الرئيسة \  تقارير  \  يرفضه البابا تواضروس وشيخ الأزهر: قصة “الدين الإبراهيمي” الذي تُبشِّر به أمريكا

يرفضه البابا تواضروس وشيخ الأزهر: قصة “الدين الإبراهيمي” الذي تُبشِّر به أمريكا

12.01.2022
زهراء أبو العنين


ساسة بوست               
الثلاثاء 11/1/2022
خلال لقائه عبر شاشة التلفاز يوم الجمعة السابع من يناير (كانون الثاني) 2022 والذي يوافق عيد الميلاد المجيد لدى الطائفة الأرثوذكسية، أعلن البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية، رفضه فكرة “الدين الإبراهيمي الجديد” التي تجمع تحت لوائها القيم الإنسانية التي تشترك فيها الأديان السماوية الثلاثة. وكان شيخ الأزهر، قد رفض هذه الديانة الجديدة في نوفمبر الماضي (تشرين الثاني) 2021، خلال احتفالية “بيت العائلة المصري”، فما هي “الديانة الإبراهيمية الجديدة”؟ ومن دعا إليها؟ ولماذا تلاقي رفضًا واسعًا من رجال الدين على اختلاف انتماءاتهم؟ وما وجه الشبه بينها وبين “الدين الإلهي” الذي سبق وأن دعا إليه “الإمبراطور أكبر” سنة 1582 ميلاديًّا؟
الدين الإبراهيمي الجديد.. فكرة سياسية بغطاء ديني
يُشار إلى الأديان: الإسلام والمسيحية واليهودية، بأنهم الديانات الإبراهيمية؛ نسبة إلى نبي الله إبراهيم، أبي الأنبياء، وتختلف معتقدات كل ديانة مما سبق عن الأخرى، لكن “الديانة الإبراهيمية الجديدة” تدعو إلى ذوبان الأديان السماوية الثلاثة في دين جديد يركز على الأمور المشتركة بين تلك الأديان، مع ترك خصوصيات كل ديانة، وتطمح توجهات الداعين إلى الديانة الجديدة إلى التخلص من النزاعات والصراعات عبر دمج الجميع تحت ديانة واحدة.
وأشار شيخ الأزهر في كلمته خلال احتفالية “بيت العائلة المصري”، إلى أن هناك مراكز بحثية ضخمة وغامضة تروج للديانة الجديدة، أطلقت على نفسها اسم “مراكز الدبلوماسية الروحية”، تدعو كبار رجال الدين في الأديان الثلاثة إلى إيجاد قيم مشتركة بين الأديان مثل: التسامح والمحبة وتقبل الآخر، ودمجها معًا في الديانة الإبراهيمية الجديدة. ويرى الصحافي المصري حمدي رزق، أن هذه المراكز تعتمد في باطنها إلى “غرس فكرة شيطانية بأن الأديان هي السبب الرئيسي لإشعال الصراعات”.
وبحسب تصريحات الدكتور بكر زكي، أستاذ مقارنة الأديان بجامعة الأزهر، لموقع “مصراوي”، فإن مصطلح الديانة الإبراهيمية الجديدة “مصطلح حديث نسبيًّا لم يمض على ظهوره أكثر من خمس سنوات، وللصهيونية العالمية دور في تدشينه”، وقد أشار الدكتور عبد المنعم فؤاد أستاذ العقيدة والفلسفة في تصريحاته للموقع ذاته، بأن الدين الإبراهيمي الجديد فكرة سياسية تحت غطاء ديني، وما هي إلا دعوة خبيثة للاعتراف بالصهيونية العالمية لتصبح القائد للنظام العالمي الجديد.
الدين الإبراهيمي الجديد.. أقدم من “اتفاقيات أبراهام” التطبيعية!
خلال سبتمبر (أيلول) عام 2020، وقعت الإمارات والبحرين اتفاق تطبيع مع إسرائيل برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، ورئيسها آنذاك، دونالد ترامب، وعُرف الاتفاق باسم “اتفاقيات أبراهام” أو “الاتفاق الإبراهيمي”، وجاء في نص إعلان الاتفاق على صفحة وزارة الخارجية الأمريكية: “نحن نشجع الجهود المبذولة لتعزيز الحوار بين الثقافات والأديان للنهوض بثقافة السلام بين الديانات الإبراهيمية الثلاث والبشرية جمعاء… ونرحب ترحيبًا حارًّا بالتقدم المحرز في إقامة علاقات دبلوماسية بين إسرائيل وجيرانها في المنطقة بموجب مبادئ اتفاقات أبراهام”، يرى الكثيرون أن هذا البيان هو بداية الحديث والحوار الذي تحول فيما بعد عن الحديث عن الديانة الإبراهيمية الجديدة، وهذا هو سبب الربط بين الديانة الجديدة والتطبيع مع إسرائيل.
