الرئيسة \  قطوف وتأملات  \  فيما يشجر بين الناس من خلاف .. دوائر .. ومراجع

فيما يشجر بين الناس من خلاف .. دوائر .. ومراجع

02.04.2020
زهير سالم




وتأملت الخلاف الذي يشجر بين الناس فرأيته يتحدد عموما في أربع دوائر ، ولكل دائرة في حسم الاختلاف فيها قواعدها ، ومرجعيتها . ولو ثاب الناس إليها في حل خلافاتهم  لثابوا إلى عقل ورشد .
الدائرة الأولى فيما يشجر من خلاف بين الناس  :
 في الاختلاف العلمي ، ومرجعها مظانها في كتب العلم . ولكل علم ثقاته . وفي العلم مجمع عليه ومختلف فيه . فالأول أول . والمختلف فيه يسع الآخر فيه ما وسع الأول . والعلوم فيها علوم للدين وعلوم للدنيا فكما الأصول علم والفقه علم ، فكذا الفيزياء علم والكيمياء علم . وقد فوض رسول الله للناس شؤون دنياهم فقال " أنتم أعلم بأمور دنياكم " وخص علم الشريعة فيما يبلغه عن مولاه .  وقول الأثبات في كل علم مرجع . ومن أبى ذلك فصاحب هوى ، لا يسمع منه ، ولا يصغى إليه وإن ادعى ..ولا يبغي فريق على فريق . وقال فقهاؤنا في كتب المتون " ومن تطبب وهو لا يحسن الطب فهو ضامن " ضامن لما يتلف ، أو لما يتسبب به من أذى ، ويظل يجلس على العرندس ويقول لك : تحصن من كورونا بصلاة عاشوراء !! ولكل قوم رادود . والقصاص الذين طردهم سيدنا علي رضي الله عنه من مسجد البصرة ربما كانوا أحسن حالا من كثير من قصاص هذا الزمان .
الدائرة الثانية فيما يشجر من اختلاف بين الناس :
اختلاف المدارك في تقدير المصالح والمفاسد ، وتغليب هذا ، أو درء ذاك ، وفي مثل هذا يكثر تفاوت الناس ، وإنما يتفاوتون لثلاثة أمور : سعة الإحاطة بالواقعة أو بأشباهها ونظرائها ، و قديم التجربة معايشة أو مدارسة ، أو ملكة وهبية من بعد نظر وجميل استشراف . وقديما كان في الخيل المجلي والمصلي وكان فيهم الفسكل الذي تعلمون  .. عمرَك الله كيف يجتمعان ؟!
الدائرة الثالثة فيما يشجر من اختلاف بين الناس :
الاختلاف الأخلاقي في صورته الحقوقية ، وفصله في قضاء يفصل فيه بقواعد النفي والإثبات ، وقاض ذكي أريب عادل مثل " كعب بن سُور "  رضي الله عنه وما علمنا بكعب من سور ..؟! فَقِه الشكية وحلّ القضية ، أدرك الإشارة التي غابت عن أبي حفص ، وقال في وصف دعوى المدعية : ما رأيت مثل اليوم " شكوى أشد ، ولا عدوى أجمل " وودت أن أجد عجينة لوزينج فأحشوها بمثل هذه الكلمات ..
والدائرة الرابعة مما يشجر من الاختلاف بين الناس:
 الاختلاف الذوقي ، وهو على ضربين عام وخاص ، ففي الأول الذوق ذوق العموم ، والعاقل أشد حرصا أن يظهر وكأنه " الشامة بين الناس " بلبسته ومشيته ومدخله ومخرجه ومأكله بينهم ومشربه ..
وفي الثاني - الذوق الخاص - فتحب ويحبون ، وتكره ويكرهون ، لا يحمل أحدٌ أحدا على ما لا يستسيغ ،  ولا يدخل له فيم يحب ويكره ، ويقارب ويباعد ، ويؤانس ويفارق مادام في دارته الخاصة ، حتى لو صليت في بيته لزمك الاقتداء به إلا أن يؤثرك. وليس لك أن تسبق إلى محل كرامته إلا أن يأمرك . وعُرض على رسول ، الله صلى الله عليه وسلم ، الضب ، فعافه ، وقال : إنه ليس ببلاد قومي ، وأمعن فيه خالد بن الوليد ، رضي الله عنه ، أكلا ..مع أنه من مكة بل من ذوائبها .
وقد تغزل بهن صاحب طوق الحمامة شقراء وسمراء فأكثر وذلك ذوقه . وكنت أظن الظاهرية أصحاب جفاء ، وسماهم أصحابنا الحشوية تأشيرا على ذلك ، حتى قرأت طوق الحمامة في الألفة والآف .. فأدركت رقة طبع هذا الرجل ، الذي كانوا يقولون في لسانه : لسان ابن حزم وسيف الحجاج .
واستمع إليه يقول وأروي من حفظ بلا تثريب : ".لقد وطئت بساط الخلفاء ، وحضرت مجالس الوزراء والكبراء فما عاينت مجلسا أهيب من مجلس محب بين يدي محبوب "
اللهم اجعل حبك أحب إلينا من كل شيء ومن الماء البارد على الظمأ ..
وهذه قواعد أربع تضبط دوائر الخلاف بين الناس ، فمن أوى إليها فقد أوى إلى عقل ورشد ومن أبى وتعدى فلا يوتع إلا نفسه ..
لندن : 9/ شعبان / 1441
2/ 4 / 2020
_____________
*مدير مركز الشرق العربي