الرئيسة \  واحة اللقاء  \  في مستقبل "الاتحاد الديمقراطي" وجبهة النصرة

في مستقبل "الاتحاد الديمقراطي" وجبهة النصرة

09.01.2019
عمار ديوب


العربي الجديد
الثلاثاء 8/1/2019
هناك قرارات دولية من مجلس الأمن، واتفاقات إقليمية بين تركيا وروسيا، لتصفية تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجبهة النصرة وحلفائهما الجهاديين. لم تتغير هذه المواقف، على الرغم من محاولات "النصرة" تفاديها؛ فتارةً تغيّر اسمها، وتارة تسمح للقوات التركية بإنشاء نقاط مراقبة في مناطق سيطرتها، وثالثة، تنشِئُ تشكيلات "مؤتمر سوري عام، وحكومة إنقاذ، وجيش الفتح، وإدارة مدنية لمدينة إدلب من فصائل عدّة"، ورابعة تُخلي مناطق واسعة أمام تقدم قوات النظام، وخامسة تلتزم بالتوافقات التركية الروسية وفق تفاهمات واتفاقات أستانة أو سوتشي؛ أقول إن ذلك كله لم يُحوِّلها إلى طرفٍ مقبول لدى الدول المتدخلة في سورية (لم يُشرعنها). مشكلة جبهة النصرة أنّها لم تهتم بالشأن السوري بالمعنى الوطني ومنذ تشكلها، فلم تنضوِ في فصائل الجيش الحر، وقامت بتصفية عشراتٍ من تلك الفصائل، وفرضت سلطتها على كل المناطق التي سيطرت عليها، ورفضت أيّة محاكم، على الرغم من أنّها محاكم شرعية وليست مدنية، لحل المشكلات مع بقية الفصائل، وكذلك أقامت معتقلاتٍ وسجونا تابعة لها، وفي كل منطقة احتلتها، ولا تتوفر أية محاكمات عادلة للمعتقلين. والأسوأ أن أغلبية الذين اعتقلتهم ناشطون مدنيون أو أفراد من فصائل الجيش الحر، وكانوا من أوائل الثوار ضد النظام، ومنهم وثاب عزو والمحامي ياسر السليم. لم تشكل جبهة النصرة جمهورها السوري الواسع، وأغلبية المنضوين لديها أُجبروا على ذلك، لأسبابٍ تتعلق بالحماية من آخرين، أو بسبب رواتب شهريةٍ منتظمةٍ ودقيقة. أما حلفاؤها الحقيقيون فهم من المهاجرين (الحزب الإسلامي التركستاني مثلاً). أما أغلبية الفصائل التي تحالفت معها، فقد فكّت تلك التحالفات.
"جبهة النصرة لم تهتم بالشأن السوري بالمعنى الوطني، ولم تنضوِ في فصائل الجيش الحر"
جبهة النصرة هذه، ولأنها جهادية وأصولية، وتتوهم أن رؤيتها هي الصواب المطلق، فهي ترفض كل توافقٍ سياسيٍّ جديّ مع الآخرين، وترفض حلَّ نفسها، ولا يعنيها أيَّ حلٍّ سياسي، ما لم تكن هي قائدة له. هي نموذج مخفف من "داعش". لم تستفِد أبداً من محاولات المعارضة السورية دفعها لتكون فصيلاً وطنياً، فقد أشاد بها كل من جورج صبرا، وميشيل كيلو، ومعاذ الخطيب، وعشرات القادة السياسيين، ولاقت هوىً لدى بعض السوريين حينما كانوا يتعرّضون لمختلف أشكال الحصار والدمار والقتل.
ستنفّذ القرارات الدولية لا محالة، وكما شملت الاتفاقات التخلص من الفصائل في أغلبية المدن السورية، سيتم التخلص من جبهة النصرة وحزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) ولو بعد حين؛ فقد وصل الوضع السوري إلى مرحلة النهايات، وهناك مشاورات سياسية دقيقة لدراسة الخطوة الأميركية، الانسحاب من شرق سورية، وكيف ستُنفذ، بين كل من تركيا والولايات المتحدة من ناحية وتركيا وروسيا من ناحية أخرى. على كل حال، قرار تصفية كل من جبهة النصرة و"البايادي" (حزب الاتحاد الديمقراطي) يبدو أنّه ما زال موضوعاً للتشاور الإقليمي، أي سيستفيد هذان من حاجة هذه الدول لهما في هذه المرحلة!. وقد أوقفت تركيا عمليتها العسكرية بسبب هذه المحادثات، لكنها وجهت بعض الفصائل التي تعمل تحت إمرتها إلى ريف حلب وإدلب ريف حماه، في خطوةٍ تحذيرية لجبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وضرورة أن تنصاع بشكل كاملٍ للتنسيق الروسي التركي، ويبدو أن هناك تنسيقاً بين تركيا وروسيا وجبهة النصرة على ذلك، وهو ما لم ينشر علنا. سمحت تركيا لجبهة النصرة بتصفية حركة نور الدين الزنكي التي انسحبت بقواتها وعتادها وبشكل غير مبررٍ، وربما تخفي هذه الخطوة هذه توافقاً معيناً مع الحركة نفسها! وهذا لصالح تركيا، حيث هناك قرارات "روسية تركية" بتصفية كل الفصائل التي كانت مدعومة من أميركا أو غير موثوقٍ بها، ولهذا تركت جبهة النصرة تفتك به.