وتمس الاتهامات دولة الإمارات العربية المتحدة، بأنها من تقف خلف الترويج للديانة الجديدة، من قبل توقيع اتفاقية التطبيع، وذلك بسبب ما يعرف بـ”بيت العائلة الإبراهيمية” الذي يضم مسجدًا وكنيسة، وكنيسًا يهوديًّا، والذي أمر حاكم دبي بتأسيسه في أبو ظبي منذ عام 2019، ومن المقرر افتتاحه هذا العام 2022.
وعلى غير المعتاد في تسمية الاتفاقات باسم الأماكن التي أبرمت فيها، فقد سميت اتفاقية السلام بين الإمارات وإسرائيل باسم اتفاقية أبراهام نسبة إلى نبي الله إبراهيم، وقد أوضح السفير الأمريكي في إسرائيل، ديفيد فريدمان، أن سبب التسمية “أن النبي إبراهيم كان أبًا للديانات الثلاث الكبرى، ولا يوجد أفضل منه ليرمز إلى إمكانية الوحدة بين جميع الديانات الثلاث”.
وترى الدكتورة هبة جمال، أستاذ العلوم السياسية والدراسات المستقبلية بمعهد التخطيط القومي، وخبيرة الشؤون الإسرائيلية، وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية أن “إطلاق هذا الاسم على اتفاقية السلام يعد مشروعًا استعماريًّا أمريكيًّا يهدف إلى خلق شرق أوسط إبراهيمي جديد تسيطر عليه الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات”.
وسبق وأن أوضحت دكتورة هبة خلال ندوة بعنوان “المشترك الإبراهيمي وتداعياته على مستقبل المنطقة العربية” نظمها المجلس المصري للشئون الخارجية عام 2019، أن الديانة الإبراهيمية “تتمحور حول النبي إبراهيم باعتباره المشترك بين الأديان، كما تتمثل بعض الأركان الأساسية للإبراهيمية في حدوث تحاور بين رجال من الديانات الثلاث والساسة والدبلوماسيين، لوضع ميثاق مشترك تكون قدسيته الدينية بديلًا عن المقدسات السماوية، ويُعمل به سياسيًّا لحل الصراعات الدولية، ويعد الشرق الأوسط نطاق التطبيق للمبادرة لضمان السلام العالمي الذي يبدأ من الاستقرار في المنطقة وفقًا لأنصار الإبراهيمية”.
وأضافت خلال الندوة أن مسؤولية نشر المفهوم الجديد، وجذب المؤمنين بالفكرة، تقع على القادة الروحانيين، بشرط أن يكونوا من المؤثرين مجتمعيًّا ليتمكنوا من إقناع الكثيرين حولهم، وبغرض جلب الكثير من المؤيدين، يجب نشر “أُسر السلام” في المناطق والمجتمعات كافة التي تعاني من نزاعات دينية، بهدف حل الصراع، وتقريب القيادات الإبراهيمية في تلك المنطقة عبر تطبيق الميثاق الإبراهيمي الجديد.
ويعد الحوار الخدمي أحد الأركان الأساسية للدعوة الإبراهيمية الجديدة عبر تقديم خدمات تنموية وخلق دخل للأسر الفقيرة للتخلص من الفقر العالمي، وجذب المؤيدين من المجتمعات المحلية. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، تشترك بعض الكيانات العلمية الكبرى في ترسيخ الفكرة، ومن أبرزها جامعة هارفارد ومشروعها الذي يرصد رحلة النبي إبراهيم بين 10 دول.
وبحسب نظريات جيمس روزينو، العالم السياسي الأمريكي والباحث في الشؤون الدولية، ورئيس جمعية الدراسات الدولية من عام 1984 إلى عام 1985؛ فإن مستقبل العالم سيرتكز على السلام العالمي الذي سيتحقق عبر “الديانات الإبراهيمية والعقائد المتداخلة”، بوصفه مدخلًا جديدًا لحل النزاعات في العلاقات الدولية، وسيعكس نهجًا جديدًا داخل علم العلاقات الدولية، كانت أهم ملامحه ظهور مفاهيم جديدة؛ مثل التسامح العالمي، والأخوة الإنسانية، والحب، والوئام، الأمر الذي ينعكس الآن تحت مسمى “الديانة الإبراهيمية”.
جدير بالذكر أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، أعلن في عام 2013، إنشاء مكتب الشؤون الدينية والشؤون العالمية في وزارة الخارجية، مما يساعد على تنفيذ إستراتيجية الولايات المتحدة بشأن المشاركة المجتمعية الدينية، وأوضح أن عمله حتم عليه مقابلة أشخاص من جميع التقاليد الدينية وفلسفات الحياة والمعتقدات، وأن هذه التجربة جددت إيمانه بأن “هناك الكثير مما يوحدنا وينبغي أن يوحدنا أكثر مما يفرقنا”، على حد تعبيره، وأقر بأن هناك “أرضية مشتركة بين الديانات الإبراهيمية الثلاثة”، مما يوضح أن رغبة أمريكا في نشر “الديانة الإبراهيمية الجديدة” والدعوة لها، أقدم من توقيع “اتفاقيات أبراهام”.
