الرئيسة \  واحة اللقاء  \  في ضرورة مؤتمر وطني سوري

في ضرورة مؤتمر وطني سوري

11.01.2017
صلاح بدر الدين


العربي الجديد
الثلاثاء 10/1/2017
قبل كل شيء، ومن دون تعقيدات وألغاز، علينا طرح التساؤلات: لماذا هذا المؤتمر؟ ولماذا ازدياد الدعوة إليه الآن؟ ولماذا انضمام بعضهم إليها من مسؤولي كيانات المعارضة السورية، وخصوصا المجلس الوطني و"الائتلاف" متأخرين خمس سنوات؟ وهل المؤتمر المنشود من أجل تصحيح مسار وأداء من فشل وأخفق وأضرّ بالثورة والقضية، وإعادة إنتاج الشخوص نفسها المسؤولة عن الهزيمة تحت عنوان "المؤتمر الوطني" من دون قيامهم (وهو أضعف الإيمان) بمراجعةٍ في العمق، وتشخيص مكامن الخطيئة والانحراف، ومن ثم الاعتذار للسوريين؟ ثم هل ستكون وظيفة المؤتمر العتيد بمثابة إعادة الاعتبار للفاشلين أم منصة لمساءلتهم، وترميماً لما هدموه؟ وتاليا هل سيكون على غرار الاجتماعات والمؤتمرات السابقة مدفوعة الثمن السياسي المسبق من إحدى الجهات الداعمة، ومقرّرة سلفا من سيقود، ومن سينتخب، ومن سيعيّن؟ وهل سيرسم لهذ المؤتمر القفز فوق العملية التقييمية النقدية الشاملة للعامل الذاتي الضعيف الهش، على صعيد من تصدّروا الثورة والمعارضة من مدنيين وعسكريين ومقاتلين، وادّعوا "التمثيل الشرعي والوحيد" أو تفادي الوقوف العلمي الواقعي على تعقيدات العامل الموضوعي، بما يحمل ذلك من تأنيب لضمائر "أصدقاء الشعب السوري" وعتاب للنظام العربي الرسمي، وتحميلهم جميعا جزءاً من مسؤولية الأزمة الراهنة؟ وغير ذلك من تساؤلات عديدة.
سيبقى أي عمل بخصوص المؤتمرات واللقاءات الوطنية السورية قاصراً، وقد يكون مضرّاً كما أرى، إذا لم ينطلق من مفهوم المراجعة العميقة النقدية الشاملة للانتكاسة التي يجب الاعتراف بحصولها للثورة، وإخفاق المعارضة التي تتحمل المسؤولية الرئيسية، والإيمان بوجوب إعادة بناء الثورة وهيكلة جسمها وعمودها الفقري المتقطع، وأقصد ما تبقى من الجيش الحر والحراك الثوري العام، وصولاً إلى صياغة البرنامج السياسي الجديد المناسب المتوافق عليه، وانتهاء باختيار مجلس سياسي – عسكري مجرّب وذي كفاءة.
سيبقى أي عملٍ في هذا الاتجاه ناقصاً، بل مبتوراً، إذا لم يستند إلى حقائق تاريخية، رافقت الأيام الأولى لاندلاع الانتفاضة الثورية السلمية السورية، وأولها أن المجلس الوطني السوري لم ينشأ بطريقة ديمقرطية سليمة، وخضع للآيديولوجيا الحزبية، وألبسوه طربوشاً إسلامياً، ليكون عنواناً زائفاً للمجتمع السوري متعدّد الأقوام والأديان، ما أثار الريبة والخوف وحرمان
"أي عمل صوب تحقيق المؤتمر الوطني السوري يجب حتى يكون ناجحاً أن لا يتصدّره المسؤولون في المجلس الوطني السوري والائتلاف والمجلس الوطني الكردي وسائر تشكيلات المعارضة الوطنية" المعارضة من قطاعاتٍ واسعة من مختلف الأقوام والأديان والمذاهب، كما قدّم ذلك هديةً على طبقٍ من ذهب لنظام الاستبداد الذي استغل ذلك، ونجح في الإساءة للثورة، وتشويه صورتها أمام المجتمع الدولي.
