الرئيسة \  كتب  \  في طريق الإيمان  : شاعرات مؤمنات !

في طريق الإيمان  : شاعرات مؤمنات !

25.06.2019
تأليف : حسني أدهم جرّار - عرض : يحيى حاج يحيى



يُصدّر المؤلف كتابه بمقدمة ، يقو ل فيها : الأدب الإسلامي أدب إنساني يسمو بعواطف الإنسان ، ويُعبّر عنها بالكلمة الصادقة البنّاءة التي تستند إلى قواعد متينة من التراث الأصيل ، وتتغذى بكنوز البيان العربي الوارد في القرآن الكريم وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .... إنه أدب يحمل رسالة ، ويدافع عن مبدأ ، ويعبر عن آلام الشعوب !والأدب نتاج إنساني عامّ ؛ سواء كتبه رجل أم امرأة طالما يملك المقومات الفنية والأدوات المعبرة ! فالمبدعون رجالا ًونساءً يتفقون غالباً في النشأة والبيئة والمعطيات الثقافية والموروث والدراسة ... ولكن القيم والمضامين قد تبدو هنا بينهما مختلفة ، إذ نجد أن النساء المبدعات يحرصن على التعبير عن قضاياهن بصورة لايجيد التعبير عنها غالباً سوى المرأة ؟!
وقد اختار المؤلف في الكتاب الأول من هذه السلسلة خمس شاعرات من الأردن والجزيرة العربية ومصر والمغرب العربي ، هن : أمينة قطب - إنصاف بخاري - نبيلة الخطيب - أمينة المريني - جوهرة السفاريني
-- الشاعرة : أمينة قطب ، أديبة مصرية وهي شقيقة الكاتبين : سيد قطب ، ومحمد قطب ، وزوجة كمال السنانيري ، وقد خطبها وهو سجين محكوم بالأشغال الشاقة المؤبدة ،فرضيت به ! على أمل أن يخرج قبل انتهاء المدة ، ثم أفرج عنه عام ١٩٧٣، وتم الزواج الذي لم يدم سوى ( ٨) سنوات ، إذ اختطف وأعيد إلى السجن ليلقى الله شهيداً ، وادعى النظام أنه انتحر !؟؟
وقد فجّر هذا الحادث المواجع في نفس الشاعرة ، وماعانته قبل ذلك ،لتحمل قصائدها تجرية نفس مؤمنة ومعاناة قلب عبرت عن ذلك في ديوانها ( مع القافلة ) بالقول : في معركة من تلك المعارك فقد هذا القلبُ الشقيق  الراعي ، وبعض شباب الأسرة المقربين ، ثم كان نصيبي فيها مضاعفاً والحمد لله حين فقدت فيها أيضاً شريك الحياة ) تقو ل في ديوانها ( رسائل إلى شهيد )
كيف الحياةُ إذن ، وكيف أعيشها = في عالم خاوٍ وجِدّ حزين
في القفر أحيا ، والحياة مريرة. = بعد الفراق ، وفي هجير شجوني
هلّا دعوت الله لي كي ألتقي = بركابكم. في جنة الرضوان !
-- أمينة المريني شاعرة نشأت في المغرب العربي بمدينة فاس ، تعلق قلبها بالإسلام ، فأحبت كل مايمت إليه بصلة ، ويثبت عمق الانتماء إليه ! انبثق شعرها عن تصور إسلامي للكون والحياة والإنسان ، ليستو عب الحياة بكل مافيها ،ويتناول قضاياها ومشكلاتها وفق هذا التصور الصحيح !!
شاركت في كثير من المهرجانات واللقاءات الثقافية ، وحازت على جملة جوائز ! ونشرت معظم إنتاجها في المجلات الإسلامية والأدبية المتخصصة ، واشتهرت باسم ؛ فتاة المحيط ، وبرز الحس الإسلامي في قصائدها عبر القضايا المتنوعة بالتركيز على مضامين كبرى توضح عمق التجربة الشعرية لديها ! وتنوع شعرها مابين ديني وإنساني واجتماعي ووطني وسياسي !
لها ديوان بعنوان : ورود من زناتة ، وقصيدة مطولة في موضوع المرأة وديوان (عاشقة) في تمجيد الذات الإلهية !
ياربّ إني قد سألتك نصرة / للمخلصين ومن أطاعك مُسلما !
فامحق مساعي من أراد بأمتي / سوءاً وزده ذلة وهزائما
واملأ فؤاد العالمين هداية / مادمت في الكون العظيم الحاكما !
