الرئيسة \  واحة اللقاء  \  في أن العالم يتغير جذرياً.. وأن العرب لا يُصدقون ذلك

في أن العالم يتغير جذرياً.. وأن العرب لا يُصدقون ذلك

12.12.2016
وائل مرزا


المدينة
الاحد 11/12/2016
في أن العالم يتغير جذرياً.. وأن العرب لايُصدقون ذلك من الديمقراطية إلى الليبرالية، مروراً بالحداثة، يصعب أن تجد عربياً يعيش في هذا العالم اليوم، ولايعتقد أن هذه المفاهيم والأنظمة المتولدة عنها، والتي تحكم معظم الاجتماع البشري الدولي الراهن، تمثل حتميةً تاريخية لامهرب منها. قد يكون البعض على قناعةٍ كاملةٍ بها، وربما يرفضها آخرون بشكلٍ مُطلق، لكنها تبقى في الخلفية الذهنية للجميع (الوضعَ الطبيعي) الذي وُلدوا جميعاً وهو موجود، والأرجحُ، في ظنهم، أنه سيبقى كما هو عند مغادرتهم هذه الحياة.
بمعنىً من المعاني، نوضحه بعد قليل، تُظهر أحداث العالم ووقائعهُ، وبشكلٍ متزايدٍ وسريع، أن المقولة السابقة تُجانبُ الصواب. وأن هذه الأنظمة التي وُجدت وتطورت منذ قرابة قرنين من الزمان تتعرض لهزاتٍ عنيفة على الصعيد العملي، تَدفع جموعاً من الباحثين والمفكرين والخبراء لمُراجعات كبيرة في أصولها النظرية، بما يؤدي إلى النتيجة التي نتحدث عنها: العالم يتغير، وهو يتغير بشكلٍ شاملٍ وسريعٍ وعميق.
لكن العرب لايصدقون. نتحدث عن التصديق، ليس بمعنى الموافقة على التحليل نظرياً، وإنما بمعنى وجود (أو غياب) الفعل البشري الذي يؤكد، وَحده، إيمان الإنسان بأي حقيقةٍ من حقائق الحياة.
نعم. ثمة، في العرب، مَن (يشمت)، بالغرب تحديداً، بدعوى أنه مَن (اخترع) هذه الأنظمة، وهاهو اليوم "يقع في شر أعماله". وهناك، بالتأكيد، من ينظر إلى ما يجري في العالم، من فوضى، ببهجةٍ وسرور على أساس أنها ستقوم بالواجب بدلاً عنا كعرب، فتنتقم مما فعله هذا العالم بنا، أخيراً. وتوجد حتماً شرائح تعود إليها مشاعر الثقة واليقين، بعد أن تزعزعت طويلاً، باعتبار أن الواقع يُثبت ماكانوا يرددونه منذ زمن بأن ما لديهم هو الحل، بغض النظر عن حقيقة أنهم لم يفعلوا شيئاً سوى ذلك التكرار.
هكذا، وفيما عدا التعامل مع متغيرات العالم الحساسة من مدخل المشاعر والأحاسيس والعواطف والأحكام العامة والفوقية، لايقوم العرب بممارسةٍ عمليةٍ إراديةٍ واعية تُظهر إدراكهم بأن العالم يتغير، وبطبيعة هذا التغيير، وبتأثيره الخطير على وجودهم، فضلاً عن أي اهتمامٍ بأن يكون لهم دورٌ وقولٌ فيه.
بالمقابل، يكاد يكون من المستحيل حصر أدبيات (الآخرين) التي تتحدث عن التغيير في جميع مجالاته ومساراته، وعن التغيير الحاصل في الأنظمة المذكورة أعلاه تحديداً (الحداثة، الليبرالية، الديمقراطية). نضرب بضعة أمثلة من الأسابيع القليلة الماضية فقط. فقد نشرت صحيفة The New Yorker العريقة مقالاً بعنوان: "هل نحن حقاً حداثيون / متمدنون جداً؟" يَشرح فيه آدم كيرش، الأستاذ في جامعة كولومبيا الأمريكية، كيف أن البشر اليوم مهمومون بنفس الأسئلة التي كانت تشغل بال الفلاسفة والمفكرين منذ قرنٍ وقرنين، بغض النظر عن كل مظاهر الإنجاز التقني المعاصر.
أما مجلة (السياسة الخارجية / Foreign Policy) فإنها تُعنون موضوعها الرئيس على الشكل التالي: "انهيار النظام الليبرالي العالمي". وفيه يقول ستيفن والت، الأستاذ في جامعة هارفارد: "يدخلُ العالم مرحلةً باتت فيها ديمقراطياتٌ كانت راسخة وقوية، في يومٍ مضى، هشةً وضعيفةً الآن. هذا هو الوقت لننظر فيما جرى من أخطاء".
وفي نفس الإطار، تنشر مجلة (شؤون خارجية / Foreign Affairs) مقالها الأساسي بعنوان: "كيف تنهارُ الديمقراطيات: لماذا تصبح الشعبوية طريقاً إلى الاستبداد والدكتاتورية؟". في المقال الذي عملت عليه كلٌ من أندريا كيندل تيلور، الخبيرة في مجلس الاستخبارات القومي، وإيريكا فرانتز، أستاذة العلوم السياسية في جامعة ميتشيغان، تُعرضُ إحصاءات تُظهر كيفية تحول 44% من الأنظمة الاستبدادية (الجزئية) إلى نُظم ديكتاتورية كلية بين عامي 1999-1946، ثم كيف زادت تلك النسبة إلى 75% بين عامي 2010-2000.
وأخيراً، هاهو مركز كارنيجي للدراسات، الشهير جداً في العالم العربي، يقيم مؤتمراً، وفي بيروت، بعنوان: "نظامٌ عالمي في طور التفكك: آفاق العام 2017".
العالم يتغير جذرياً. والأمريكان يقولون ذلك. ما ألطف الأقدار. قد يُصدق العرب تلك الحقيقة الآن