سيبقى أي عمل قادم بخصوص المؤتمر الوطني دون المستوى إن تجاهل أمرا آخر، وهو أن سبب الهزيمة أن "المجلس" و"الائتلاف" والمعارضات كلها والثوار، اتفقوا على إسقاط النظام واختلفوا على النظام البديل، كما يروج ذلك بعضهم، والحقيقة أن المعارضات بدون استثناء لم تكن مع إسقاط النظام كمؤسسات أمنية وعسكرية وإدارية وحزبية ذات قاعدة اقتصادية واجتماعية وخطاب، فقد رضيت علناً ومواربةً بالتحاور مع النظام والعمل معه، ووقعت على اتفاقيات وبيانات جنيف وفيينا وغيرها التي نصت على الحفاظ على مؤسسات النظام، وقد أخفت المعارضة (الائتلاف والهيئة العليا) خطيئتها بالتركيز على رحيل الأسد، وكأن رحيله سيزيل كل مؤسسات النظام التي تتأسس وتترسخ منذ عقود.
أما بشأن البديل عن الاستبداد، فلم يكن هناك سبب للاختلاف، حتى بداية 2012، وكنا، نحن الوطنيين، نرى أن الأولوية لإسقاط النظام، من دون طرح ما نؤمن به من نظامٍ قادمٍ وتفاصيله وأسسه، وذلك درءاً لأي خلاف بين صفوف الثوار والمعارضين، ولكن جماعات الإسلام السياسي هي من بدأت بتعميم الشعارات وبثها، ومنها استفزازية، لحوالي نصف المجتمع السوري، كما رفعت الرايات السود، وتردّد، من مطلعين عديدين، أن جماعة الإخوان المسلمين السورية كانت ترسل عاملين فنيين مع آلات التصوير، مكلفين بترديد شعاراتها مع تصوير نشاطات المحتجين ومقاومة الثوار في الميدان، وذلك كعمل دعائي حزبي صرف.
أي عمل صوب تحقيق المؤتمر الوطني السوري يجب حتى يكون ناجحاً أن لا يتصدّره المسؤولون في المجلس الوطني السوري والائتلاف والمجلس الوطني الكردي وسائر تشكيلات المعارضة الوطنية، لأنهم فشلوا وأضرّوا، ويتحملون المسؤولية التاريخية، وعليهم الاعتراف بذلك أمام الشعب. وبإمكانهم دعم المشروع عن بعد إن أرادوا، والدور الأساسي يجب أن يكون للمستقلين، وتنسيقيات الشباب وحراكهم ومنظمات المجتمع المدني، مضافاً إليهم الثوار الديمقراطيون، وخصوصا ما تبقى من تشكيلات الجيش الحر وأفراده.
هناك وطنيون مستقلون كثيرون، وكنت من بينهم، بدأنا بطرح فكرة المؤتمرالوطني السوري الجامع منذ بدايات 2013، من أجل إعادة بناء صفوف الثورة وتعزيزها، والحفاظ على وجهها الوطني ومضمونها الديمقراطي وأهدافها النبيلة، وصيانة قدرات الجيش الحر وتعزيز وجوده وقدراته عموداً فقرياً، لتحقيق المشروع الوطني في تحقيق الحرية والكرامة والتغيير، وصولاً إلى سورية الجديدة التعدّدية التشاركية، ولكننا جوبهنا من كيانات المعارضة بشتى أنواع الضغط السياسي والتشهير والتشكيك. والآن، لن نبادلهم الأمر بالمثل، بل نقول لهم بهدوء: ارفعوا أيديكم ووصايتكم عن مشروع المؤتمر الوطني السوري الجامع.
نجاح المؤتمر المنشود متوقف على جدية اختيار اللجنة التحضيرية التي من المفيد أن تعبّر عملياً عن مختلف المكونات والتيارات السياسية المؤمنة بالثورة، وأن يغلب عليها العنصر الشبابي من النساء والرجال، ومطعمة بمناضلين وطنيين نزيهين، خبرتهم سنوات في مواجهة نظام الاستبداد.