إقليمياً، هناك إعادة علاقات النظام بالنظام الإقليمي، وضرورة فتح كل الطرق بين المدن السورية والمحيط الإقليمي؛ الفصائل المنضوية تحت سيطرة تركيا تتحرّك وفقاً للتوافقات التركية الروسية، وأيضاً قوات "البايادي" تتحرك وفقاً لمشيئة الأميركان بشكل أساسي، وتحاول الاتفاق مع النظام وإيران، لإيجاد اتفاقٍ يشرعنها، ولكن خطوة "البايادي" ما زالت مفتوحة على الاحتمالات كافة؛ فالتصريحات الأميركية والأوروبية المتضاربة تقول إن قوات "البايادي" و"قوات سورية الديموقراطية" ما زالت ضمن الحماية الدولية، ولكن أيضاً هناك إمكانية لتصفيتها، وهذا يتعلق بإنهاء الوضع السوري برمته، وكذلك هي شروط تركيا وروسيا في الوقت نفسه.
الآن، ومع قرار الانسحاب الأميركي، ولا يغير من ذلك المشاورات بصدد ما بعده، وسيطرة الحلف الروسي، والذي يضم تركيا وإيران، على الوضع السوري بشكل كامل، لم يعد ممكناً الاستمرار في الصراعات الإقليمية. وبالتالي، فقدت الأدوات المحلية والمُستقدمة من الخارج مُبرّر وجودها (البايادي وجبهة النصرة، بل والفصائل التي تعمل تحت إمرة الأتراك، وأغلب الظن أن جيش النظام سيُعاد تشكيله) في مرحلةٍ لاحقة. أي أن انتصار جبهة النصرة على حركة الزنكي وبقاء "البايادي" لمرحلة مقبلة لن يغير من حقيقة تصفيتهما لاحقاً؛ فلروسيا وتركيا وأميركا مصالح في سورية وفيما بينها، وتتحقق على جثث السوريين وكل الفصائل المسلحة، والخارجة عن جيش النظام.
"ستفرض الاحتلالات سيطرتها الكاملة على سورية؛ روسيا، وتركيا، وثالثاً إيران وإن بشكل أكثر هامشية"
أفشلت روسيا وتركيا معركة الجبهة الوطنية للتحرير والجيش الوطني ضد هيئة تحرير الشام، وتتجه الأوضاع إلى حسم المعارك لمصلحة السيطرة التركية الروسية على مناطق إدلب وريف حلب الغربي، وفتح الطرق الدولية بين مدن الشمال السوري والعاصمة والدول المحيطة في سورية. تجميد جبهة منبج وشرق الفرات، ولمصلحة التوافقات الدولية، سيُفضي إلى حلٍّ ما، يُنهي بالضرورة كلَّ تهديدٍ للحدود التركية. وبالتالي، هناك تحجيم، إن لم نقل تصفية، لقوات سورية الديموقراطية وقوات حزب الاتحاد الديمقراطي (البايادي)، وهذا سيكون بيد الأتراك أو النظام السوري؛ فالأخير لن يقبل بوجود "استقلال" للحسكة أو القامشلي. "البايادي" و"قوات سورية الديموقراطية" لن يستفيدا كثيراً من المشاورات الدولية بخصوص مستقبلهما، ولن يستفيدا من تجربتهما الخاطئة في التحالف مع النظام، وضد فصائل الثورة، ومع أميركا وضد روسيا وتركيا، وكل محاولاتهما السياسية للمحافظة على قواتهما ستبوء بالفشل، وكل أشكال الوهم عن الفيدرالية، وقواتهما المدعومة أميركياً ستنتهي بشكل كامل. وطبعاً لا مجال لفرضية التوافق مع تركيا، ولا مع فصائل الثورة أو قوى المعارضة. ولهذا كما أخطأت "النصرة" في رفضها الانضواء في المجال الوطني الثوري، وحاربته، وصفّت حركة نور الدين الزنكي أخيرا، كذلك أخطأ "البايادي" في سياساته وتحالفاته.
كل القوى السورية، وبدءاً بالنظام، أخطأت في حساباتها السياسية. ولهذا فنهاية جبهة النصرة، المنتصرة على ريف حلب الغربي ومناطق في إدلب، أصبحت مسألة وقت، وأيضاً "البايادي"، وستكون المعركة المقبلة ضد الفصائل المنضوية تحت الجناح التركي، وحتى النظام سيُعاد تشكيل جيشه وأجهزته الأمنية. وبذلك تفرض الاحتلالات سيطرتها الكاملة على سورية؛ روسيا أولاً، تركيا ثانياً، وثالثاً إيران وإن بشكل أكثر هامشية. وبالتالي: هل بدأت مؤشرات الحل السياسي تقترب أخيراً؟ نأمل ذلك.