الرئيسة \  واحة اللقاء  \  في نقد أطروحة الثورة اليتيمة

في نقد أطروحة الثورة اليتيمة

22.02.2017
حمزة رستناوي


 جيرون
الثلاثاء 21/2/2017
(1)
يؤكّد زياد ماجد على توصيف الصراع الجاري في سوريا بالثورة, لأنّ نفي صفة الثورة عن الصراع يعود برأيه إلى: [ تعريف ” مثالي” للثورة باعتبارها تمرّداً عاماً نبيلاً وسلمياً على نظام ظالم. لكن هذا التعريف منافٍ تماماً لتاريخ الثورات, فالثورات فيها عنف، وفيها انتهازيّون، وفيها تبدّلات في النخب القيادية، وفيها أخطاء، وفيها – حين تكون جذرية كما هي الثورة السورية – إخراج لأحشاء المجتمع بأبهى ما فيه وبأبشع ما فيه أيضاً. الثورة إذاً ما زالت قائمة ومستمرّة، ودخولها الكفاح المسلّح دخول تراجيدي فرضته همجية النظام واستقالة “المجتمع الدولي” من مسؤوليّاته، ولا شكّ أن هكذا دخول يعدّل الكثير من الأمور ويدفع بأمراء حرب الى الواجهة، خاصة حين يطول، ويُتيح للاعبين خارجيّين التدخّل وبناء النفوذ وشراء الولاءات وتصفية الحسابات, وهذا كلّه يجري اليوم في سوريا، لكنّه لا يغيّر من جوهر الصراع مع نظام استبدادي يستعبد الناس، ولا يغيّر من جوهر النظام نفسه ومن فاشيّته التي يترجمها عنفاً مهولاً كل يوم. أمّا الحديث عن سرقة الثورة فلا معنى علمياً له. وإن كان المقصود هو طغيان الإسلاميين وممارساتهم، فالأمر مردّه حضورهم العسكري وقتالهم، وجلّهم من الأرياف السورية وضواحي المدن المهمّشة  أنا أتحدّث هنا بالطبع عن إسلاميي الثورة وليس عن داعش أو عن الجهاديّين الوافدين من الخارج الذين لا علاقة لهم بالقضية السورية, والذين قاتلوا الثورة ونكّلوا ببعض أهلها – لا سيما في الرقة – أكثر بكثير ممّا قاتلوا النظام، المسرور أصلاً بوجودهم [1] انتهى الاقتباس
(2)
تعقيبا على ذلك يُمكن القول:
أ- إنّ نقد التصوّر المثالي في كون الثورة تمرّد نبيل على نظام ظالم هو بالفعل مناف لتاريخ الثورات.
ب- دخول الثورة السورية طور الحرب و الكفاح المسلح ,يتحمّل القسط الأكبر منه سياسات و همجية النظام السوري , بالإضافة الى استقالة ” المجتمع الدولي” هذا صحيح, و لكن ينبغي عدم اهمال دور النخب السورية الموالية للثورة في ذلك, الاجتماعية منها  والدينية والسياسية, و من ثم استسهال و توريط  الكثير منها في حسابات خاطئة , بالإضافة الى ضعف حضور اللا-عنف والنضال السلمي في ثقافة المجتمع السوري ككل بما يشمل السلطة و قوى الثورة / المعارضة. و نجد ملامح  هذا الضعف قبل الثورة مثلا في ظواهر: ما يُسمى بجرائم الشرف – انتشار القبلية العائلية و ثقافة الثأر- استخدام الضرب كأسلوب تربوي – اعجاب فئات واسعة من المجتمع السوري برموز و شخصيات دموية كصدّام حسين مثلا.. الخ. كلّ هذا من دون أن يُنقص مسؤولية السلطة السورية سياسيا و أخلاقيا و قانونيا عن المجازر و انتهاكات حقوق الانسان.
ت- في الواقع  إنّ العنف و الصراع المسلح جزء مهم من صيرورة انتصار غالب الثورات عبر العالم, فإذا كان السؤال عن العنف مطروحا عندئذ ينبغي الحديث عن اقتصاد العنف كحالة اضطرارية, وعن طريقة توظيف العنف سياسا باتجاه تغيير للسلطة و احداث تغيير حيوي في المجتمع.
ث-لا يوجد جوهر ثابت لأي صراع, صحيح أنّ الثورة السورية في أهمّ أبعادها كانت ثورة ضدّ نظام استبدادي متوحش, و لكنّ لم يكن هذا هو البعد الوحيد , منذ البداية كان البعد العقائدي ( الطائفي ) حاضرا في طرفي الصراع, و كذلك البعد القومي ( في الحالة الكردية)  بالإضافة الى حضور أبعاد اجتماعية اقتصادية أخرى. ثمّ إن الثورة- أي ثورة-  قد تبدأ صراعا ضد ( نظام استبدادي جوهراني) و لكنها و عبر صيرورتها تكون مفتوحة على كثير من الاحتمالات, منها تحوّل القوى الثورية / المعارضة نفسها أو بعضها الى ( قوى استبدادية جوهرانية ) تقاتل بعضها أو غيرها, وهذا حاضر إلى حدّ كبير في الحالة السورية,  و منها أيضا امكانية تحوّل في طبيعة السلطة و النظام الحاكم باتجاه أكثر حيوية , و هذا مالم يحدث في الحالة السورية, ولكنّه قد يحدث في حالات أخرى.
