بايدن يقلب إرث ترامب في الشرق الأوسط والعالم
08.02.2021
هشام ملحم
النهار العربي
واشنطن
السبت 6/2/2021
معلناً "عودة أميركا" من عزلتها الدولية خلال ولاية سلفه دونالد ترامب، لتتصدر دورها القيادي العالمي، ومؤكداً أن "الديبلوماسية عادت الى جوهر" السياسة الخارجية الأميركية، قال الرئيس جوزف بايدن في أول خطاب له حول السياسة الخارجية أن الولايات المتحدة سوف توقف دعمها "للعمليات الهجومية" في اليمن، "بما في ذلك مبيعات الأسلحة"، في إشارة الى الغارات الجوية السعودية، معتبراً أن حرب اليمن "قد خلقت كارثة إنسانية واستراتيجية".
وكان الرئيس بايدن قد قرر تعليق مبيعات الأسلحة للسعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة "موقتاً"، بعد أن أقرتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في الأسابيع والأيام الأخيرة من ولايته.
وقال بايدن إنه سيعيّن الديبلوماسي المخضرم تيموثي لينديركينغ مبعوثاً خاصاً لليمن للسعي الى تحقيق حل سلمي للنزاع في البلاد وفقاً لمبادرة الأمم المتحدة لفرض وقف لإطلاق النار، وفتح القنوات لتوفير المساعدات الإنسانية واستئناف محادثات السلام... ولتيموثي لييندركينغ خبرة واسعة في شؤون الخليج وشبه الجزيرة العربية.
وسوف ينسق المبعوث لينديركينغ مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية لضمان وصول المساعدات الانسانية "للشعب اليمني الذي يعاني من خراب لا يمكن تحمله". وشدد بايدن على أن "هذه الحرب يجب أن تنتهي". ويحظى موقف بايدن من حرب اليمن بدعم واسع في أوساط المشرعين الديموقراطيين في الكونغرس.
وأشار بايدن الى أن السعودية تواجه خطر الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة وغيرها من التهديدات من قبل قوى مختلفة تسلحها إيران في عدد من الدول، التي لم يذكرها بالاسم، وتابع: "وسوف نواصل دعم ومساعدة السعودية للدفاع عن سيادتها وحرمة أراضيها وشعبها".
قرار بايدن سوف ينهي ما تبقى من الدعم اللوجستي والاستخباراتي والذي بدأته إدارة الرئيس الأسبق باراك اوباما للحرب التي شنها أئتلاف من الدول العربية بقيادة السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ضد الحوثيين بعد أن استولوا على السلطة في اليمن والذي استمر خلال ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب. وقبل الخطاب قال مستشار الأمن القومي جايك سوليفان إن بايدن كان قد وعد خلال الحملة الانتخابية بأنه سيتخذ مثل هذا القرار.
وكان بايدن ووزير خارجيته قد انتقدا في السابق الغارات السعودية في اليمن والتي أدت الى خسائر بشرية واسعة. وخلال ولاية الرئيس السابق ترامب، صوّت الكونغرس على قرارات لوقف تسليح السعودية ودولة الإمارات، ولكن ترامب استخدم حق النقض الفيتو ضد هذه القرارات.
وجاء قرار بايدن بعد أسابيع من تصنيف إدارة الرئيس ترامب حركة الحوثيين التي تزودها إيران بالأسلحة بما فيها الصواريخ الباليستية، كتنظيم إرهابي. وقام الحوثيون في أكثر من مناسبة بإطلاق صواريخ باليستية بشكل عشوائي ضد أهداف في العمق السعودي. وتقوم إدارة الرئيس بايدن حالياً بمراجعة هذا التصنيف الذي قال وزير الخارجية انطوني بلينكن إنه يؤثر سلباً في العمليات الدولية لإغاثة اليمنيين، بخاصة أن الحوثيين يسيطرون على مناطق واسعة في اليمن.