الأزهر الشريف والكنيسة الأرثوذكسية يرفضان الديانة الإبراهيمية الجديدة
في شهر نوفمبر 2021، وخلال الاحتفال ببيت العائلة المصري، أعرب شيخ الأزهر الشريف عن رفضه ما يسمى “الديانة الإبراهيمية”، وأوضح أن هناك فارقًا بين التآخي بين الإسلام والمسيحية وبين خلط الأديان معًا في دين واحد وإلغاء الفواصل الخاصة بكل منهم.
وبحسب رؤية شيخ الأزهر، فالدعوة إلى الديانة الجديدة تعد دعوة إلى مصادرة حرية الاعتقاد وحرية الاختيار، على عكس ما يحاول المروجون إليها إظهارها، على أنها دعوة لتوحيد المجتمع الإنساني والقضاء على أسباب الصراعات.
وكما ذكرنا، فقد أعلن البابا تواضروس هو الآخر رفضه الديانة الإبراهيمية الجديدة، وأوضح أنها غير مقبولة شكلًا وموضوعًا، وأنها “تفكير سياسي وليس دينيًّا”، كما قال إن “الأديان لا يمكن تغييرها أو تجديدها لمنع زعزعة ثوابت الدين”، مبينًا أن “الدين الإبراهيمي الجديد يعد نقيضًا للأديان السماوية الثلاثة، وهدفه الرئيسي هدم ثوابت الدين في هذه الديانات الثلاث”.
وهكذا سيتمكن أرباب الديانة الإبراهيمية الجديدة من نشرها
حدد أنصار فكرة الديانة الإبراهيمية والمُبشرون بها، بعض الأسس التي يجب اتباعها للتمكن من تنفيذ مبتغاهم، وأبرزها ربط فكرة الديانة الجديدة بأهداف التنمية المستدامة بوصفها تهدف إلى مكافحة الفقر العالمي، ومحاولة استيعاب أتباع الديانات الإبراهيمية الثلاث عبر الحوار الخدمي، ومن أبرز الأنشطة التي دعمتها منظمات الأمم المتحدة لاستيعابهم: “معًا نصلي” و”الأخوة الإنسانية”.
وعلاوة على ذلك، تهدف المؤتمرات والقمم الدولية إلى الوصول إلى الاتفاق الإبراهيمي والتقارب بين القيادات الروحية والساسة لتحقيق الغاية ذاتها، كما أن تعزيز السياحة الدينية المشتركة إحدى هذه الخطوات، ويساعد في هذا امتلاك دول المنطقة لمقدسات تاريخية دينية.
ولأن للمرأة مكانتها داخل هذا الفكر كونها عماد الأسرة، فإن “إنشاء تعاونيات نسائية” يساعد على نشر الفكر الجديد، وبالمثل تمامًا، فإن التواصل مع الشباب بصفتهم أساس الحركة المجتمعية ومستقبل البلاد، يضمن نشرًا سريعًا للديانة الجديدة، وذلك بعد تدريب الشباب على الديانة الجديدة واستحداث بعض الطقوس التي يسهل نشرها للبدء في إقناع الآخرين في مجتمعاتهم، بحسب ما ناقشته ندوة: “المشترك الإبراهيمي وتداعياته على مستقبل المنطقة العربية”.
ما أشبه اليوم بالبارحة.. قصة “الدين الإلهي” الذي دعا إليه الإمبراطور أكبر
جمع الديانات تحت لواء دين جديد ليس أمرًا يحدث للمرة الأولى، فخلال حكم أباطرة المغول للهند، حدث ما هو أشبه بذلك؛ إذ شهدت الهند خلال حكم المغول انتشار العديد من الديانات المختلفة، وكان لهذا التنوع تأثيرًا كبيرًا في الإمبراطور جلال الدين أكبر، الذي أراد تجميع جميع عناصر الشعب حوله بصرف النظر عن عقائدهم.
حاول الإمبراطور أكبر عام 1582، دمج جميع الأديان معًا في دين جديد أطلق عليه “الدين الإلهي”، وفي سبيل تحقيق غايته، أنشأ ديوان أطلق عليه “بيت العبادات”، وجمع فيه كبار رجال الديانات المختلفة، وأمرهم بجمع أفضل ما في الأديان، وجمعها في دين جديد تتلخص أصوله في توحيد الله، أما عن الطقوس فتشمل طقوسًا من كل الديانات، إلا أن الأمور لم تستمر طويلًا بهذه الصورة؛ فقد تقرب علماء السنة إلى الإمبراطور جهانكير، فبدأ يستمع إليهم، ويأخذ بنصائحهم، حتى اقتنع الإمبراطور بإلغاء المظاهر التي ارتبطت بـ”الدين الإلهي”، وأحيا من جديد تعاليم الدين الإسلامي بعيدًا عن “الدين الجديد” الذي حاول الإمبراطور جلال الدين أكبر، التبشير به.