(3)
الجدير بالذكر أنّ زياد ماجد كاتب و اكاديمي لبناني نشر كتابا مُهمّا عن الثورة السورية باسم ( سوريا الثورة اليتيمة – 2013[2]
يصف زياد ماجد الثورة السورية باليتيمة , كونها [ لم تحظ منذ انطلاقها بالدعم أو التضامن الكفيلين بنُصرتها، أو على الأقلّ الموازيَين لحجم تضحياتها ولحجم الأهوال التي لحقت بالشعب السوري جراء ردّ النظام وحليفيه الإيراني والروسي عليها, ويكفي أن نقول اليوم إن 130 ألف قتيل وأكثر من 150 ألف معتقل و8 ملايين مهجّر وقصف كيماوي وجوّي وصاروخي وصوَر عن “صناعة الموت” داخل السجون الأسدية، جميعها، لم تحرّك ردود أفعال شعبية وحكومية قضائية وديبلوماسية وعسكرية على قدر المسؤولية في العالم، لنفهم معنى اليُتم ومعنى ترك شعب يواجه آلة قتل شديدة الوحشية وغنيّة التجهيز” وفي تفسير هذا الترك و الموقف الدولي المتفرّج يرى زياد ماجد ” للأمر عدّة أسباب حاولت شرحها في الكتاب. فيها واقع العلاقات الدولية اليوم، وفيها المصالح الإقليمية المتضاربة، وفيها تراجع الاهتمام “الغربي” بالشرق الأوسط، وفيها تقدّم المذهب الثقافوي الذي يحمل في طيّاته عنصرية تجاه منطقتنا ترى في العنف أمراً “عادياً ” في سلوك جماعاتها، وفيها “إسلاموفوبيا ” يكفي أن يقتنع معتنقوها أن الإسلاميين هم بديلٌ لنظام يظنّونه رغم استبداده علمانياً تقدّمياً حتى يتموضعوا  دفاعاً عنه أو حياداً تجاه جرائمه. وفيها أيضاً أتباع “نظريّات المؤامرة” وهم كثر، ويفسّرون العالم بوصفه مجموعة مكائد تقع في مصيدتها شعوبٌ بأكملها [3] انتهى الاقتباس
(4)
تعقيبا على ذلك يُمكن القول:
أ- لاشك بأنّ الثورة السورية وجَدت ظروفا دولية و اقليمية غير مواتية لأسباب تتعلق بتغيرات السياسة الأمريكية عقب خيباتها في أفغانستان و الصومال والعراق و ليبيا وتغيرات في السياسة الدولية عموما. و لكن لنتذكّر بأن فشل السياسات الأمريكية  تجاه أفغانستان و الصومال والعراق و ليبيا قبل الثورة / الحرب السورية لم يقابله نجاحا لهذه الدول و ازدهارا في مجتمعاتها, و ليس بالضرورة أن يكون في ذلك مؤامرة أو سياسة أمريكية مقصودة.
ب- إنّ مفهوم الشعب السوري بحدّ ذاته ملتبس و يحتمل تفسيرات متعدّدة , يمكن وصف ( الشعب السوري) بضحيّة ( النظام السوري) وحليفه الايراني والروسي بحدود معيّنة , لكن لنتذكر بأنّ السوري هو غالبا من كان يقتل السوري ,الشعب السوري كان يقاتل نفسه ويتقاتل مع بعضه,  لم تكن السلطة السورية مفصولة عن أو ضعيفة الارتباط بالشعب السوري , كانت السلطة السورية تتمتع بحاضنة قوية لها في جزء من مجتمعات الشعب السوري لدوافع ولاء طائفي أو منفعي اجتماعي اقتصادي أو بدافع الخوف من التغيير ,حاضنة لم تجد السلطة السورية صعوبة في تحشيدها لقمع الثورة السورية. و هذا أمر متوقع و كثير الحدوث في الثورات , ولا يفضّل مقاربته على طريقة الذمّ و التخوين, ما قصدته هو  تجنّب الوقوع في مطب تبسيط  الثنائية  التقابلية ( سلطة / شعب ) أو ( سلطة / ثورة ) والبحث عن المتشابه في المختلف, و المختلف في المتشابه بينهما, ما قصدتهُ التدقيق في استخدام مصطلح ( الشعب السوري ) عند دراسة وتفسير الظواهر السياسية.
الهوامش
[1] عشرة أسئلة لزياد ماجد حول الثورة اليتيمة, موقع نيو
https://www.now.mmedia.me/lb/ar/10questionsar/53619
[2] سوريا الثورة اليتيمة, زياد ماجد, دار شرق بيروت , 2013
[3] عشرة أسئلة لزياد ماجد حول الثورة اليتيمة, موقع نيو, مرجع سابق.