وكم تندروا في كتب التراث " بمعلم الصبيان " حتى ذهب البعض إلى إسقاط عدالته. وعللوا ذلك بخفة تعتريه نتيجة معاشرته الصبيان . ولكن تناسى هؤلاء كم لمعلم الصبيان من يد فضل ، وسابقة أجر . وما زلت صورة المعلم الذي ختمت في زاويته القرآن ، وأنا ابن ست سنوات تختال في قلبي بجمالها وبهائها ومكانتها ، لم أره يوما كما رآه أصحاب النوادر والأقاصيص ..
ومن تعليم الصبيان نرتقي درجة إلى تعليم " المراهقين والبالغين " على درجات مراسهم ، وهم في أوج شموسهم وحرانهم ، وأول شمهم لآباطهم ...وهنا تسأل أو تتساءل : هل ركبت البحر قط ؟! وهؤلاء المعلمون - ما صلحت نياتهم - هم من المجاهدين الحقيقيين الذين يقارعون وينازلون ولا يكادون يظفرون ...
ثم هناك فريق من أهل العلم اختصوا بتعليم طبقة من العامة يخلطون في تعليمهم بين الترغيب والترهيب ، والزجر والتشجيع ، يقدمون العلم على صحاف الخشية لقوم ما تحلقوا حولهم إلا لحب سابق واحترام سابغ فيأتي تعليمهم سهلا ناعما رفيقا فهؤلاء يعطون ويأخذون ، يقومون بدور ، ويستثمرون ما حسن ما بينهم وبين مولاهم في خير ..
ثم تتلوى أمام عينيك طبقة ثالثة اختصت بتعليم أصحاب الأهواء فكان فيها من هلك وأهلك ، وكان فيها من نجا وما نجا فرمي بالصخور الصلاب ورجم من قريب وبعيد..
أما الذين هلكوا وأهلكوا ..
فأولئك الذين استثمروا في غلو أصحاب الغلو ، وفي تفريط أصحاب التفريط ، إن جلسوا إلى مكفّر قالوا : نحن لا نكفر فقط وإنما نكفر من لا يكفر . وإن جلسوا إلى محدود حدوا ، أو مجدود جدوا ، وبعضهم خطب وبعضهم انتدى وبعضهم كتب .. يسومون نعاما ، ويرعون سواما ، وييزيدون ضغثا على إبالة ، ويلقون نفطا على هشيم ..
وأما الذين نجوا وما نجوا ..فأولئك الذين نادوا على الناس : أيها الناس اربعوا على أنفسكم .. أيها الناس ليس الطريق هنالك .. أيها الناس الحق الحق أقول لكم .. أيها الناس قلبوا القول ثم إذا شئتم ردوه ، إن كانت قضيتكم بنت الشرع فا جعلوا مردكم إليه وما زالت شريعتكم محجة بيضاء ليلها كنهارها ، وإن كانت قضيتكم بنت العقل فإلى عقول عقلائكم يكون حكمكم ..
فنجا بما قال .. وما نجا من ألسنة حداد ، تظل تختبئ وراء متاريس الحمية والهوى حتى قيل أو ظُن أنه : هوى ..
ثم وعالم أنيق رقيق اختص بتعليم العلماء ، وخطاب الفضلاء ، ومجالسة النبلاء فذاك الذي ... عدت عيناه عمن قيل فيهم : ولا تعدُ عيناك ..
لندن : 10 محرم / 1441
9/9 / 2019
--------------
*مدير مركز الشرق العربي