الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ​مؤتمر عودة السّوريين الى بلادهم: مزحة 

​مؤتمر عودة السّوريين الى بلادهم: مزحة 

17.11.2020
غسان حجار



النهار 
الاثنين 16/11/2020 
 لا يمكن إلقاء اللوم على الآخرين عند كل تعثر أو فشل. هذا تصرّف الضعفاء. لا يواجهون، ولا يتحمّلون المسؤولية، بل يلقونها على غيرهم، كأن لا دور لهم في كل ما يحيط بهم. 
الرئيس السوري بشار الأسد الذي أطل عبر الشاشة في قلب دمشق، في مؤتمر إعادة اللاجئين السوريين الى بلادهم، الذي نظّمته موسكو، الوصيّة الحالية على النظام السوري مع طهران و"حزب الله"، أطل ليقول إن نظامه يرغب في عودة مواطنيه الى وطنهم، لكن ثمة من يحول دون ذلك، وأن أنظمة تستفيد منهم، وتمنعهم من العودة. 
 وهي تهمة طالما تقاذفها لبنانيون قريبون من النظام، فاتّهموا مواطنين لهم بالتمسك بالنازحين السوريين لاستخدامهم، على غرار الفلسطينيين، جيشاً بديلاً يقاتلون به في لبنان. المتهَم "تيار المستقبل" الذي لا يهوى رئيسه سعد الحريري الحروب ولا يقوى عليها. والحريري ذاته يتخوّف من تحوّل مخيمات السوريين أوكاراً لإرهابيين يمنعون قيام الدولة في لبنان، ويعملون على إلغائه قبل غيره، أو تجمعات يستخدمها النظام السوري ساعة يشاء. وإذا كان البعض قد أخذه تفكيره البسيط الى مقاربة كتلك التي يدّعون تبنّيها من البعض، فإن ثمة إجماعاً لاحقاً لدى كل اللبنانيين على أن الأعباء التي يتحملها الاقتصاد اللبناني والخدمات والبنى التحتية أكبر بكثير من المساعدات التي يستفيد منها أيضاً المجتمع المضيف. 
وتحدّث الرئيس السوري في المؤتمر الذي عُقد من دون نتيجة، فقال: "إضافة إلى الضغوط التي يتعرّض لها اللاجئون السوريون في الخارج لمنعهم من العودة، فإن العقوبات الاقتصادية اللاشرعية والحصار الذي يفرضه النظام الأميركي وحلفاؤه تعيق جهود مؤسسات الدولة السورية التي تهدف إلى إعادة تأهيل البنية التحتية للمناطق التي دمّرها الإرهاب، بحيث يمكن اللاجئ العودة والعيش حياة كريمة في ظروف طبيعية". 
إذاً ثمة معوّقات داخلية غير تلك "الضغوط" المحتملة أو المفترضة، فالبنى التحتية غير متوافرة بعد في معظم المناطق التي شهدت قتالاً ومعارك، وبالتالي فإن الخدمات الحياتية من ماء وكهرباء وهاتف، وأيضاً المدارس والمستشفيات، غير مؤمّنة للمواطنين الذين فقد عدد كبير منهم منزله وعمله، وعليه بالتالي أن ينطلق من الصفر إن توافرت ظروف محيطة. 
أضف الى ذلك، أن مسيرة العودة يمكن أن تبدأ من خلال إعادة نحو مليوني سوري نازح داخل بلاده، وتحديداً في الشمال السوري، إذ ليس من أنظمة تعيق تلك العودة كما هو مفترض. وبالتالي فإن حسن النية، والرغبة في إطلاق العودة، يتجسدان في هذه الخطوة.  
في آخر الأرقام التي أصدرتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) أنه بحلول السنة الثامنة من النزاع في سوريا، قدّرت الخسائر الاقتصادية بما يفوق 442 مليار دولار. وهذا الرقم لا يعبّر وحده عن معاناة شعب أصبح 5.6 ملايين منه على الأقل لاجئين، و6.4 ملايين نازحين داخلياً، و6.5 ملايين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، و11.7 مليوناً بحاجة الى شكل من أشكال المساعدة. 
وإذا كان السوري لا يشعر بالأمان للعودة الى مسقطه، في غياب الأمن الاجتماعي والحياتي والاقتصادي، فإن إجراءات الدولة لا تشجّع على العودة. فالشباب الراغب في العودة سيقع في مصيدة التّجنيد الإجباري، ولا يُعفى من تلك الخدمة الإلزامية، إلا مقابل تسديده مبلغ ثمانية آلاف دولار بالعملة الأميركية الورقية، لتغطية النقص في العملات الصعبة. ولكن من أين يتوافر للاجئ وهو يوفر خبزه كفاف يومه، أن يؤمّن هذا المبلغ. ثم إن دخول سوريا في زيارة يتطلب دفع مئة دولار أميركي، ويشاهَد مئات السوريين ينامون عند النقاط الحدودية بعدما مُنعوا من دخول الأراضي السورية قبل تسديد مبلغ غير متوافر.  
في دراسة أعدّها مركز عصام فارس في الجامعة الأميركية، يتبين أن 86 في المئة من اللاجئين يرغبون في العودة. لكني أعتبر النتائج كذبة تسبّب بها السوريون أنفسهم، إذ إنهم يزايدون في إظهار رغبتهم في العودة، فيما أكثرهم لا يرغب في تلك العودة، وهو يخاف بطش النظام، ويتحدث عن عشرات، بل مئات آلاف السجناء والمفقودين، ويخاف كثيرون أن يلقوا المصير نفسه، خصوصاً إذا لم يكونوا من أنصار النظام.  
أمام هذه الوقائع، يصبح مؤتمر العودة مزحة كبيرة، إن لم نقل كذبة إعلامية، ما لم يترافق مع سلسلة خطوات قانونية ومالية واجتماعية تبدأ بعفو عام، وإطلاق السجناء، وإعفاءات مالية، وفتح الحدود مجاناً، وتحرير الشباب من الخدمة الإلزامية، وتقديم حوافز لعودة آمنة، وإذا لم تتحقق هذه الأمور سريعاً، فإن ذلك يؤكد عدم رغبة النظام في هذه العودة التي تشكل عبئاً إضافياً على سورياهم.