وفي السنوات الماضية خفضت الولايات المتحدة من دعمها للعمليات العسكرية حيث أنهت في 2018 عمليات تزويد الطائرات الحربية السعودية بالوقود في الجو، وإنْ واصلت تدريبها وإرشاداتها للطيارين السعوديين بهدف تفادي قصف المدنيين. وللقرار أهمية رمزية وسياسية تفوق أهميته العسكرية، لأنه يعكس معارضة بايدن وطاقمه الأمني لاستمرار الحرب في اليمن. ومع أن المحللين رأوا في التعليق "الموقت" لصفقات الأسلحة لدولة الإمارات والسعودية، أن إدارة بايدن سوف تفرج عن هذه الصفقات بعد مراجعة ليس من المتوقع أن تكون طويلة، إلا أنها مؤشر بأن المشاعر الحميمة التي ميزت علاقات الرئيس السابق ترامب بقادة دول الخليج، قد انتهت.
ويمكن القول إن مواقف الرئيس بايدن النقدية لوضع حقوق الإنسان في المنطقة وانتقاداته لقادة بعض الدول ومن بينهم على سبيل المثال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بسبب مواقفه العدائية تجاه الغرب وانتهاكاته لحقوق الإنسان، وانتقاد بايدن لسياسة الاستيطان الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أن علاقات ادارة الرئيس بايدن بحلفاء واشنطن التقليديين في المنطقة ومن بينهم تركيا وإسرائيل، اضافة الى السعودية سوف تتسم بالفتور، وربما أكثر من الفتور، وبخاصة اذا استعجل بايدن استئناف الاتصالات مع إيران بهدف إحياء الاتفاق النووي الذي وقعته إدارة الرئيس أوباما في 2015، والذي ألغاه ترامب في 2018، والذي يريد بايدن تطويره، ما يعني إدخال عامل سلبي آخر للعلاقات بين واشنطن من جهة وإسرائيل والسعودية ودولة الإمارات من جهة أخرى.
وباستثناء الإشارة العابرة للقوى التي تسلحها إيران في المنطقة، لم يتطرق بايدن الى العلاقات مع إيران، أو استئناف المفاوضات النووية معها. كما لم يتطرق الى النزاعات الدموية الأخرى في المنطقة ومن بينها الحروب التي تخوضها دول إقليمية ودولية في سوريا وليبيا. كما لم يتطرق بايدن الى إسرائيل أو تركيا.
وتوجه بايدن الى حلفاء الولايات المتحدة التقليديين ليؤكد لهم أنه سيسعى لإصلاح العلاقات معهم بدءاً بجيران الولايات المتحدة: كندا والمكسيك، والدول الأوروبية الرئيسية مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا، وحلفاء واشنطن في آسيا مثل اليابان وكوريا الجنوبية، وهي علاقات اتسمت خلال ولاية الرئيس السابق ترامب بالفتور والجفاء وحتى بالتوتر. وركز بايدن على ضرورة استعادة القيادة الأميركية على المستوى الدولي "لمواجهة هذه اللحظة الجديدة لتقدم السلطوية بما فيها الطموحات المتنامية للصين لمنافسة الولايات المتحدة، وتصميم روسيا على إلحاق الأضرار بديموقراطيتنا وعرقلتها".
واتخذ بايدن موقفاً نقدياً قوياً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وطالبه بالإفراج الفوري وغير المشروط عن المعارض الروسي أليكسي نافالني، وقال إنه أوضح لبوتين حين تحدث معه هاتفياً "وبطريقة تختلف جداً عن أسلوب سلفي (ترامب) أن ايام تراجع الولايات المتحدة في وجه نشاطات روسيا العدائية – التدخل في انتخاباتنا، والهجمات الإلكترونية وتسميم مواطنيها – قد انتهت". وتابع محذراً "ولن نتردد في زيادة الثمن الذي ستدفعه روسيا وأن ندافع عن مصالحنا الحيوية وعن شعبنا".
أراد الرئيس بايدن بخطابه أن يقول للعالم، أولاً، إن الديموقراطية الأميركية التي اجتازت امتحاناً صعباً قبل شهر واحد حين اقتحم متطرفون اميركيون مبنى الكابيتول ليقوضوا نتائج الانتخابات الأميركية وسرقتها لصالح الرئيس المهزوم دونالد ترامب، لا تزال مصرّة على دورها القيادي في العالم، وأنه سيسعى الى تعزيز الديموقراطية في الداخل، لكي تواصل الولايات المتحدة دفاعها عن القيم والمؤسسات الديموقراطية في العالم، وأنها ستفعل ذلك بشكل شفاف في الداخل كما في الخارج. وثانياً، انه انتخب من قبل أكثر من 80 مليون أميركي ليقلب تركة سلفه ترامب في الخارج رأساً على عقب.