الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إدلب مع نسخة جديدة من اتفاق خفض التصعيد

إدلب مع نسخة جديدة من اتفاق خفض التصعيد

30.09.2018
وائل عصام


القدس العربي
السبت 29/9/2018
أهم الملاحظات حول اتفاق المنطقة العازلة ونزع السلاح، كما ورد في نسخته الأصلية، هو أنه يخص المعارضة ومناطقها بإجراءات نزع السلاح والانسحاب دون النظام، فكما جاء في نص الاتفاق الذي وقع بين تركيا وروسيا وبموافقة النظام كما ورد، فإن فصائل المعارضة لا النظام، مطالبة بتسليم السلاح الثقيل وقائمة بأنواع المقذوفات والأسلحة، تعني نزعا شبه كامل للسلاح بدون البنادق الآلية، في عمق يصل لعشرين كيلومترا، وقد تصل المنطقة لتضم مدينة خان شيحون وفق بعض التفسيرات.
أما النقطة الثانية، فتتحدث عن تحديد منطقة نزع السلاح داخل منطقة خفض التصعيد، وهذا يعني انها ستقتطع من مناطق المعارضة فقط لا التي يسيطر عليها النظام، لأن منطقة خفض التصعيد في إدلب تبدأ حدودها من المناطق الخاضعة للمعارضة والخارجة عن سيطرة الأسد. وتبقى هذه التفاصيل للاتفاق تقنية وهو النسخة العاشرة ربما من قائمة اتفاقات تخص وقف إطلاق نار وهدن وقعت عليها روسيا والنظام منذ بدء سنوات الثورة في سوريا، وأعقبتها بحرق كامل لهذه المناطق، بدءا من خطة النقاط الست التي قدمها عنان وأقرتها الأمم المتحدة عام 2012 لوقف النزاع المسلح، وما أعقبه من إرسال لبعثة مراقبة للأمم المتحدة وقرارات لتشكيل حكومة انتقالية ومباحثات في جنيف، وصولا للعديد من اتفاقيات الهدن، ومن ثم الاتفاقية التي تمت بعيدا عن رعاية القوى العالمية، اتفاقية خفض التصعيد بإشراف حلفاء الأسد، روسيا وإيران، هذه الاتفاقية التي أقرت أربع مناطق خفض تصعيد، دمرها النظام تباعا واحتلها، وتبقى منها إدلب فقط ، فلماذا يجدر بأي متتبع للاحداث أن يتوقع عكس هذا المسار، على الرغم من أن الأسد ونظامه وحلفاءه باتوا اكثر قوة وسيطرة عسكرية في سوريا.
هذا الاتفاق، وللمفارقة، هو نسخة أكثر سوءا من اتفاقية خفض التصعيد، فلم يكن مطلوبا من فصائل المعارضة في مناطق خفض التصعيد في الغوطة ودرعا وريف حمص، نزع سلاحها، ولا الانسحاب من مناطق تسيطر عليها دون النظام، بل إن المفارقة تزداد حين نتذكر أن "النصرة" ونسختها الجديدة "تحرير الشام"، حصلت على عدة اتفاقات للهدنة مع النظام في إدلب أفضل من هذا الاتفاق، فقد وافق النظام على الهدنة في إدلب وخف القصف عنها بشكل كبير لاكثر من عامين بفضل هذا الاتفاق، الذي لم يشترط نزع سلاح أي من الفصائل أو الانسحاب، بل حصلت عليه "تحرير الشام" بعد استخدامها لشيعة بلدتي كفريا والفوعة كرهائن .وكما كان متوقعا، فتوقيع هذا الاتفاق يؤذن بأننا وصلنا لمرحلة "سلخ الشاة قبل ذبحها"، إنها المرحلة الأخيرة قبل إقدام النظام على استعادة إدلب، التي كما قلنا سيسعى لها النظام إما سلما أو حربا، سلما لتوفير مشقة الحرب، ومن خلال تسويات كهذه قد تؤدي إما لنزاع فصائلي سبق أن وقع بين القوى الموالية لتركيا وهيئة "تحرير الشام"، وإما لدور تركي مباشر في السيطرة على إدلب ومن ثم عودتها للنظام، كما أكد ذلك صراحة بوتين في مؤتمره الصحافي الاخير مع اردوغان، بضرورة عودة الاراضي لسيطرة الحكومة السورية، والاهم من ذلك، أن اتفاق خفض التصعيد ينص صراحة على سيطرة الحكومة السورية على كافة اراضيها، وهدا ما حصل فعلا بالحرب عندما فشلت التسويات، أو بالتسويات بدون حرب كما في درعا، وهذا السياق هو ما سيحصل في بعض مناطق إدلب على ما يبدو، خاصة تلك التي تسيطر عليها فصائل غير جهادية.
لكن يجب أن لا يتم تحميل الاتراك ما لا يحتملوه، فالنفوذ والدور التركي في سوريا بدا واضحا للجميع وللفصائل القريبة منه في سوريا، انه دور محدود ومتواضع، خصوصا بعد اعتذار السلطات التركية عن إسقاط الطائرة الروسية وهذا المنعطف الحاسم الذي أبقى الدور التركي تحت الاشراف الروسي، لذلك لم يجبر الاتراك أحدا على اتباع سياستهم التوافقية مع الروس، التي ستصب حتما في صالح الأسد في نهاية المطاف، بدون رغبة طبعا من الأتراك، لكن لا حيلة لهم بالنظر لتوازنات القوة المائلة لصالح حلف الاسد وروسيا وطهران في سوريا، وبالنهاية لا يفترض أن تهتم الدولة التركية بمصلحة اي اطراف اخرى فوق مصلحتها القومية وهذا ما تم فعلا، لكن المشكلة أن هناك من يعتقد ولو بطرح رومانسي، انه والآخر حالة واحدة، رغم أن الحليف الآخر يكرر له بالافعال وإن كان مشفوعا بالاقوال الرومانسية، الاشارة نفسها في كل مناسبة: من قال لك إن هناك من عليه أن يخوض معركتك أنت؟

كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"