-- إنصاف بخاري شاعرة نشأت في ربوع مكة المكرمة ، زاحمت الشعراء بالنصوص الشعرية الجيدة ذات التوجه المنضبط الذي يعالج هموم المسلمين ، ويدعو إلى الارتباط بالعقيدة والأخلاق الإسلامية ، ويحدد المسار دون انزلاق أو تطرف أو تأثر بالتيارات الغربية الحديثة ! وهي متعددة النشاط ، لها مشاركات بعدد من المؤسسات الأدبية والثقافية والتربوية والاجتماعية ، لم تتوقف عند غرض معين فكتبت قصائد في الرثاء ، وفي الالتزام بالعقيدة والأخلاق ، وفي حب الوطن وقضايا الأمة ! وشعرها يعكس سائر القضايا الاجتماعية التي يعيشها الأديب المسلم والمرأة المسلمة !
، ويؤكد الأستاذ جرار بأن شعرها يحوي من القيم الفنية والخصائص الشعرية التي تشهد على روح أصالتها وتميز إبداعها ، ويبدو فيه شفافية العصر والتطور اللغوي المنسجم مع صور العصر الحديث !
جاءت وفي العينين همس عاتبٌ / وعلى شفاه الحرف شوق مضرمُ
وكعادة المفضال يسبقها الندى / طيب وبشر والطلاقة تلكم
البر أحسبه ضياء خصالكم. / فإذا نبا عنكم فذاك المأتم
صدر لها عدد من الأعمال الأدبية والأكاديمية ، وديوانها شموخ البوح يضم مايزيد على ستين قصيدة ، يبلغ طول بعضها نحو تسعين بيتاً !
-- جوهرة السفاريني شاعرة فلسطينية معاصرة ، ولدت في ظلال النكبة ، ورضعت من لبانها ، يحمل شعرها هموم القضية الفلسطينية ، وقد قصرته على تجسيد مأساة اللاجئين
بدأ نشاطها الفكري والأدبي في سن مبكرة ، ودخلت المجتمع من خلال الأمسيات الشعرية والمناسبات الوطنية ، وقد جاء شعرها رقيقاً وفياً لوطنها الأول فلسطين ، وحوى ديوانها نداء الأرض ،  قصائد يشرق فيها فجر فلسطين الواعد ، وبشريات الانتفاضة المباركة :
أطفالنا عظماؤنا أسيادنا / أقوى من الأغلال والأطواق !
بدمائهم كتبوا بطولة شعبهم / لم يركعوا إلا إلى الخلّاق !
وصوّر شعرها هموم العرب والمسلمين والمناسبات الإسلامية ، كما صور بطولات الشهداء !
فشاعرتنا - كما أشار المؤلف - صادقة العاطفة والشعور ، طُبع الكثير من شعرها بطابع خطابي ، وماكان منه من شعر التفعيلة أشد حرارة وأوفى إيحاءً ، واستعانت بالرمز لترجمة مشاعرها ! وبالإضافة لديوانيها المذكورين فقد صدر لها ديوان بعنوان : خيول لاتنام .
-- نبيلة الخطيب شاعرة نشأت في ربوع فلسطين ، وعاشت أحداث بلادها ،فسجلتها وأرّخت لها ! اتسم شعرها بالأصالة الفنية والروح الإسلامية الوطنية ، وهي متعددة النشاط ، لها ارتباط في عدد من المؤسسات الأدبية والثقافية ، وقد حازت على الجائزة الأولى في الشعر في مسابقة رابطة الكتاب الأردنيين لعام ١٩٩٥ عن قصيدة : عندما يبكي الأصيل ! وقد كتبت في جميع أغراض الشعر المعروفة ماعدا المديح والهجاء ، ويبرز فيه الوصف والطبيعة الخلابة كما في ديوانها : صبا الباذان .
وكذلك يبرز في شعرها الملمح الإنساني ، وهي تمتلك نفساً طويلاً في كتابة المطولات المشحونة بالجديد ، ولها قدرة على تزويد صورها الشعرية بلغة جديدة ، وقصائدها تطفح بالحكمة والقول الرفيع :
لاتسأل الناس إن أعطوك مافتئوا / منّاً عليك وإن صدوك ما ستروا ؟!
إن هم أساؤوا فحقٌ أن تسامحهم / دون اعتذار وإن أذنبت ماغفروا !،
تغدو حديثاً لهم إن كنت ذا خطإ / وإن أصبت فما اهتموا وما ذكروا !؟
وفي طريق الإيمان شعراء كثيرون ، وشاعرات ! يحدون لركب الإيمان ، وينفحون مشاعر القراء بقوافي الأمل ، فلا الركب يتوقف وإن أبطأ، ولا شعراء الكلمة الطيبة وشعراؤها تكبو قوافيهم ، وهم من الذين استثناهم القرآن في خاتمة سورة الشعراء : إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا.