الرئيسة \  واحة اللقاء  \  في العام الـ11 لثورتهم .. هل يفلح السوريون في حل أزمتهم بأيديهم؟

في العام الـ11 لثورتهم .. هل يفلح السوريون في حل أزمتهم بأيديهم؟

24.03.2021
محمود عثمان



الأناضول 
الثلاثاء 23/3/2021 
تدخل الثورة السورية عامها الحادي عشر، مخلفة وراءها عقدا زمنيا من الحرب الطاحنة، والمآسي والموت والخراب والدمار، تسبب بها نظام بشار الأسد، الذي لجأ منذ البداية إلى خيار الحسم العسكري، ليحوّل الثورة السلمية إلى حرب. 
تلك الحرب حصدت أرواح مئات الآلاف من المدنيين بمساعدة روسيا وإيران، وحولت أكثر من نصف الشعب السوري إلى نازحين ولاجئين، إضافة إلى مآسي القتل والدمار والاعتقال. 
وأدت سيطرة التنظيمات الإرهابية على مساحة واسعة من البلاد، مثل تنظيم "داعش" الإرهابي، وتنظيم "ي ب ك/بي كا كا" الإرهابي، بالإضافة إلى عديد من التنظيمات التي اتخذت من التشدد عباءة لها باسم الثورة، إلى زيادة معاناة المدنيين السوريين. 
لكن النظام السوري وداعميه كانوا الأكثر قتلا وفتكا، فقد قام الروس، بعد تدخُّلهم العسكري عام 2015 ، بقصف المدنيين واستهدافهم في المخيمات والمدارس والمشافي و المساجد ودور العبادة، وكذلك فعل الإيرانيون بواسطة المليشيات الطائفية التي جاءوا بها من أقطار شتى، بالإضافة لعناصر حزب الله اللبناني، ليكون لكل من تلك الجهات مجزرة خاصة بها، بحق المدنيين السوريين. 
انطلقت أول مظاهرة ضد النظام بالعاصمة دمشق في 15 مارس/آذار 2011، ضمت عشرات الناشطين، سرعان ما تفرقت مع ملاحقة قوات الأمن لها، ثم تبعتها مظاهرة كبرى في درعا خلال الـ18 من الشهر ذاته، بعد أن قامت قوات الأمن باعتقال وتعذيب أطفال كتبوا عبارات مناهضة للنظام على جدران مدرستهم، ثم إهانة ذويهم الذين قدموا للمطالبة بإطلاق سراحهم، من قبل رئيس فرع المخابرات عاطف نجيب ابن خالة بشار الأسد. 
اختار بشار الأسد السير في ركاب إيران، التي دعمته ودفعته إلى إغراق الساحة بالمتطرفين لكي يقدم الدليل على أن ما يحدث ليس ثورة شعبية، بل حركة تمرد إرهابية. 
القوى الدولية هي الأخرى فتحت المجال أمام التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود مثل "القاعدة" و "داعش" وأخواتها، ليتلاشى البعد الوطني للثورة السورية، وتصبح معادلة الصراع بين نظام حكم علماني وبين خلافة إسلامية ذات طابع إرهابي. 
** الرصاص في مواجهة المظاهرات السلمية 
واجه النظام، الحراك الشعبي السلمي بالقمع والقتل والاعتقال والتعذيب الوحشي، وقابل احتجاجات درعا السلمية بإطلاق الرصاص الحي على صدور المتظاهرين مباشرة، وفعل الشيء ذاته ضد المظاهرات السلمية في بقية المدن. 
بدأت الاشتباكات بين قوات النظام والمعارضة المسلحة التي انضوت تحت مسمى "الجيش السوري الحر" مطلع عام 2012، أي بعد ما يقارب 9 أشهر من بدء المظاهرات السلمية، وذلك رداً على استخدام الأسد لآلة القتل الوحشية. 
خلال السنوات العشر الماضية، ارتكب النظام وحلفاؤه جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، تعددت صورها، من استخدام للسلاح الكيماوي واتباع سياسة التجويع، والتهجير القسري والحصار والاعتقال التعسفي، والتعذيب، وصولا إلى القتل الممنهج والمتعمد لمئات الآلاف من المدنيين. 
كل ذلك موثق في تقارير الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية لحقوق الانسان، أشهرها تقرير "قيصر"، الذي دفع الإدارة الأمريكية لإقرار قانون عقوبات بحق النظام وداعميه، سمي بنفس الاسم، "قانون قيصر". 
يقول رئيس "اللجنة المستقلة من أجل العدالة الدولية والمحاسبة"، ستيفن راب، إن منظمته تملك أكثر من 900 ألف وثيقة حكومية هُربت، فيها أدلة تفضح ممارسات نظام الأسد والانتهاكات التي ارتكبها خلال السنوات العشر الماضية. 
وكان اسم رئيس النظام في سوريا بشار الأسد موجودا في التقارير الموثقة التي حصلت فيها الانتهاكات ضد الشعب السوري، ما يدل على أن الأسد كان ينظم هذه الاستراتيجية. 
والأدلة الموثقة ضد الأسد وأعوانه “بحسب راب” أفضل مما وجد من أدلة ضد ميلوسوفيتش في يوغوسلافيا، أو ضد النازيين في "نورمبرج"، لأن النازيين لم يلتقطوا صورا فردية لكل من ضحاياهم مع معلومات تعريفية عنهم. 
**مأساة إنسانية غير مسبوقة 
أصدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، تقريرين منفصلين، ذكرتا فيهما إحصائياتٍ تبيّن حجم الضرر الذي لحق بالسوريين عموما، وبالأطفال السوريين خصوصا، خلال السنوات العشر الأخيرة. 
ويقول التقريران الأمميان: 
نحو 5 ملايين طفل ولدوا في سوريا منذ بدء النزاع لم يعرفوا أبداً أوقات السلم، بينما ولد مليون طفل سوري كلاجئين في البلدان المجاورة. 
13 مليونا من السوريين أجبروا على الفرار من ديارهم في السنوات العشر الماضية، وهذا يشكل أكثر من 60 بالمئة من نسبة السكان، منهم 6.6 مليون لاجئ سوري، يشكلون ربع إجمالي عدد اللاجئين في العالم. وهناك 7 ملايين سوري نازحون بالبلاد، وهو أكبر عدد للنازحين عالميا. 
تستضيف دول المنطقة غالبية اللاجئين السوريين، وفي مقدمتها تركيا التي تستضيف العدد الأكبر منهم، تليها لبنان والأردن والعراق ومصر. كما يوجد في أوروبا ما يزيد على مليون لاجئ، بينما ينتشر اللاجئون المتبقون في أنحاء أخرى من إفريقيا. 
13.4 مليون سوري بحاجة للمساعدة الطارئة المنقذة للحياة. 
يضطر غالبية أطفال اللاجئين السوريون للعمل 12 ساعة يوميا من أجل إعالة أسرهم. 
تم التحقق من مقتل أو إصابة ما يقرب من 12 ألف طفل، وتجنيد أكثر من 5.700 آخرين للقتال، بعضهم لا تزيد أعمارهم عن سبع سنوات. 
حوالي 90 بالمئة من الأطفال يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية، بزيادة بلغت نسبتها 20 بالمئة في العام الماضي وحده. 
أكثر من نصف مليون طفل دون سن الخامسة يعانون من “التقزم” نتيجة سوء التغذية. 
2.45 مليون طفل في سوريا و750 ألف طفل سوري إضافي في الدول المجاورة، لا يذهبون إلى المدرسة، 40 بالمئة منهم من الفتيات. 
وزير التنمية الألماني غيرد مولر، لخص معاناة السوريين ومأساتهم بقوله : "سوريا أكبر مأساة في القرن الحالي". 
** مع تمام العقد.. الثورة السورية تجدد العهد 
تشهد سوريا في كافة مدنها وأريافها، بما فيها مناطق سيطرة النظام، مظاهرات غير مسبوقة، احتفاء بذكرى الثورة، وتعبيراً عن وحدة السوريين وتلاحمهم وإصرارهم على المضي قدما حتى تحقيق أهداف الثورة، بإسقاط نظام الاستبداد، وبناء دولة الحرية والعدالة والنهضة. 
وتبدو الثورة السورية وهي تدخل عامها الحادي عشر، أكثر إصراراً على تحقيق أهدافها في إنهاء سلطة الاستبداد والجريمة، وطرد الإرهاب وقوات الاحتلال الروسية والإيرانية وميليشياتها، والعمل على صياغة عقد وطني، تكون فيه سوريا لكل أبنائها. 
يفتخر السوريون بصمودهم أمام قوى عظمى ودول إقليمية، صمدوا أمام روسيا وإيران، و"حزب الله" اللبناني والميليشيات الشيعية العراقية والأفغانية وغيرها التي تعد بالآلاف، وصمدوا أمام نظام الأسد و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) وتنظيم "داعش"، بالرغم من أن سلاح الجيش السوري الحر، لا يتعدى الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وبعض صواريخ "غراد"، وصواريخ وقذائف محلية الصنع. 
رغم المأساة الإنسانية، وضريبة الحرب الثقيلة، ما زال السوريون يعيشون الحلم ذاته، يوم انطلقوا قبل عشرة أعوام مطالبين بحريتهم وكرامتهم. 
** تحولات المشهد السياسي 
شهدت الساحة السورية خلال الأعوام العشرة الماضية سلسلة من التحولات السياسية والمتغيرات الميدانية، بتأثير العوامل الخارجية والفواعل الدولية والإقليمية، جعلت طرفي الصراع، نظام الأسد والمعارضة، الحلقة الأضعف في آلية القرار السوري، فتحول السوريون إلى مجرد عامل ثانوي مكمل للمشهد لا أكثر. 
لا يزال الصراع على سوريا هو من يتحكم بمسار العلاقات الإقليمية والدولية، وما تؤول إليه سواء من نزاعات أو توافقات، ولا تزال الأزمة السورية عصية على الحل، نظرا إلى ارتقائها إلى مستوى الصراع الوجودي بالنسبة إلى البعض، وبسبب مردودها الجيوسياسي بالنسبة إلى البعض الآخر. 
ثمة فرصة للحل السياسي لأكثر من قضية ساخنة ومنها سوريا، بدأت تظهر إرهاصاتها مع النهج الجديد لإدارة الرئيس الأمريكي بايدن. رأينا ذلك من خلال التطورات الإيجابية في ليبيا واليمن، ولن تكون الأزمة السورية بمعزل عن هذه التطورات. 
** فشل الروس في الملف السوري 
فشل الروس في إتمام عمليات المصالحة التي قادوها بأنفسهم، وفشلوا في لعب دور فاعل في إدارة عملية السلم الأهلي، وفشلوا في وقف الانهيار الاقتصادي لحليفهم نظام الأسد، وفشلوا في لعب دور الوسيط بين إيران وإسرائيل، كما فشلوا في لعب دور الوسيط بين تركيا ونظام الأسد. 
نسف الروس كل أدوات الحل السياسي في سوريا، فوصل مسار أستانة إلى نقطة النهاية بسبب تعنت موسكو، وأصبحت لقاءات اللجنة الدستورية، التي جمعت هيئة المفاوضات بالنظام، مجرد عملية عبثية فارغة المضمون عديمة النتائج. 
بات الأمريكيون والأوروبيون يعتبرون مسار أستانة واللجنة الدستورية بلا قيمة سياسية، بينما الروس يصرون على استمراره، حتى وهو بدون نتائج. 
لا زال نظام الأسد يشتري المزيد الوقت من أجل إجراء انتخابات صورية، فيما الإيرانيون يدفعونه إلى المزيد من الغرق في الوحل، دون أن يقدموا له طوق النجاة، لإخراجه من حالة الإفلاس الاقتصادي. 
في ظل هذا الوضع المعقد والمتشابك، لا تخلو الساحة من تسريبات وسيناريوهات تتناول أنماطا للحل على صعيد الأزمة السورية، من تشكيل مجالس عسكرية، إلى هيئات مختلطة على الطريقة السودانية، إلى غير ذلك من السيناريوهات. 
