- وهم بالنتيجة جزء من حلف الثلاثين دولة او اكثر الموجهة لحرب الصحراء التي لا مجال للانتصار فيها. وهي حرب تحتاج ملايين الجنود ومليارات الاموال لفتح طرق الامداد اللوجستي على الارض الصحراوية، حتى يمكن القول إن "تنظيم الدولة" انتهى، لأن كل طائرات الدنيا بحسب السياسة والمنطق السياسي، لا تستطيع أن تلغي ظاهرة البغدادي، الذي يستطيع أن يبقى راكباً على جمله في الصحراء، ينام متى شاء ويصحو متى شاء، فالوصول اليه يشبه كلفة رحله للفضاء يستطيع القيام بها افراد فقط.
أعود للنخب الجائعة التي تروج للوجود الإيراني على حدود الجولان، فهل من المنطقي فعلا البدء بتحرير فلسطين، وكل هذا التحالف الدولي والعربي هو ليس موجودا لقتال تنظيم الدولة بمقدار ما هو موجود لحماية اسرائيل ذاتها، وهل معادلة تحرير فلسطين، تستوجب هذا الصراع الهائل مع الامة، وإحداث الانقسام من يمينها إلى يسارها، واستحضار الكم الهائل من الصراع المذهبي، وملايين السوريين المعذبين في الارض. فإذا كان تحرير فلسطين سيبدأ من عذاب السوريين فإن وجودنا في هذا التاريخ شيء خاطئ، ونحن انما وسط عالم افتراضي وهمي لا حقيقة فيه، فلا يمكن أن يموت الناس بلا تمييز تحت اقدامنا من نساء واطفال ومحو مدن عن الوجود، ونرى القدس في نهاية المطاف، وبهذا الجيش، أو بهذه اللغة العنيفة من القتل.
أنا سأدلكم وأدل الإيرانيين على ما هو أفضل من تحرير فلسطين، وعودة ابنائها اليها، فهناك في مخيم اليرموك 18 الف فلسطيني محاصرين بلا طعام ولا ماء ولا كهرباء، ولا دواء منذ عامين واكثر، تتحكم فيهم مافيا متعددة على مدخل المخيم، وتفرض على كل شخص مبلغاً فلكياً لكي يتمكن من المغادرة، وأهل المخيم لا يملكون، وهناك ايضا مخيم اخر اسمه مخيم خان الشيح، قريب من القنيطرة، وقريب من الوجود الإيراني اليه، هذا المخيم تم قصفه بالبراميل والقنابل العنقودية ولا توجد فيه معارضة مسلحة، وكل ما يريده اهله أن تفتحوا لهم طريق العبور، هذه الاشياء المختصرة هي اكثر سهولة من فتح جبهة الجولان.
كما اننا لا نستطيع أن ننكر دعم إيران لغزة وفلسطين، نقول لإيران أن تحرير فلسطين يبدأ من تحقيق الكرامة لسكان مخيم اليرموك، ولكنكم لا تجرؤون على فتح بوابة المخيم ولا تستطيعون إغضاب الامريكان الذين يصرون على مسح الوجود الفلسطيني في سوريا.
٭ كاتب فلسطيني