آخرها ما نقله موقع صحيفة “إيلاف” عن مصدر كبير، لم يسمه، ان اجتماعا عقد في مدينة العقبة الأردنية ضم قادة الأجهزة الأمنية في عدة دول، وتم بحث الوضع السوري، وسبل إعادة اللاجئين إلى ديارهم وإجراء تغييرات جذرية على النظام السياسي في سوريا، وإقامة مجلس عسكري أعلى، يترأسه شخص مقبول من جميع الأطراف. 
لكن لا بد من التأكيد على أن جميع هذه الطروحات، تبقى مجرد خيالات وتسريبات وبالونات اختبار، لا رصيد لها سياسيا، ما لم تتبناها دول وأطراف مؤثرة بشكل رسمي. 
** فرص الحل في سوريا 
الحقيقة التي لا تقبل الشك في المشهد السوري، هي انتهاء حكم عائلة الأسد في سوريا أمريكيا وأوربيا، وكافة الجهود التي يبذلها الروس وبعض الأنظمة العربية، لن تفلح في إعادة إنتاج نظام فقد صلاحيته ومقومات ومبررات وجوده. 
من المبكر لأوانه الحديث عن حل قريب في سوريا، في ظل غياب أجندة قابلة للتطبيق بخصوص المرحلة الانتقالية، لأن الذين يتحركون في الساحة حاليا، ليسوا هم الفاعلين الأساسيين. 
رغم الاستفزازات الروسية المتكررة، فإن المعطيات الميدانية تشير إلى أن الصراع العسكري الخشن، قد شارف على نهايته، وأن مرحلة الانتقال السياسي حان وقتها، إذا أحسن السوريون قراءة المشهد الدولي، وبنوا خطواتهم بموجبه، والأهم من ذلك كله، وضع أساس للحوار السوري السوري. 
آن الأوان لأن يستعيد السوريون زمام المبادرة، فيطرحوا رؤيتهم الذاتية للحل بعيدا عن إملاءات القوى الإقليمية والدولية. 
بعد عقد من الحرب، آن لكل طرف سوري أن يدرك بأنه لن يتمكن من القضاء على خصمه وإقصائه من الساحة، وأن جميع مكونات الشعب السوري، ما عدا الأسد وزمرته، يجب أن تأخذ مكانها في هذا الحوار، دون أية اشتراطات مسبقة. 
سوريا بجميع مكوناتها مهددة بالفناء والاستنزاف الدائم، ما لم يبادر العقلاء من كل الأطراف إلى الجلوس على طاولة الحوار. 
من السذاجة والغباء بمكان، انتظار سقوط الخصم لأي سبب من الأسباب، لأن الجميع لديه من يقف خلفه ويمنعه من السقوط. 
سوريا بأمس الحاجة إلى لقاء حقيقي من مكونين أساسيين، المكون السني، والمكون العلوي، وما لم يتم الحوار الجدي بينهما، فإن أمد الحرب ستستمر أعواما طويلة، دون غالب ولا مغلوب. 
هذان المكونان، ثم بقية المكونات، هما من تقع على عاتقهما وضع نهاية لمعاناة السوريين جميعا. 
هذان المكونان، إذا نجحا في الاتفاق على الخطوط العريضة للحل، وما ذلك بمستحيل، فإن جميع الأطراف المحلية والإقليمية والدولية سوف ترحب بهذا الاتفاق، وتساعد على تطبيقه. 
ها هو النظام راهن على الروس وأستانة ولم يحصد منها شيئا، وكذلك المعارضة عولت على جنيف وقرارات الأمم المتحدة، دون أن تحصل على نتيجة تذكر. 
بقي أمام السوريين خيار واحد، أن يلتقوا ويناقشوا ويتفقوا، ويخرجوا للعالم بصيغة توافقية، لا تميت الذئب ولا تفني الغنم. 
وهذا ليس بمستحيل.. فهل يفعلون؟